مات أبوه بعد مولده بعام ورأي أمه للمرة الأولى في "السابعة" أصيب بالعمى في أواخر أيامه وطلب من أصدقائه كتمان الخبر قصة العالم النفساني الذي ساعده في سنوات عمره الأخيرة أشرف بنفسه علي بناء قبره وكانت جنازته مهيبة النجم الأسمر أو فتى الشاشة الأسمر أروع فنانين عصره كما وصفه البعض وإن خلا هذا الوصف من اى مبالغه فكما رأى الكثيرين من النقاد والفنانين أن أحمد زكى صاحب موهبة لن تعوض وقلما يجود الزمان بفنان يحمل بين طيات نفسه هذه الموهبة التى وهبها له الله تعالى والتى قام بتنميتها فيما بعد . اسمه الحقيقي أحمد زكى عبد الرحمن والمولود في 1949 بالزقازيق محافظة الشرقية وهو الفتى النقي البريء والابن الوحيد لأبيه الذي مات وهو في عامه الأول فعاش يتم الأب ولم يستمر يتم الأب طويلاً حتى عاش يتم الأم فى وجود أمه ، فتعلقت به كلمة يتيم، وتغلغلت في كل تفاصيل عينيه، فعاش حتى رحيله في سكون مستمر، يتفرج على ما يدور حوله دون أن يشارك فيه. ولهذا أصبح التأمل مغروساً في وجدانه بعمق، حتى أصبح خاصية تلازمه في كل أطوار حياته . لم يضحك بما فيه الكفاية، ولم يبك بما فيه الكفاية.. ولكنه صمت بما فيه الكفاية. وحين أراد أن يهرب إلى الكلام، وجد في المسرح متنفسه، فالتحق بعالمه يوم كان يكمل دراسته الثانوية، وهذا معناه بأنه قد إكتشف الفن في أعماقه مبكراً، وهكذا تحدد طريقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج منه عام 1973 من قسم التمثيل بتقدير ممتاز، وهو نفس التقدير الذي حصل عليه في كل سنوات الدراسة. أحمد زكي، الزبون القديم لمقاعد الدرجة الثالثة في دور السينما والمسارح المصرية، لفت الأنظار إليه بشدة عندما قام بدور الطالب الفقير الجاد في مسرحية مدرسة المشاغبين الكوميدية الذي يتصدق عليه ناظر المدرسة بملابسه القديمة. بعد ذلك تنقل من المسرح إلى التليفزيون إلى السينما، وكانت له جولات وصولات في الساحات الثلاث، ولفت الأنظار إليه بكل دور يقوم به.. وترجمت هذه الأعمال المتفوقة إلى جوائز، وهنا بدأت الحرب عليه، وذلك للحد من خطورته. وهكذا وجد أحمد زكي لنفسه مكاناً في الصف الأول، أو بمعنى أصح حفر لنفسه بأظافره طريقاً إلى الصف الأول ، والحديث عن هذا النجم الكبير يطول ، لذلك حينما تحدث عن نفسه، وعن حياته الشخصية، قال: جئت إلى القاهرة وأنا في العشرين : المعهد، الطموح والمعاناة والوسط الفني وصعوبة التجانس معه، عندما تكون قد قضيت حياتك في الزقازيق مع أناس بسطاء بلا عقد عظمة ولا هستيريا شهرة. ثم الأفلام والوعود والآلام والأحلام.... وفجأة، يوم عيد ميلادي الثلاثين، نظرت إلى السنين التي مرت وقلت : أنا سرقت.. نشلوا مني عشر سنين. عندما يكبر الواحد يتيماً تختلط الأشياء في نفسه.. الابتسامة بالحزن والحزن بالضحك والضحك بالدموع ! أنا إنسان سريع البكاء، لا أبتسم، لا أمزح. أمام المآسي أبكي بشكل غير طبيعي، أو ربما هذا هو الطبيعي، ومن لا يبكي هو في النهاية إنسان يحبس أحاسيسه ويكبتها. المثقفون يستعملون كلمة اكتئاب، ربما أنا مكتئب، أعتقد أنني شديد التشاؤم شديد التفاؤل. لدي صديق، عالم نفساني، ساعدني كثيراً (في السنوات الأخيرة) ويؤكد أن هذا كله يعود إلى الطفولة اليتيمة، أيام كان هناك ولد يود أن يحنو عليه أحد ويسأله ما بك. في العاشرة كنت وكأنني في العشرين.. في العشرين شعرت بأنني في الأربعين. عشت دائماً أكبر من سني.. وفجأة، يوم عيد ميلادي الثلاثين. أدركت أن طفولتي وشبابي نشلا.. حياتي ميلودراما كأنها من أفلام حسن الإمام. والدي توفي وأنا في السنة الأولى. أتى بي ولم يكن في الدنيا سوى هو وأنا، وهاهو يتركني ويموت. أمي كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء، فزوجوها وعاشت مع