مثل نظيرتها في مصر تحاول جماعة الإخوان المسلمين في سوريا القفز علي سفينة الثورة السورية وقطف ثمارها قبل أي فصيل سياسي آخر وذلك عندما يحين الوقت المناسب.. تحاول الجماعة ذلك رغم أن الغالبية العظمي من أعضائها يعيشون خارج سوريا وكذلك رغم عدم مشاركتها في الأحداث الجارية هناك بفاعلية مثل قوي أخري.. ومع ذلك تحاول استمالة القوي السياسية والإسلامية هناك من أجل إيجاد مكان لها علي المسرح السياسي الذي يسيطر عليه قوي أخري مثل الجهادية السلفية. وتأتي الدراسة المنشورة في مؤسسة كارنيجي مؤخرا بعنوان (الصراع من أجل التكيف: جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الجديدة) للباحث السويدي أرون لوند المتخصص في شئون الشرق الأوسط والتي قامت بتعريبها نسرين جاويش الباحثة في العلوم السياسية لتلقي الضوء علي الجهود المبذولة من قبل هذا جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة علي مقاليد الأمور، وتصدر المشهد السياسي السوري مؤكداً أن العائق الأساسي في ترسيخ جماعة الإخوان المسلمين ذاتها في التمرد القائم في سوريا هو وجودها في المنفي، وممارستها لنفوذها داخل الأراضي السورية من خلال شبكة من التحالفات غير الرسمية مع شخصيات إسلامية وقادة الثوار عبر الروابط الأسرية والمنظمات الخيرية المستقلة. في دراسته يؤكد "لوند" أن صعود الجماعات السلفية المتشددة وتشكيكها في أيديولوجية الإخوان المسلمين المُعتدلة نسبياً هو العائق الأكبر في طريق الجماعة لترسيخ نفسها من خلال الشباب.. مشيرا إلي أنه منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 لم تحظ أي جماعة معارضة أو فصيل معارض لنظام الأسد بهذا القدر من الاهتمام وتسليط الضوء عليه كما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين. وعليه، يري لوند من الأهمية بمكان ضرورة تسليط الضوء علي هذه الجماعة، أو كما يُطلق عليها الحركة السرية، واستعراض تاريخها، ونشأتها، وكيفية تأثيرها في مسار الأحداث في الأراضي السورية من المنفي وشبكة التحالفات غير الرسمية التي تعمل من خلالها، لينتقل بعد ذلك إلي استعراض صراعها مع السلفية الجهادية للتوصل إلي تحديد القوة الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين كطرف فاعل في أحداث الثورة السورية. يستهل لوند تحليله بتأكيد حقيقة مفادها "أن جماعة الإخوان المسلمين السورية ليست بالقوة كما يُعتَقَد عموماً، إلا أنها تبقي طرفاً فاعلاً أساسياً في الأحداث السورية، وجماعة الإخوان تحاول الابتعاد عن التطرف، علي الرغم من طموحاتها النظرية، وسجلها الحافل بالعنف الطائفي، فهي تروج لنهج إسلامي معتدل، وتسعي إلي مراعاة المخاوف المتعلقة بأيديولوجيتها. ويقاتل عدد من المجموعات المسلحة المرتبطة بالجماعة في سوريا، وترفض قيادة الجماعة أن تقر بأنها تمتلك فصيلا مسلحاً. والمنظمة اليوم إما تسيطر علي عشرات الوحدات شبه العسكرية الصغيرة داخل سوريا، وإما ترعاها". المنفي والاستبعاد يستعرض "لوند" في البداية نشأة الجماعة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وكيفية التخلص منها بالكامل في الأراضي السورية، وبقاءها في المنفي، ليبقي الفصيل المنشق فقط بالداخل لما يقرب من ثلاثين عاماً مع انشغال هذا الفصيل بالنزاعات الداخلية القائمة علي أسس طائفية وشخصية. . وبناء علي ذلك فقد فشلت الجماعة في تجديد صفوفها أو إعادة تأسيس نفسها داخل سوريا، وهو ما جعلها جماعة مهترئة في الداخل. ويبدو ذلك جلياً من عدم قدرة زعيم الجماعة الحالي "محمد رياض الشقفة" علي السيطرة تماماً علي أتباع سلفه "علي صدر الدين البيانوني". وأوضح "لوند" أنه رغم سعي الجماعة الدءوب لجعل نفوذها أمراً محسوساً من خلال تأسيسها للمجلس الوطني السوري في أكتوبر 2011 في اسطنبول، وبقائه كأهم الأطراف المعارضة في المنفي حتي نوفمبر 2012؛ فإنها لا تزال تعاني ضعف تأثيرها بداخل الأراضي السورية، نتيجة فشل محاولاتها الحثيثة للتواصل مع الناشطين والمقاتلين الشباب، فزخم الثورة أقوي منها، بالإضافة إلي اتجاه المتدينين المحافظين في الريف للجماعات السلفية المسلحة -التي نشأت حديثاً- باعتبارها العنصر الفاعل القوي علي الأرض في الوقت الحالي. وقد دفعت هذه العوامل وفق ما ذكرت الدراسة - الجماعة لمحاولة التواصل مع الداخل السوري من خلال استخدام وسيلة الدعم المالي لاستمالة الجماعات الإسلامية الثورية، التي يقف أمام تقدمها نقص التمويل إلا أن هذه الإستراتيجية كانت ذات تأثير محدود حتي الوقت الحالي، خاصة مع ما يقابله من صعود سريع، وبخطي ثابتة للسلفية في الداخل السوري.. ويري "لوند" إلي أنه رغم محدودية تأثير جماعة الإخوان المسلمين في الداخل السوري إلا أنها تتميز بكونها لاعبا سياسيا منضبطا وفعالا، ولا تزال قوة مؤثرة في مجتمع الشتات، ولكنها تفتقر إلي القوة البشرية والسلطة داخل سوريا، وكذلك يواجهها خطر إذا ما تخلي المجتمع الدولي عن تأييد ودعم تحالفات المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني، فإن استثماراتها في هذه القيادات ستكون بدون طائل أو فائدة. ثقافة السرية ويؤكد "لوند" أنه من الناحية النظرية، فإن جماعة الإخوان تتصف بكونها تنظيما شبه ديمقراطي، رغم أنه مركزي إلي حدّ كبير، فيه مؤسّسات محدّدة وانتخابات. لكن، من الناحية العملية، كثيراً ما شوّه الاقتتال الداخلي والقمع السياسي حسن سير عمل هذا النظام. فالجماعة سرّية للغاية، وتعمل بشكل روتيني عبر تنظيمات أخري تُستخدم كواجهة، وتستخدم وسائل غير رسمية، بالاعتماد علي دعم المجتمع الإخواني الدولي الأوسع خارج سوريا. ويوضح أن "ثقافة السرية" هي التي ساعدت علي بقاء جماعة الإخوان المسلمين علي قيد الحياة علي مدي ستة عقود من السياسة السورية، ومن هنا تأتي براعتها في فن السياسة غير الرسمية، والسعي لحشد الأشخاص من غير الأعضاء لصالح قضاياها، بينما تبقي هي بمثابة القوة غير المرئية في الخلفية.. ويُدلل "لوند" بذلك علي قوة التنظيم وارتباطه، وكذلك قدرته علي العمل من خلال جماعات ومؤسسات أخري كواجهة له بمنظمة "وطن" الجديدة نسبياً، والمُسجلة بانجلترا، علي أنها من الممكن أن تكون إحدي الواجهات الجديدة لجماعة الإخوان السورية حيث تخدم مثل هذه الجماعات أغراضاً محدّدة بشكل مستقلّ عن جماعة الإخوان المسلمين، لكن أيديولوجيتها المشتركة وعضويتها تسمحان لها بتبادل الموارد، ودعم بعضها بعضاً في المحافل الكبيرة. وأكد الباحث السويدي أنه رغم الانقسامات الداخلية والانشقاقات فقد تمكنت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من الاستفادة من حضورها القوي في مجتمع اللاجئين السوريين، وصلاتها مع الدول المؤيّدة للمعارضة مثل تركياوقطر، للحصول علي دور محوري في التحالفات البارزة لمعارضة المنفي، بما في ذلك المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني. تحالفات للمعارضة في الجزء الثاني من تحليله لجماعة الإخوان المُسلمين السورية ينتقل "لوند" إلي قدرة الجماعة علي تشكيل تحالفات للمعارضة، في الوقت الذي يبزغ فيه نجم السلفية الجهادية ومواجهتها للجماعة، ليؤكد أن اندلاع الثورة السورية خلق مجموعة من التحديات والفرص للجماعة التي كانت إبان اندلاع الثورة لا توجد داخل الأراضي السورية سوي بأعداد قليلة، ولكن العدد الأكبر كان في المنفي، وهو ما يعكس حقيقة مهمة، مفادها "افتقار الجماعة للسيطرة علي الأحداث علي الأرض".