يتناول الديوان الجديد للشاعر المغربي عبداللطيف الوراري والذي جاء بعنوان "ذاكرة ليوم آخر"، على مئة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، واحتوى على ستّ وعشرين قصيدة تتفاوت من حيث البناء والتشكيل الشذري. كما ضمّ الكتاب، الصادر عن المطبعة والوراقة الوراقة بمراكش، ومنشورات دار التوحيدي بالرباط، والذي تزينه لوحة الشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي، ملحقاً من شهادة في الديوان وقصيدة منه مترجمتين إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية. وجاء في الشهادة التي كتبها الشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلاق، والمثبتة على ظهر الغلاف: "يسعى عبداللطيف الوراري إلى اقتطاف معظم جماليّاته، في هذه القصائد، من حقْلٍ أخذت نصوصنا الحديثة تبتعد عنه غالباً، وكأنها تجعل من إهماله فضيلةً شعرية ومن الجهل به غنىً؛ أعني الإيقاع حين ينبع من عديد المصادر: من الوزن بسيطاً ومركّباً، ومن اللغة باترةً وخفيّة، وأخيراً من انصهار النمطين في تداخلهما الحميم أيضا. بدءاً من عنوان الغلاف، يحضر الزمن بكثافةٍ مؤلمةٍ في هذه المجموعة. إنّ للماضي، وللفقدان، وللشجن القديم حضوراً فاجعاً، وهو ينحدر إلينا، قديماً ومتجدّداً، من ينابيعهِ النضاحةِ باليتم الفرديّ والإنسانيّ: من الأب الجسديّ الشخصيّ، نزولاً إلى آباء الفجيعة الكبار: كلكامش، المتنبي، المعري، المعتمد بن عباد. ومن المتفجعين أو الساخطين من الأجيال اللاحقة: نازك الملائكة، أمل دنقل، عبدالله راجع، سركون بولص..." وزاد العلاق بقوله: "وعبداللطيف الوراري يحاول، دائماً، أن يجازف في الجمع بين ما لا يجمع إلاّ بمشقة، أن يأتي إلى الشعر والنقد بعُدّةٍ مزدوجة: برهافةٍ لا تربك انضباطَ الوعي، واستعدادٍ معرفيّ لا يجرح وردة الخيال..". ويشار إلى أن هذه المجموعة الشعرية هي الرابعة في مسار تجربة الشاعر عبداللطيف الوراري بعد "لماذا أشهدتِ عليّ وعد السحاب؟" (2005)، و"ما يُشبه ناياً على آثارها" (2007)، و"ترياق" (2009). ومن أجواء المجموعة نقرأ هذا المقطع الشعرية المجتزيء من نص "موّال أندلسي": "بَيْن غاباتٍ مِنَ الدُّلْب أَرى النّاي كأَفْعى في عَضُدِ الْوَحْشة بَرْدانَ أُولّي شاهِدتي شَطْري وَزَهْرُ الذّكْرى على قَلْبي، فَلْيَقُلِ الأَنْدلسيُّون ما شاؤوا. مِن المُمْكن أن أَبْكي طَريقاً بِجوار القلب لَوْ يَسْمعني مَنْ يَمْسحُ الذّكْرى بِوَجْهي. لَمْ أَقُلْ مَا أَشْتَهي مِنْ غُصّتي. لِلْاُصُصِ العَطْشى على الْعُودِ تَرَكْتُ الْعُمْر يَسْتَفُّ تُراباً لي. عَليَّ احْتَالَتِ الْخُطْوَةُ بِالْخُطْوةِ، واخْتَطَّ دَمَ الْأَنْفاس مَجْهولِيَ وَالْمَاءُ هُوَ الدافع."