أسلاك كهربائية «عارية» لصعق التلاميذ.. والأهالي ينقذون تلميذاً قيدته «معلمته» من قدميه مدرسة ترعب الأطفال بكرباج.. وأخرى تطالبهم بمسح الأحذية «المطواة» أحدث وسائل التعذيب في مدارس «البداري» نصّار: لولا العصا لما تخّرج أحمد زويل وطه حسين.. وطنطاوي: وقف التأديب يحول المدارس ل«ملاهي» تقرير حقوقي: تصريحات الوزير زادت من حالات العنف.. و«غنيم»: لم أقصد إطلاقاً عودة الضرب تربويون: الظاهرة مؤشر على سرعة انفلات أعصاب المدرسين وعدم قدرتهم على ضبط أنفسهم
لم يكن طلاب مدارس ما بعد الثورة يتوقعون أن تتحول المدارس إلى معاقل لعقابهم بأبشع ألوان العذاب، بعدما استعاد أساتذتهم أدوات، اختفت من الحياة مثل الكرباج والفلكة، لعقابهم على أبسط الأخطاء، ورغم أن القانون يجرم التعدى على الأطفال إلا أن هناك دومًا من يخرق هذه القوانين، ليقول للجميع «أنا فوق القانون». الفترة الماضية شهدت عددًا من وقائع العنف فى المدارس، كان أبطالها المدرسون الذين استغلوا ضعف الأطفال وأذاقوهم ألوانًا من العذاب، فى موقف غير مبرر، فى حين اتخذ المدرسون من تصريحات وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم، التى أكد فيها عدم ممانعته للضرب فى المدارس لإصلاح التلاميذ، شريطة ألا يكون مبرحًا، ستارًا لممارسة العنف بجميع أشكاله ضد التلاميذ. خبراء التعليم أرجعوا عودة العنف للمدارس فى فترة ما بعد الثورة إلى إغفال المسئولين عن العملية التعليمية متابعة المدارس، وأحوال المدرسين والطلاب، ما فاقم من المشكلة وجعل المدرس يتحكم فى الطالب باعتباره «الآمر الناهى» ونسى أن التلميذ الصغير «أمانة» فى يديه سيحاسب عنها يوم القيامة.
عنف بكل الألوان فى مدرسة أمير المؤمنين الإعدادية التابعة لإدارة حدائق القبة التعليمية، قام أحد المدرسين بجلد طالب، لمدة نصف الساعة أمام زملائه داخل الحجرة الدراسية، الأمر الذى أدى إلى سقوط الطالب مغشيا عليه، قبل أن يتم نقله للمستشفى ليظل ثلاثة أسابيع تحت العلاج بعد إصابته بجروح غائرة فى الجسد، جراء التعدى عليه. وفى إدارة الغنايم التابعة لمحافظة أسيوط خصصت إحدى المدرسات كرباجا لإرهاب التلاميذ وقامت بوضعه أعلى السبورة، حتى يراه الطلاب طوال اليوم الدراسى، ولا يفكر أيًا منهم فى إحداث أى تجاوز، مؤكدة لهم أن مصير المخالفين لأوامرها سيكون مثل مصير أحد الطلاب الذى فقد عينه اليسرى، بعد أن قامت المدرسة بضربه بالكرباج ثم أثبتت أنه تعرض للإصابة خارج المدرسة وهو يحاول تسلق شجرة. إدارة بنها التعليمية التابعة لمحافظة القليوبية استحدث مدرسوها وسيلة تعذيب أخرى عبارة عن «سلك كهرباء» يتم صعق المخطئ من الطلاب به، وهو ما حدث فى مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية، حينما قام مدرس اللغة العربية بصعق طالب بالصف الرابع الابتدائى، وادعى أنه صعق أثناء لعبه فى السلك العريان. عنف المدارس لم يتوقف عند هذا الحد حيث استحدث المدرسون وسائل أخرى منها مطالبة المدرسين للطلاب بضرب بعضهم كوسيلة للعقاب، هذا ما يستخدمه مدرس اللغة الإنجليزية فى مدرسة حدائق القبة الإعدادية بنين، فيما استخدمت مدرسة الدرسات الاجتماعية بإحدى المدارس وسيلة جديدة للعقاب حيث تقوم باستخدام الحبل كوسيلة متطورة، تقوم خلالها بربط الطلاب من أقدامهم ليظلوا على هذا الوضع لحين انتهاء اليوم الدراسى، قبل أن ينكشف أمرها عندما تركت طالبا إلى نهاية اليوم مربوطا داخل حجرة التدبير المنزلى، ونسيت فك وثاقه، وتم إغلاق المدرسة عليه، وظل الطفل حتى المساء، قبل أن يتعالى صوته بالصراخ، ليقوم الجيران بكسر البوابة واقتحام المدرسة، وإخراجه، ليصاب بعدها بنوبة عصبية لم يعاف منها حتى الآن. مدارس الصعيد كان لها نصيب فى وسائل التعذيب المبتكرة حيث استخدم المدرسون وسيلة غير متوقعة لإرهاب التلاميذ وهى «المطواة» والسلاح الأبيض، فيما يقوم مدرسو المدرسة الثانوية التجارية بإدارة البدارى التعليمية بإجبار الطلاب على مسح أحذية جميع معلمى المدرسة، ثم يطالبوهم بخلع ملابسهم ليظلوا بدونها أمام بقية الطلاب لساعات طويلة رغم أن المدرسة «ثانوية مشتركة».
