دفعت تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما ، بشأن التزام بلاده بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل بعملية السلام "المجمدة حاليا" إلى واجهة المشهد مجددا ، مما يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة البيت الأبيض على وقف التهاوي الحاصل في عملية السلام والخطوات التى يجب اتخاذها لتغيير المناخ السائد منذ انهيار العملية التفاوضية في سبتمبر 2010. وعلى الرغم من أن زيارة أوباما للأراضى الفلسطينية وهى الأولى منذ توليه رئاسة أمريكا - تعكس اصرارا على متابعة عملية السلام خلال الولاية الثانية ، وتحريك المياه الراكدة ، إلا أن وجود يمينى متطرف مثل بنيامين نتانياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية وتراجع موقع السلطة الفلسطينية المتشابكة مع شريكتها حماس ، ناهيك عن تراجع الثقة بمبدأ التفاوض لدى غالبية الفلسطينيين تعتبر معوقات تكتيكية لا يمكن لأوباما العبور منها إلا بخطط استراتيجية قابلة للتنفيذ. ولعل شعور الرئيس الأمريكي بصعوبة المهمة التى جاء من أجلها إلى الأراضى الفلسطينية ، والتى تصطدم دائما بالرغبة فى إرضاء إسرائيل والتأكيد الدائم على طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب هو ما حدا بأوباما إلى دعوة الفلسطينيين فى المؤتمر الصحفى الذي عقده مع الرئيس محمود عباس فى رام الله اليوم إلى عدم التخلى عن السلام "مهما كانت صعوبة ذلك" ، باعتبار أن السبيل الوحيد لذلك هو المضى قدما فى محادثات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. ويبدو أن تأسيس السياسة الإسرائيلية على رؤية متجذرة في القرن الماضي لم يكن في حساباتها التغيرات الكبيرة ، التي يشهدها العالم ، هو أهم المطبات التى يمكن أن تواجه إدارة أوباما فى إعادة رسم المشهد الفلسطينى الإسرائيلى ، من خلال "جسر الهوة" وتحريك الجمود القاتل فى عملية السلام. ويستند أوباما فى جزء من طموحاته إلى وجود شخصية مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس السلطة الوطنية التى تحظى برعاية أمريكية ورضا إسرائيلى ، حيث لم يخيب عباس ظنون أوباما عندما قال إن السلام "ضرورى وحتمى.. ونعتقد أنه ممكن" ، مشددا على أن الفلسطينيين مستعدون لتنفيذ ما عليهم من التزامات من أجل إحراز تقدم فى حل الدولتين. إلا أن تلك الإمكانية تتطلب وفقا لرؤية عباس عدم استخدام العنف ضد الفلسطينيين ، وإنهاء الاحتلال ، ووقف إقامة الجدران أو المستوطنات أو الاعتقالات أو الحصار ، وعدم إنكار حقوق اللاجئين الفلسطينيين ، وهو ما يجعل طموحات أوباما فى صدام شبه مستمر مع ثقافة الاستيطان المتأصلة فى الحكومات المتعاقبة سواء الصقور من اليمين المتطرف ، أو حتى من يطلق عليهم "الحمائم" فى إسرائيل . وكان نتانياهو قد عجل بخطط الاستيطان من جديد بعد أن حصل الفلسطينيون على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفع التمثيل الفلسطيني في الأممالمتحدة في تحرك عارضته إسرائيل بوصفه خطوة منفردة تقوض جهود السلام. وفيما حاول نتانياهو أن يظهر بمظهر الساعى إلى السلام فى محاولة لكسر الجمود فى علاقاته مع أوباما ، حيث أكد في مؤتمر صحفي مشترك عقده في القدس مع الرئيس الأمريكي إن إسرائيل مازالت ملتزمة بحل الدولتين مع الفلسطينيين ، إلا أن الحقائق على الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، أنها