ومن ثم، كان لزاماً عليها العمل مع العديد من جماعات المعارضة المختلفة في محاولة منها لاستمالة أكبر عدد ممكن من هذه الجماعات، وكذا استمالة صناع السياسة الغربيين والعرب لصالح تأييدهم.. ويوضح أن الجماعة اتبعت في سبيل تحقيق ذلك عدة مناح متلازمة منها: - إطلاق العنان للموالين لها للانخراط في الحركة الثورية المتنامية، وتأييدها لبعض مؤتمرات معارضة المنفي في عام 2011، كما لعب النشطاء المرتبطون بجماعة الإخوان دوراً رائداً في إنشاء شبكات إعلامية مؤثّرة أيديولوجياً.. وفي السياق ذاته أيضا التزمت جماعة الإخوان حتي الآن برسالة إسلامية معتدلة رغم اللهجة الطائفية والراديكالية المتزايدة للخطاب الثوري في سوريا.. وعلي امتداد الانتفاضة حاولت جماعة الإخوان علي الدوام تأكيد اعتدالها، وتسامحها، وبراجماتيتها لطمأنة حلفاء المعارضة والحكومات الأجنبية والأقليّات الدينية في سوريا علي الصعيد ذاته.. امتنعت جماعة الإخوان عن الدعوة إلي استقالة بشار الأسد إلي أن اتّضح تماماً أن الشارع الثوري السنّي لا يطالب بما هو أقلّ من تغيير النظام من الجذور. وبدلاً من الدعوة إلي قيام دولة دينية إسلامية، روّجت الجماعة لمفهوم غامض عن "الدولة المدنية".. كما قامت في مارس 2012 بإصدار برنامج سياسي يدعم حقوق الأقليّات والديمقراطية التعدّدية.. ويستعرض "لوند" أهم التحالفات التي سعت إليها الجماعة، والمتمثلة في "مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا"، التي أُنشئت في أوائل عام 2011 من قبل مجموعة من أعضاء جماعة الإخوان الشباب المرتبطة بفصيل حلب، وكانت المجموعة بقيادة أحمد رمضان، وهو رجل أعمال غير معروف، وناشط مؤيّد للفلسطينيين. وضمّت قائمة الأعضاء المؤسّسيين أيضاً الحليف المقرّب من البيانوني، عبيدة نحاس. وفي الوقت الذي ترددت فيه قيادة الإخوان في بدايات الثورة بالعمل العلني، مضت مجموعة العمل الوطني علي الفور إلي بناء التحالفات. وقد لعبت دوراً رائداً في إنشاء المجلس الوطني السوري في سبتمبر 2011، وانتخب أحمد رمضان لعضوية المكتب التنفيذي في المجلس، وسرعان ما صار واحداً من أعضائه الأكثر نفوذا.ً. بعد ذلك كما يقول "لوند"- دعت قيادة الجماعة إلي اجتماع نادر موسّع لمجلس الشوري لتقرير ما إذا كان التنظيم سيدخل في عضوية المجلس الوطني السوري، أو الانضمام إلي مشروع وحدة منافس، جنباً إلي جنب مع جماعات المعارضة العلمانية اليسارية في قطر، وقد اختارت جماعة الإخوان المجلس الوطني السوري، الذي عقد مؤتمراً صحفياً يوم 8 أكتوبر 2011، للإعلان عن هيكله النهائي وقيادته.. وقد حاولت الجماعة جاهدة البقاء بعيداً عن الأضواء، وهو الأمر الذي حافظت عليه طوال الثورة، حتي بعد انضمامها إلي المجلس الوطني السوري.. وبدلاً من طرح مرشحها، أيّدت الجماعة سلسلة من اليساريين العلمانيين لتولّي منصب رئيس المجلس الوطني السوري هم برهان غليون (أكتوبر 2011 إلي مايو 2012)، وعبدالباسط سيدا (مايو نوفمبر 2012)، وجورج صبرا (منذ نوفمبر 2012). ورغم ذلك، وكما يؤكد "لوند" فقد استغلّت جماعة الإخوان الشبكات الخاصة بها لتعزيز المجلس الوطني السوري وساعدت في ترتيب المؤتمرات الدينية والفتاوي لصالح المجلس، وروّجت للجماعة من خلال قنواتها الإعلامية، وتنظيمات الواجهة، وأثبتت شبكة الاخوان المسلمين العالمية أنها ذات فائدة.. وكان التأثير الإخواني واضحاً في الموقف القوي المؤيّد للمجلس الوطني السوري الذي اتّخذته قطر، حيث برزت في السنوات الأخيرة ، باعتبارها الراعي الرئيس لحركة الإخوان الدولية، وتيسيرها لحصول جماعة الإخوان علي تبرع بمبلغ 20 مليون دولار من الحكومة الليبية في خريف عام 2012 ، وهو ما يمثّل نصف التدفقات النقدية المتراكمة الخاصة بالمجلس الوطني منذ إنشائه.. وكان الشخص الذي وقّع القرار هو الليبي مصطفي أبو شاغور، الذي صادف في ذلك الوقت أنه كان مرشّح جماعة الإخوان المسلمين الليبية لمنصب رئيس الوزراء. ويتابع "لوند".. في نوفمبر 2012، أعيد تشكيل المجلس الوطني السوري وتوسيعه ليضم أكثر من 400 عضو. وقد عزّزت الانتخابات الداخلية التي عقدت في الدوحة هيمنة الإسلاميين في الأمانة العامة للمجلس الوطني، وفي المجلس التنفيذي. وانتُخِب المسيحي الماركسي جورج صبرا رئيساً للمجلس، لكنه يملك سلطة مستقلّة محدودة، كما انتُخِب محمد فاروق طيفور، من جماعة الإخوان المسلمين، نائباً له. وبعد انتخابات الدوحة مباشرة وافق المجلس الوطني السوري علي مضض علي الدخول في تحالف آخر، هو الائتلاف الوطني لقوي الثورة والمعارضة السورية الذي تأسّس بعد ضغوط مكثّفة من قطروالولاياتالمتحدة، اللتين كانتا قد فقدتا ثقتهما بالمجلس الوطني، ورغبتا في إعادة هيكلة قيادة المنفي لتمهيد الطريق لتشكيل حكومة في المنفي. ويبدو واضحاً أن بعض مخاوف الولاياتالمتحدة بشأن المجلس الوطني تركّزت علي النفوذ الكبير جداً لجماعة الإخوان المسلمين. بروز متزايد وتشير الدراسة إلي أن الخطر الأكبر الذي يواجه الجماعة يتمثل في بروز الجماعات الإسلامية السلفية علي نحو متزايد داخل حركة التمرّد السورية منذ بداية الانتفاضة حيث يساعد هذه الجماعات مموّلون أقوياء في الخليج إضافة إلي البيئة الطائفية المستقطبة بصورة حادّة في سوريا، فضلاً عن ضعف قوي المعارضة الأخري. ويري "لوند" أنه بسبب عدم وجود خيارات أفضل، فقد اختارت جماعة الإخوان العمل مع بعض الحركات السلفية الجديدة داخل سوريا، في محاولة لاستمالتها، أو الاستفادة من قوتها المتنامية. ومع ذلك، نأت الجماعة بنفسها عن الفصائل الأكثر تشدّداً، أي ما يسمي (السلفية الجهادية)، وهذا يتعلّق خاصة بجبهة النصرة، التي صنّفتها حكومة الولاياتالمتحدة كياناً إرهابياً في ديسمبر 2012 ، وبايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أبريل 2013.. وفي هذا الإطار يري الباحث السويدي أن جماعة الإخوان حريصة علي تجنّب تعريض صورتها المعتدلة للخطر، أو استعداء الغرب. وعلي غرار معظم المعارضة السورية، بمن في ذلك العديد من العلمانيين، برزت جماعة الإخوان للدفاع عن الجهاديين في مواجهة وصف الولاياتالمتحدة لهم بالإرهاب.. وشارك أعضاء الجماعة في تمويل حركة أحرار الشام الإسلامية (سابقاً كتائب أحرار الشام)، وهي مجموعة سلفية أقلّ تطرّفاً من جبهة النصرة وتسيطر علي الجبهة الإسلامية السورية، وهي تحالف إسلامي كبير. استخلاصات ختامية ويُنهي آرون لوند دراسته بتأكيد عدة حقائق مترابطة منها أن جماعة الإخوان أبعد ما تكون عن كونها القوة المهيمنة التي يتصورها المتمردون كما يصفهم -، وأنصار النظام والمحلّلون الأجانب علي حد سواء. ولكن نظراً إلي مهاراتها السياسية التي أثبتت جدواها، وقدرتها علي التكيّف مع الظروف المتغيّرة، فمن المؤكد تقريباً أن تظل طرفاً فاعلاً في السياسة السورية لسنوات مقبلة. ويشير "لوند" إلي حقيقة أخري تتمثل في أن إخفاقات الآخرين أفادت الجماعة.. موضحا أن السبب الحقيقي للنجاح الذي حقّقته الجماعة في المنفي يرجع إلي الإرباك الهائل الذي تعانيه باقي المعارضة.وما دامت الأطراف المنافِسة عاجزة عن تنظيم نفسها، فستكون جماعة الإخوان هي الفائزة في غياب البدائل.