العصا لمن عصى قال مدرسون إن عقاب التلاميذ على أخطائهم أمر طبيعى، مؤكدين أنه من غير المعقول أن يختفى العقاب من المدارس التى لن تستطيع تأدية دورها دون وجود عقاب للمخطئين. عادل نصار، مدرس بمدرسة أم المؤمنين الإعدادية المشتركة بالجيزة، قال: «العصا لمن عصى، فلولا العقاب والضرب فى المدارس لما تخرج علماء مثل الدكتور أحمد زويل والأديب طه حسين، وغيرهما، الذين تعلموا فى مدارس حكومية، وكان العقاب وقتها وسيلة هامة، وكان الضرب يتم بشكل مبرح»، مضيفًا: «هيبة المعلم وكرامته انهارت مع توقف العقاب، خاصة مع انتشار التعليم الخاص الذى يشعر فيه الطالب أنه يشترى العلم ويدفع له راتبه». وأكدت سلوى طنطاوى، مدرسة لغة إنجليزية بنفس المدرسة: «لولا العقاب، لما احترم الطالب المعلم، ولما أدى الطلاب واجباتهم»، مضيفة: «أنا ضد العقاب المبالغ فيه، ولكن يجب أن يكون العقاب بشكل معقول مثل عقاب الأب لابنه، والذى خلاله بتربيته، دون الإضرار به»، موضحة أن المصريين اعتادوا ألا يؤدوا واجباتهم دون الضغط والإهارب، قائلة: «لولا العقاب فى المدارس لتحولت المدارس لملاه يلتقى فيها الطلاب للعب فقط». على النقيض من ذلك يرى حسين محمود، مدرس دراسات اجتماعية بمدرسة أم الأبطال الثانوية المشتركة، عدم جدوى الضرب فى المدارس، مؤكدًا أن احتواء الطلاب وتشجيعهم بالحب والاحترام أفضل من العقاب، مؤكدا أن ذلك يعتمد فى الأساس على التربية، حيث إنه من الضرورى أن يعلم الطالب أن المعلم مثل والده يجب احترامه، الأمر الذى لن يحتاج معه المدرس للجوء للعقاب إذا حدث. وأضاف محمود: «يتضح ذلك من حصول طلاب المدارس الأجنبية والخاصة على أعلى الدرجات بالرغم من عدم وجود أى نوع من العقاب فى تلك المدارس».
تقرير يرصد وقائع العنف كشف تقرير صادر عن المؤسسة المصرية لأوضاع الطفولة حول العنف المدرسى فى الآونة الأخيرة عن ارتفاع حالات العنف التى يرتكبها العاملون بالمدارس ضد الأطفال، وزادت بشكل واضح بعد تصريحات الدكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم، والتى أكد فيها أنه ليس ضد الضرب فى المدارس لإصلاح التلميذ ولكن بشرط ألا يكون «مبرحًا»، الأمر الذى منح كارتا أخضر للمعلمين لعقاب التلاميذ بجميع أنواع العقاب. وبحسب التقرير فإن حالات العنف زادت فى المدارس حيث وصل عدد الحالات المنشورة فى الصحف من 13 حالة خلال شهر أكتوبر، إلى 27 حالة خلال شهر نوفمبر الماضى، وهى الفترة التى تلت تصريحات الوزير. وأكد التقرير، الذى يقوم برصد وتحليل الحوادث المتعلقة بالظاهرة والتى نشرت فى عدد من الصحف حول عودة ظاهرة العنف فى المدارس، أن المدارس الحكومية جاءت فى مقدمة مدارس العنف، حيث حصلت على نسبة 67.18% من إجمالى الحالات. وأرجع التقرير ارتفاع النسبة فى المدارس الحكومية إلى الكثرة العددية للملتحقين بالتعليم الحكومى العادى مقارنة بالمدارس الأخرى كالخاصة والأزهرية، إضافة إلى حرص المدارس الخاصة على عدم نشر أخبار العنف المدرسى داخلها لعدم تشويه سمعتها فى الصحف، ما يؤثر على إقبال الطلبة عليها، خاصة أنها نوع من التعليم الرأسمالى يعمل على احتواء مشاكله داخليًا. وأوضح التقرير أن حالات العنف المنشورة فى الصحف فى الفترة التى أعقبت تصريحات الوزير تنحصر فى عنف على درجة عالية من القسوة مثل التحرش الجنسى أو العنف البدنى المؤدى لعاهة أو إصابة بالغة.