ماضية فى خططها الاستيطانية وتفريغ تلك الدولة المأمولة للفلسطينيين من معناها كدولة حقيقية. وإذا كان نتنياهو قد أكد رغبته ورغبة حكومته فى استمرار "عملية السلام " إلا أن الأحزاب الدينية المتشددة ، رغم أنها خارج الحكومة الجديدة ، غير أن من هم داخلها والذين يشكلون الثقل الأساسي فيها مثل نفتالي بينيت زعيم حزب " البيت اليهودي" أو حتى يائير لابيد الذي صعد نجمه كزعيم لحزب "ييش عتيد" أو "هناك مستقبل" ، سوف يكفلون (الفيتو) ضد أي تقدم في عملية السلام، حتى لو أراد نتانياهو الإيحاء للأمريكيين وللعالم أنه يعمل من أجل ذلك. ا ج فبرنامج "بينيت" الانتخابي كان قائما على الدعوة إلى ضم 60 \% من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، كما أنه يصرح علنا بأنه يستبعد قيام دولة فلسطينية "لمائتى سنة على الأقل" ، وهو ما يعنى أنه إذا ما تم التوافق على إعادة المفاوضات المباشرة ، فإنها ستكون بلا جدوى ولن تغادر "محطة التفاوض" إلى أية محطة أخرى تضمن إعادة رسم الأوضاع وفق مكتسبات جديدة للفلسطينيين . أما لابيد ، وعلى عكس ما يبدو من خطابه غير المتشدد، ورغبته في وقف إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، فإن هاجسه الأساسي كما أشارت حملته الانتخابية، هو "نسيان الأزمة مع الفلسطينيين " والالتفات إلى الداخل الإسرائيلي، وإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تلبي مطالب تظاهرات "الربيع الإسرائيلي" التي خرجت في شوارع تل أبيب وسائر المدن صيف 2011، وكانت للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية خالية من أية إشارة إلى مأزق السلام أو إلى مستقبل علاقات إسرائيل مع محيطها العربي. ووفقا لما ترسمه الاستراتيجية الإسرائيلية لمستوى العلاقة مع الفلسطينيين ، فإن الجمود سيظل سيد الموقف في العلاقات بين الطرفين بغض النظر عن التصريحات المتبادلة "أمريكيا واسرائيليا وفلسطينيا التى تعكس آمالا وردية" . وكانت محادثات السلام قد جمدت منذ عام 2010 بسبب خلاف بشأن بناء المستوطنات ، التى يعتبرها العالم بما فيهم الولاياتالمتحدة غير قانونية وفقا للقانون الدولى ، باعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال. وليس ثمة شك فى أن هذا الجمود سيكون دائما فى صالح الإسرائيليين ، حيث سيمضون في بناء المستوطنات وفق المخططات المرسومة ، ويؤسسون أوضاعا جديدة على الأرض من شأنها أن تقطع الطريق في المستقبل على أية محاولة لإقامة دولة فلسطينية. وتعد تصريحات وزير الإسكان الإسرائيلي الجديد أوري أرييل، بأن حكومة نتانياهو ستواصل توسيع المستوطنات اليهودية بنفس المدى الذي كانت عليه حكومته السابقة ، أكبر دليل على ما تعتزم تل أبيب تنفيذه فى الأراضى محل النزاع والتى من المفترض أن المفاوضات ستجرى بشأنها . كما تشير التقارير إلى أن إسرائيل خصصت الجزء الأكبر من خططها لعمليات بناء المساكن للمناطق الأقل سكانا داخل "حدودها السيادية" في صحراء النقب في الجنوب ومنطقة الجليل في الشمال. وأعلنت إسرائيل فى ديسمبر ويناير الماضيين خططا لبناء أكثر من 11 ألف مسكن جديد في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، لتضاعف مرتين تقريبا عدد المساكن التي شيدت في ظل حكومة نتانياهو السابقة منذ مارس 2009، والتي بلغت 6800 مسكن، وذلك وفقا لإحصاءات حركة السلام الآن.