بسم الله الرحمن الرحيم: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" صدق الله العظيم. تنطبق تلك الآية الكريمة علي حال جماعة الإخوان المسلمين التي أصبحت تدير مصر كما تشاء ومن دون أي حسابات أو معايير أو قوانين، أصبحنا نعيش عصر الفوضي الحقيقي ولم يعد أبناء هذا الشعب يثقون في أي قرار سواء كان رئاسيا أو وزارياً أو غير ذلك وكأنهم ليسوا الشعب الذي صنع الثورة وكان السبب في جلوس هؤلاء علي مقاعدهم بعد أن قدم تضحيات كبيرة من خيرة شباب الوطن. أكتب إليكم قبل ساعات من فرز أصوات المرحلة الثانية في الاستفتاء علي الدستور، وفي نفس التوقيت الذي أعلن فيه نائب الرئيس المستشار محمود مكي الاستقالة من منصبه كنائب للرئيس، والحقيقة أن قرار سيادة المستشار مكي يؤكد أن نتيجة الاستفتاء قد تم حسمها وأن الدستور سيصبح ساريا ومعمولاً به فور إقراره الذي لن يستغرق سوي أيام، وبالتالي فلن يصبح هناك منصب "نائب الرئيس" لأن الدستور لا يتضمن مادة تنص علي وجود "نائب للرئيس"، وأعتقد أن المستشار مكي اختار التوقيت المناسب وبذكاء شديد خاصة أنه بالإمكان الحصول علي منصب جديد في تلك الفترة، وكانت هناك تلميحات إلي إمكانية تعيينه نائبا عاما حلاً للأزمة الراهنة. وكنت أود أن أكتب عن الاستفتاء وما شهده من عمليات تزوير في المرحلتين الأولي والثانية والتي تفوق خلالها الأمر إلي تزوير القضاة وابتكروا وسائل جديدة مثل تطفيش الناس وتركهم واقفين بالساعات أمام مقار اللجان، ولكن جاءت استقالة نائب الرئيس وتراجع النائب العام عن قرار الاستقالة ليؤكد أن الفوضي هي عنوان المرحلة بلا أي جدل.. إن الأحداث التي تتلاحق بصورة مخيفة والقرارات التي تصدر كل ساعة تقريبا تعكس مدي التخبط والتوتر الذي تعيشه البلاد بعد أن تم الفصل التام بين جموع الشعب و"الجماعة" التي تدير البلاد وتتحكم في شئونها، فالقصر الرئاسي أصبح يضم كل أعضاء حزب «الحرية والعدالة» كما يضم قيادات المقطم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بداية من المرشد وحتي أصغر عضو بالجماعة. إن ما يحدث في مصر يؤكد أن عدم احترام الشعب أصبح عنوان المرحلة، وأن كل أعضاء مكتب الإرشاد من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون من دون مساءلة أو عقاب. وبدأت تلك الفوضي مع افتقاد الرئاسة الكثير من هيبتها ومكانتها ونقصد بذلك القرارات الرئاسية الشهيرة التي كانت تصدر وبعد ساعات يتم نفيها أو التراجع عنها، وأصبحت هذه الحالة هي السائدة وتم تكرارها مرات عديدة كان آخرها موقف النائب العام الذي أعلن استقالته وبعد أيام قليلة تراجع عنها وأكد أنه تعرض لضغوط لكي يكتبها، وإذا كان رئيس الدولة قد أهان الشعب وفرض عليه إعلانا دستوريا ثم دستورا كاملا فإن النائب العام قد أهان ما تبقي من الشعب المصري وهم رجال القضاء الذين صفقوا له علي قرار الاستقالة وقرروا العودة للعمل وعدم تعطيل المحاكم ثم فوجئوا بقرار التراجع فعادوا لثورتهم بسبب شعورهم بأنه استهان بهم ولم يف بوعوده. إن تلك الفوضي لن تنتج سوي فوضي الدماء، وبكل