تربويون: أعصاب المدرسين «منفلتة» من جانبه يرى الدكتور عصام المغازى، الخبير التربوى والأستاذ بجامعة عين شمس، أن الصحف أولت اهتماما كبيرا لحوادث الإيذاء البدنى، والتى تصل إلى حد القتل فى بعض الأحيان، يليه الاعتداء الجنسى، والذى يلقى رواجًا بين القراء، مضيفًا أن الذكور يتعرضون للعنف المدرسى بشكل أكبر من الإناث، الأمر الذى أدى إلى زيادة حالات العنف وتعدد صوره وغرابتها، موضحًا أن الاعتداءات الجنسية تزيد فى الإناث مما يعد مؤشراً على أن المجتمع ينظر إلى الإناث باعتبارهن كائنات جنسية حتى فى طفولتهن، مشيرًا إلى أن التوصيف القانونى لجريمة الاغتصاب يرتبط بالإناث فقط. وقال الدكتور حسنى السيد، الأستاذ بالمركز القومى للبحوث التربوية، إن العصا لم تعد الأداة الكلاسيكية فى العنف المدرسى، حيث تفوقت عليها الأسلحة البيضاء التى كانت الأكثر استخداما فى الحوادث المرتكبة بين الأطفال بعضهم البعض، فى الوقت الذى لجأ فيه المدرسون وأعضاء هيئة التدريس لاستخدام الأيدى والركل لمواجهة الأطفال، الأمر الذى يعد مؤشراً على سرعة انفلات أعصاب المدرسين، وعدم قدرتهم على الضبط الذاتى، بسبب تعرضهم لضغوط نفسية، وعدم قدرتهم على التكيف معها، الأمر الذى يصل فى بعض الأحيان للاشتباك بين المدرسين، أو بين المدرسين أنفسهم أو مع أعضاء الإدارة المدرسية. وأضاف أن المدرس يتصدر قائمة مرتكبى أعمال العنف المدرسى يليه الطالب، ثم الإدارة المدرسية، وفى حال تم جمع المدرسين والإدارة التعليمية فى كيان واحد تحت مسمى «العاملون بالمؤسسة التعليمية»، يتضح عندها أن نسبة أعمال العنف التى تمارسها المؤسسة التعليمية ضد التلاميذ تصل إلى 59.54%، مما يعد مؤشراً على ارتفاع نسبة العنف المرتكب بواسطة أفراد المؤسسة التعليمية المفترض فيهم رعاية وتعليم الأطفال. من جانبها أكدت الدكتورة وفية عبد المجيد، الخبير التربوى والأستاذ بجامعة جنوب الوادى، ارتفاع نسبة تعرض الأطفال للعنف المدرسى، حيث تصدر الأطفال المعنفون القائمة، ويأتى المدرس فى المركز الثانى بفارق كبير من إجمالى عدد المعنفين، بينما يأتى أفراد الإدارة المدرسية فى المركز الثالث مما يعنى تعرض العاملين بالمؤسسة التعليمية لنسبة من حالات العنف، وهى نسبة ضئيلة لا تقارن بنسبة الأطفال الذين مورس ضدهم العنف، الأمر الذى يشير إلى أن الأطفال هم الطرف الأكثر عرضة للعنف فى المدارس. وطالبت بتطبيق إجراءات لحماية الأطفل داخل المؤسسات التعليمية، وتفعيل دور لجان الحماية الفرعية فى المرور على المدارس ورصد أعمال العنف داخلها وتوثيقها، وكتابة التقارير اللازمة عنها لملاحقة مرتكبيها، مع إيجاد آلية تعاون مشترك بين تلك اللجان والإخصائيين بالمدارس، مشددة على ضرورة تفعيل قرار وزير التعليم رقم 334 الصادر بتاريخ 14سبتمبر 2006 الخاص بمجالس الأمناء ودورها فى تنفيذ برامج تهدف لمشاركة الأطفال وأولياء الأمور فى وضع السياسات التعليمية، والعمل على تجريم العقاب البدنى ضد الأطفال وتفعيل المادة 96 من قانون الطفل فى الفقرة رقم الثانية المعنية بالعنف المدرسى بجميع أشكاله وأنواعه ودرجاته.
مدرسون بلا «هيبة» قال الدكتور صابر محسن، الخبير التربوى: «غالبًا ما يتعرض المعلم لضغوط نفسية وعصبية يصعب معها التحكم فى أعصابه، ومع منع استخدام العنف فى المدارس، لا يجد أمامه سوى استخدام جميع أنواع السباب والشتائم، الأمر الذى أحدث نوعا من التمرد داخل المدارس وخاصة الحكومية منها، ولم تعد للمعلم هيبة، ومع الأحداث الأخيرة ووصف الإعلام للشباب الذين يقومون بإحراق البلاد بأنهم ثوريون والدفاع المستميت عنهم، تكون لدى الطلاب قناعات بأن العنف هو سيد الموقف فى المرحلة الحالية»، وأضاف أن سوء الأحوال فى البلاد وعدم وجود رقابة على المدارس زاد الطين بلة، وفاقم من حجم العنف بالمدارس.