زوجها، وكبرت أنا في بيوت العائلة، بلا أخوة. ورأيت أمي للمرة الأولى وأنا في السابعة.. ذات يوم جاءت إلى البيت امرأة حزينة جداً، ورأيتها تنظر اليّ بعينين حزينتين، ثم قبلتني دون أن تتكلم ورحلت. شعرت باحتواء غريب. هذه النظرة إلى الآن تصحبني، حتى اليوم عندما تنظر اليّ أمي فالنظرة الحزينة ذاتها تنظر. في السابعة من عمري أدركت أنني لا أعرف كلمة أب وأم، والى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما، أشعر بحرج ويستعصي عليّ نطق الكلمة ، كنت منطويا جداً لكن الأشياء تنطبع في ذهني بطريقة عجيبة : تصرفات الناس، ابتساماتهم، سكوتهم. من ركني المنزوي، كنت أراقب العالم وتراكمت في داخلي الأحاسيس وشعرت بحاجة لكي أصرخ، لكي أخرج ما في داخلي. وكان التمثيل هو المنفذ، ففي داخلي دوامات من القلق لا تزال تلاحقني، فأصبح المسرح بيتي. رأيت الناس تهتم بي وتحيطني بالحب، فقررت أن هذا هو مجالي الطبيعي. والقاهرة بالنسبة اليّ كانت مثل الحجاز، في الناحية الأخرى من العالم. السنوات الأولى في العاصمة.. يالها من سنوات صعبة ومثيرة في الوقت ذاته . ثلاثة أرباع طاقتي كانت تهدر في تفكيري بكيف أتعامل مع الناس، والربع الباقي للفن. كم من مرة شعرت بأنني مقهور، صغير، معقد بعدم تمكني من التفاهم مع الناس. وسط غريب، الوسط الفني المصري.. مشحون بالكثير من النفاق والخوف والقلق .. أنا رجل بسيط جداً لديه أحاسيس يريد التعبير عنها.. لست رجل مذهب سياسي ولا غيره، أنا إنسان ممثل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان ، أي إنسان، إذا حلل بعمق يشبهني ويشبهك ويشبه غيرنا.. المعاناة هي واحدة.. الطبقات والثقافات عناصر مهمة، لكن الجوهر واحد. الجنون موحد... والإنسان هو المطحون. ليس هناك ثورة حقيقية في أي مكان من العالم.. هناك غباء عام وإنسان مطحون. الشخصيات التي أديتها في السينما حزينة، ظريفة، محبطة، حالمة، متأملة.. تعاطفت مع كل الأدوار . يرفض أحمد زكى أن يقوم عنه دوبلير أو البديل بالأدوار ذات الطبيعة الخطرة، ويقول أنه أصر على تعلم السباحة، عندما طلب منه المخرج محمد خان أن يستعين بالبديل في مشهد السباحة، باعتباره لا يعرف السباحة،والذى قال عنه خان "للموجز" "أنه كان ممثل نادر جمعتنا أفلام أفتخر بها وعلاقة إنسانية عميقة" هذا هو أحمد زكي، الفنان الذي يعاني ويتعذب كثيراً من أجل توصيل الفكرة والرؤية التمثيلية من خلال شخصياته التي يؤديها ، فنان قل أن تجد مثيله وسط هذا الكم الهائل من الممثلين المصريين.. إنه حقاً فنان عالمي . تعلق قلبه بالفنانة الراحلة هالة فؤاد تزوج منها وانجبا ابنهما الوحيد هيثم الذي شارك مع والده وجسّد شخصيه عبد الحليم الشاب في فيلم حليم لكنهما انفصلا قبل وفاتها . انتقل إلى الرفيق الأعلى في القاهرة يوم 27 مارس 2005 إثر صراع طويل للغاية مع مرض سرطان الرئة نتيجة كثرة السجائر التي كان يدخنها، وعولج على نفقة الحكومة المصرية في الخارج، وتردد أنه أصيب بالعمى في أواخر أيامة إلا أنه طلب من المحيطين به تكتم الخبر فى يوم 28 مارس 2005 شيعت جنازته من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين وقد حضر الجنازة الآلاف من المشيعين من الشخصيات الهامة والفنانين والمواطنين المصريين والعرب ، وقد توافد المواطنون من محافظات مصر المختلفة لحضور الجنازة . حمل المشيعون الجثمان خارج مسجد مصطفى محمود ملفوفا بعلم مصر لوضعه في السيارة المخصصة لنقله إلى مثواه الأخيرة وسارت السيارة ببطء شديد نظرا لشدة الزحام وقد كانت الجنازة عبارة عن تظاهرة حب للفقيد ، الكل حرص على المشاركة وحمل الجثمان لنقله إلى المدفن الذي أشرف على بنائها بنفسه . رحم الله أحمد زكى فقيد السينما المصرية وفقيد مصر