أسف فإن تلك الدماء المصرية يتم إهدارها بموافقة ورضا رئيس البلاد وحكومته، ولا يمكن تفسير ما حدث بالإسكندرية الأسبوع الماضي إلا في هذا الإطار، كانت كل الجهات الأمنية علي علم بما سيحدث ولم يحاولوا أن يوقفوه فقد أعلنت جماعة الشيخ حازم أبوإسماعيل عن عزمها الذهاب إلي الإسكندرية قبل الواقعة بأيام، كما أن الوضع هناك كان متوترا علي خلفية وقائع الجمعة التي سبقتها والتي تم احتجاز الشيخ المحلاوي خلالها، ومع ذلك وقعت أحداث الإسكندرية كما وقعت أحداث الاتحادية وغيرها من الأحداث المؤسفة التي نغرق فيها منذ ستة أشهر. أما الشعب المصري الذي يقف بالساعات علي طوابير العيش وأنابيب الغاز والذي أصبح يعيش أسوأ ظرف اقتصادي فلا أحد يسأل عنه أو حتي يفكر فيه، وسط كل الصراع السياسي والبحث عن المناصب والرغبة في السيطرة علي مفاصل الدولة بأي طريقة بصرف النظر عن مصلحة الوطن والمواطن!! ووسط كل تلك الفوضي لا يتوقف المواطن المصري البسيط عن التساؤل: وماذا بعد؟!.. وإلي أين سنصل؟!.. وما هو مستقبل هذا الوطن الذي نعيش فيه؟! وأصبح هذا السؤال شاغلا كبيراً ليس فقط في الشارع المصري ولكن وسط عدد كبير من الخبراء والمحللين والباحثين خاصة أن هناك حالة تفكك واضح في البناء الهرمي للدولة الذي افتقد الكثير من الحكمة وتسبب في صراع وانقسام في الشارع مما يهدد بسقوط كبير لمعني الدولة المصرية ومؤسساتها الكبري وبالتالي انهيار الوطن. ولاشك عندي أن المؤسسة العسكرية ووجودها الصلب وتحملها لكثير من الأزمات الكبري أصبحت هي حصن الأمان الوحيد لدي المواطن المصري، ولاشك أن هذا الشعور تأكد بقوة أثناء الاستفتاء علي الدستور وعادت من جديد الصورة العظيمة لجنود مصر وهم يساندون هذا الشعب في عبور تلك المرحلة الصعبة، ونجحت المؤسسة العسكرية في أن تعيد تقديم نفسها للشارع المصري بعد عمليات التشويه المنظمة التي تعرضوا لها، كما نجحت في تقديم هذا الإحساس بالأمان من خلال ظهورها في أعنف أزمة سبقت الاستفتاء علي الدستور بأيام قليلة، حيث كان توجيه الدعوة من جانب المؤسسة العسكرية للحوار بين أبناء مصر جميعا بمن فيهم رئيس الجمهورية أعظم رسالة في تلك الفترة، ولكن الرئاسة لم تفهم الرسالة وتعاملت مع المؤسسة العسكرية باعتبارها خصماً سياسياً وهذا قصور في الفهم وعدم إدراك لأبعاد تلك الدعوة وكان المقصود منها توصيل رسالة للشارع بأن الدولة المصرية مازالت قوية وأن أحداث الفوضي والعنف التي تقع كل دقيقة لن تستمر وهناك قوانين لحماية أرواح الناس، ولكن وبكل أسف رفضت رئاسة الجمهورية الرسالة التي كانت يمكنها أن تعيد الثقة إلي الشارع وأن تطمئن الناس، خاصة أن وزارة الداخلية أيضاً كانت شريكا في تلك الدعوة مما يؤكد أن الفريق السيسي كان يوجه رسالة صادقة ونبيلة ولكن كما قلنا تم التعامل معها بغرور رئاسي كبير، ولاشك أن تصريحات مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع التي أدلي بها مساء السبت الماضي وتطاول خلالها علي الجيش المصري واتهم قياداته بالفساد لا يمكن تفسيرها إلا في هذا الإطار من