في 27 مارس عام 2005 رحل عن عالمنا الفنان أحمد زكي.. كان رحيله مؤلماً وصادماً فلم يكن أحمد زكي فناناً عادياً ولم يكن باحثاً عن مال بقدر بحثه عن الدفء والحنان الذي حرم منه منذ قدومه للحياة.. ولد أحمد زكي عبدالرحمن في محافظة الشرقية عام 1949، تزوجت والدته وهو في عامه الأول بعد وفاة والده، بعد زواج الأم انتقل أحمد زكي للإقامة مع عمه.. كره الفنان البريء كلمة »يتيم« لأن عاش الإحساس والتفاصيل.. كره المشاهد الحزينة لأن الحزن جزء أصيل من ملامحه. عندما بلغ السابعة من عمره ورأي والدته لأول مرة في حياته، كانت تنظر إليه بعينين حزينتين، طبعت قبلة علي جبنيه وذهبت دون أن تتحدث معه.. عن هذا الموقف يقول أحمد زكي: شعرت بإحساس غريب عندما قبلتني أمي لأول مرة وأنا في السابعة من عمري.. ولم أنس تلك النظرة التي أرسلتها إلي وجعلت الحزن يتمدد في صدري.. وعندما كبرت عرضي علي تأدية دور في مسلسل يحتوي علي كلمة »ماما«.. ووجدت نفسي أشعر بالحرج لأنني لم أحس هذه الكلمة. عاش أحمد زكي رغم الأضواء والشهرة في عزلة.. كانت عيناه دئماً تبوح بالحزن والخوف أيضاً.. شجعه ناظر مدرسته الصناعية علي التمثيل، فالتحق بمعهد الفنون المسرحية وأثناء دراسته بالمعهد شارك في مسرحية »هالو شلبي« ثم تخرج عام 73 وكان الأول علي دفعته.. في عامه العشرين اختلطت الأمور عليه خاصة بعدما سافر إلي القاهرة والتحق بالمعهد.. وجد في القاهرة الأمل يتساوي مع اليأس والفرح مع المعاناة.. حاول الفتي الأسمر أن يجد لنفسه مكاناً وسط الزحام حاول أن يكون فناناً له ملامح خاصة وعن هذه المرحلة يقول أحمد زكي: قضيت حياتي كلها في الزقازيق وعندما جئت إلي القاهرة شعرت بالارتباك بسبب التناقضات الكثيرة التي حاصرتني.. كنت لا أمزح ولا ابتسم ولا أضحك.. كانت هوايتي أن اقرأ كتب مصطفي أمين وأشاهد الأفلام وأتفاعل معها بشدة وأحاول تحليل معانيها ورموزها، كنت أنزل إلي أعماق اليأس لأشعر بالتفاؤل حتي لا ينعتني الناس بالكئيب.. ويضيف أحمد زكي: كنت أسأل صديقي الطبيب النفسي عن مشاعري السلبية فكان يجيبني بأن طفولتي اليتيمة هي السبب فعندما كنت أحبو أو أبكي في سنوني الأولي لم أجد من يضمني إلي صدره ويمنحني الحنان وهذا أثر في شخصيتي وجعلني أشعر بأنني أكبر من سني. لمع نجم أحمد زكي في مسلسل »الأيام«، حيث جسد شخصية عميد الأدب العربي طه حسين باقتدار شديد وكان إحساسه صادقاً في تصوير مشاعر الفرح والحزن.. وبلغ قمة النضج في هذا العمل، الأمر الذي دفع بالرئيس السادات لاستدعائه وتوجيه الشكر إليه.. وداعبه السادات في ذلك الوقت، قائلاً: يا راجل أنا صدقت إنك أعمي.. استطاع أحمد زكي أن يتوحد مع شخصياته إلي حد كبير فهو »البريء« و»منتصر« في فيلم »الهروب« وجمال عبدالناصر في »ناصر 56« والسادات