كشف الدكتور كريم الأدهم الخبير النووي، والرئيس السابق لمركز الأمان النووي، عن التداول الآمن للنفايات المشعة، مؤكدًا أنه في البلدان حديثة العهد بالصناعة النووية التي لا توجد فيها بعد أي محطات طاقة نووية عاملة ولا تزال البرامج النووية الوطنية في المراحل الأولى من التطوير، تعد خرافة خطورة النفايات النووية على البيئة وصحة الإنسان أحد المعتقدات الخاطئة الأكثر شيوعًا بين الناس. وأضاف:«ولتبديد هذه الخرافة، من الضروري نشر المعرفة في المجتمع وتزويد الناس بالمعلومات الصحيحة، إذ يعرف الكثيرون أن مصر تنفذ منذ عام 2015 بالتعاون مع شركة "روساتوم" الحكومية الروسية مشروع إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، والتي ستسهم في ضمان أمن الطاقة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد لعقود قادمة، لكن موضوع النفايات النووية الناتجة عن تشغيل المحطات الكهروذرية لا يزال يثير مخاوف لدى المواطنين» وكشف عما إذا كانت هناك أسباب تستدعي القلق أم لا، إذ أشار إلى أن محطات الطاقة النووية تستخدم كميات أقل بكثير من الوقود مقارنة بالأنواع الأخرى من محطات توليد الكهرباء، ويستنفد المفاعل النووي عالي القدرة نحو طن من اليورانيوم سنويًا. وأوضح أنه من أجل المقارنة: فإنه تستهلك محطة الطاقة العاملة بالمازوت أو الفحم على سبيل المثال، قرابة مليوني طن من الوقود خلال الفترة نفسها، ما يعني أن غرام واحد من اليورانيوم يكافئ طنّين من النفط من حيث كثافة الطاقة المولدة، وذلك علما أن كمية نسبتها 97% من إجمالي الوقود المستهلك يمكن إعادة معالجتها بينما 3% فقط غير قابلة لإعادة المعالجة ويتم وضعها في مستودعات خاصة مصممة للتخزين الآمن وطويل المدى. ومن المهم أن يفهم الجميع أن أي نشاط بشري ينتج عنه النفايات. كما ذكر أن النفايات المشعة تعرف بأنها "أي مواد أو معدات تحتوي على نويدات مشعة بتركيزات أو بإشعاعية أعلى من "حد الإعفاء" الذي تحدده الجهة الرقابية والتي لم يعد لها استخدام منظور. تكمن المهمة الرئيسية أثناء التعامل مع النفايات المشعة في التقليل من احتمال تسرب المواد المشعة الناجمة عن النشاط البشري إلى البيئة وانتشارها فيها ومنع التأثير السلبي للإشعاع المؤين والإشعاع الحراري على الإنسان والطبيعة في جميع مراحل تداول تلك المواد. وأشار إلى أن الفحم يعتبر أحد مصادر النفايات المشعة الناجمة عن النشاط البشري، ورغم أن الفحم يحتوي على كمية صغيرة من النويدات المشعة وتراكيزها فيه أقل مما هو عليه في قشرة الأرض، لكن من المعروف أن رماد الفحم المحروق هو الذي يشكل خطرا على صحة الإنسان لأنه يبقى يتطاير في الغلاف الجوي ويدخل جسم الإنسان عن طريق استنشاق الهواء الملوث. يمثل إنتاج الطاقة من الفحم العامل الرئيس للتلوث البيئي نظرا إلى أن العالم يحرق ثمانية مليارات طن من الفحم سنويًا. وقال:«عند مقارنة هذه البيانات بالحالة في صناعة الطاقة النووية، نجد أنها تستخدم كمية أقل بكثير من الوقود والمتمثل باليورانيوم. في ما يخص مسألة التخلص من النفايات النووية، فيُنقل اليورانيوم المستهلك من المفاعلات النووية إلى خزانات خاصة فوق سطح الأرض، بينما تطلق مليارات الأطنان من رماد الفحم إلى الهواء مباشرة. يساعد التصنيف المناسب للنفايات المشعة على اختيار طريقة تصريفها بأمان. تقسم الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنواع النفايات المشعة إلى صلبة وسائلة وغازية، وتصنف النفايات تبعا لتركيز المواد المشعة فيها». كما أفاد بأن النفايات تخضع لعدد من العمليات الخاصة الهادفة إلى تقليص حجمها بالتبخير أو الكبس أو الحرق، وتستخدم كتل الأسمنت والقار (البيتومين) لمنع حركة النظائر المشعة وجعلها ساكنة. تدفن النفايات المشعة في مواقع خاصة تلبي معايير صارمة بما فيها المؤشرات المنخفضة لمناسيب المياه الجوفية. ومن الضروري تجفيف النفايات المشعة السائلة قبل عزلها. تُدفن النفايات الصلبة داخل مدافن طبيعية كالكهوف أو المناجم المستنفدة أو في تجهيزات هندسية تحت أو فوق سطح الأرض. وفي الوقت الراهن، توجد في العالم عدة مرافق خاصة لدفن النفايات المشعة، وبُنيت كلها مع مراعاة المعايير اللازمة وتضمن سلامة البيئة والناس. على سبيل المثال، مدفن CSA في فرنسا هو عبارة عن مخبأ على سطحه طبقة من الغطاء النباتي مانعة لتغلغل الماء تبدو وكأنها مرج. كذلك في فنلندا يوجد مدفن جاف تحت أرضي في أعماق صخور الجرانيت. وأشار إلى أنه لا بد من ذكر تجربة مصر في إدارة النفايات النووية والتي بدأت عام 1958 في مركز البحوث النووية بهيئة الطاقة الذرية بالقرب من مدينة أنشاص. واليوم يعمل في المركز مفاعل ETRR-2 (المفاعل البحثي التجريبي الثاني) وهو مفاعل متعدد الأغراض حيث يستخدم لإجراء الأبحاث العلمية في مجال فيزياء الجسيمات الأولية ولإنتاج النظائر المشعة واختبارات المواد. وبالتالي فإن النفايات الناتجة من مختلف أنشطة الهيئة وكذلك النفايات الناتجة من الأنشطة النووية والإشعاعية على مستوى الجمهورية تخضع للتداول الآمن بمركز المعامل الحارة بالهيئة. وستوظف مصر الخبرات المكتسبة في مجال التصرف في النفايات المشعة للاستفادة منها أثناء إدارة محطة الضبعة للطاقة النووية قيد الإنشاء حيث ستخصص في الموقع أماكن لتخزين النفايات المشعة والتعامل معها تلبي معايير الأمان المصرية والدولية وتضمن سلامة البيئة والسكان.