الغرور، وكان مرشد الجماعة يواصل ما بدأه رئيس الدولة ولا نبالغ إن قلنا إنه يواصل بتلك التصريحات الانقسام الكبير بين الشعب بكل طبقاته وبين الجماعة التي تحكم مصر!! نفي المرشد تصريحاته وأكد أنها أسيء فهمها، ولكن المؤسسة العسكرية تعاملت بكل حسم وقوة في الرد علي أي تطاول أو اتهام بالفساد، فلايجوز لأحد أن يتناول المؤسسة العسكرية وفي تصريحات غير مسئولة، وقال اللواء علاء عزالدين الرئيس الأسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا إن الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين "تجاوز الحدود حين تدخل في شئون القوات المسلحة وأساء لقياداتها وأن بديع لا يعرف شيئاً عن المؤسسة العسكرية حتي يتهم قياداتها بالفساد، موضحا أن الدكتور بديع رجل فقيه في الدين ويجهل الأمور العسكرية، مرشد الإخوان لا يعرف شيئا عن معني الاستراتيجية العسكرية والأمن القومي، وليست لديه معلومات كافية عن جيش مصر العظيم، والأحري به أن يقتصر في حديثه علي القرآن والدعوة. إن تلك التصريحات غير المسئولة تعكس حالة الفوضي التي تعيشها مصر وكان علي رئيس الدولة أن يقوم بالرد علي المرشد حتي يؤكد أنه رئيس مصر وليس مجرد عضو في الجماعة التي يرأسها بديع!!.. كانت الرئاسة مطالبة بإصدار اعتذار للمؤسسة العسكرية، ولكن كان من المتوقع أن ذلك لن يحدث وأن الدكتور محمد مرسي لن يستطيع أن يقف في وجه المرشد العام للجماعة أو حتي يفكر في توجيه كلمة عتاب إليه. وفي ظل كل هذه الظروف والضغوط والانقسامات كانت المؤسسة العسكرية حريصة كل الحرص علي بث الثقة في نفوس الشعب المصري وجاءت تصريحات الفريق صدقي صبحي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أثناء تفقده لجان الاستفتاء وبحضور عدد كبير من قادة القوات المسلحة لتعيد تلك الثقة حيث أكد في تصريحات علي هامش الجولة أن المواطنين هم خير حامٍ للاستفتاء بمشاركتهم في الإدلاء بصوتهم وقال لا دخل لنا بالنتائج وقال الجيش المصري يقوم بحماية وتأمين الحدود كما ينص عليه الدستور وعاد للتدريب بقوة ومهمته تأمين مصر ووجه كلماته للشعب المصري ألا يقلق لأن الجيش المصري موجود، ورفض الفريق صدقي التعليق علي حديث الدكتور محمد بديع عن القوات المسلحة، مكتفيا بطمأنة الشارع إلي وجود مؤسسة عريقة وكبيرة تحمي ظهره، وفي السياق نفسه تفقد الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع أول أمس الجمعة عدداً من مشروعات القوات المسلحة وأكد الوزير أن تلك المشروعات تأتي لتخفيف العبء عن المواطنين ووفاء بما تعهدت به القوات المسلحة لخدمة الشعب العظيم. إنني كمواطن مصري أضع ثقتي كاملة في المؤسسة العسكرية المصرية التي ظلت حصنا منيعا وظلت تاجاً علي رؤوسنا حتي في أعنف معاركنا مع المجلس العسكري الذي اختلفنا معه سياسياً مؤكدين أنهم أشخاص ولا يمثلون سوي أنفسهم باعتبارهم قادة المرحلة الانتقالية، أما الجيش فهو الحصن الوحيد المتماسك والباقي لهذا الوطن.. وجنود الجيش هم خير أجناد الأرض كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.