في »أيام السادات«. جاء أحمد زكي القاهرة مفتوناً بوسامة رشدي أباظة وأراد أن يتصدر الأفيش مثله وياله من تحد كبير.. فالرجل ليس وسيماً مثل رشدي أباظة وليس في جمال حسين فهمي.. فهو نموذج عادي لمواطن مصري بسيط وجهه من طين الأرض، وبالإرادة استطاع الفتي الأسمر أن يثبت وجوده ويصنع لنفسه ملامح شديدة الخصوصية.. لفت أحمد زكي الأنظار إليه في كل دور يقوم به وترجمت هذه الأعمال المتفوقة إلي جوائز، وهنا بدأت الحرب عليه وذلك للحد من خطورته.. ومن أهم المواقف التي تعرض لها حين قام بدور البطولة في مسلسل »الأيام« وأجري النقاد مقارنة بينه وبين محمود ياسين الذي قام بنفس الدور وحين تجري مقارنة بين ممثل له رصيد مائة فيلم وهو محمود ياسين وبين أحمد زكي ورصيده خمسة أفلام فهذا يعني أن »زكي« قفز للأمام خطوات واسعة. والموقف الثاني: برز حين رشحته سعاد حسني لأداء دور البطولة في فيلم »شفيقة ومتولي« وكانت سعاد حسني في ذلك الوقت نجمة لها شعبية جارفة.. الموقف الثالث: علي انتقال أحمد زكي للأمام هو ظهوره في فيلم »الباطنية« بين العملاقين فريد شوقي ومحمود ياسين. الدوبلير كان أحمد زكي يرفض أن يقوم عنه دوبلير في الأدوار الصعبة ذات الطبيعة الخطرة، ففي فيلم »عيون لا تنام« حمل أنبوبة غاز مشتعلة وألقي بنفسه في سيارة مسرعة في فيلم »الطائر« وأكل علقة ساخنة في فيلم »العوامة 70« وقد بقي في ثلاجة الموتي في فيلم »موعد علي العشاء« مدة طويلة من أجل تصوير مشهد لا يتجاوز زمنه عدة ثوان تدخل عليه سعاد حسني وتشاهد وجهه وعليه زرقة الموت.. هذا هو أحمد زكي الذي يعاني ويتعذب كثيراً من أجل توصيل الفكرة والرؤية التمثيلية، من خلال شخصياته التي يؤديها. من أهم أعمال أحمد زكي: »أبناء الصمت - بدور - صانع النجوم - إسكندرية ليه - المدمن - النمر الأسود - البداية - درب الهوي - عيون لا تنام - الهروب - البريء - ناصر 56 - معالي الوزير - أيام السادات«. استطاع أحمد زكي أن يقدم أعمالاً لافتة للانتباه، منها: »زوجة رجل مهم« للمخرج الرائع محمد خان، و»البريء« مع عاطف الطيب، و»الهروب« و»ضد الحكومة«، وهذه الأعمال فيها رسالة ومحتوي شديد الخصوصية.. كما أنها ترصد حالة الظلم والقمع التي عاشها الناس بسبب جبروت السلطة وفساد الحكام.. إذا كانت ثورة 25 يناير فجرها شباب وطني ثائر فإن أحمد زكي فجرها في أفلامه ونادي بمحاربة الفساد وألقي الضوء علي الظلم الذي طال الطبقة الوسطي في »الحب فوق هضبة الهرم«.. في حقيقة الأمر لم يرحل أحمد زكي لأن أعماله تعيش وستعيش أكثر من ذلك لأنها أعمال مليئة بالصدق وبعيدة عن الفرض.. ولا نملك في ذكري رحيله إلا أن نطلب له الرحمة ونشكره علي صدقه الذي اخترق به قلوبنا وإخلاصه الذي جعل منه فناناً حقيقياً وإنساناً من طين الأرض الطيب.