حرب ضروس.. تدور رحاها خلف الكواليس.. ظهرت معالمها في التصريحات الأخيرة للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع.. تلك التصريحات التي صب فيه هجوما ضاريا علي قيادات القوات المسلحة.. لم يكن أحد يتوقع أن المعركة تدور في هذه الأثناء.. في ظل عدم استقرار سياسي.. وانهيار اقتصادي.. وانفلات أمني.. ووشك الدخول علي حرب أهلية تكاد تعصف بالجميع.. الجميع كان يعلم أن مخطط التحرش بالقوات المسلحة والتربص بقياداتها أمر قادم لامحالة بعد أن سيطر الإخوان علي مقاليد الأمور في مصر.. لكن أن يكون بهذه العجلة أمر أثار دهشة وحيرة الكثيرين.. وكأن الإخوان لايريدون أن يكسبوا أحدا في صفوفهم.. يريدون أن يفردوا عضلاتهم علي الجميع بمن فيهم القوات المسلحة.. وكأنهم يوجهون رسالة للعامة بأنهم قادرون علي اللعب في جميع الاتجاهات.. التصريحات التي أطلقها "بديع" لابد من التوقف عندها ليس لكونها فقط خرجت من حجم رجل بمقدار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.. الجميع داخل الإخوان يؤمن بمبدأ السمع والطاعة له بل إنه أكثر أهمية من الرئيس نفسه عند كل منتم للإخوان.. لكن لابد من التوقف عندها لأنها أظهرت نوايا دفينة وعميقة داخل الجماعة وأنها تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض علي هذه المؤسسة وإخضاعها لولاية المرشد في مصر علي غرار ولاية "الخوميني" في إيران.. أيضا هذه التصريحات تكتسب أهمية التوقف عندها من كونها أثارت غضبا عارما داخل الجيش المصري وأحدثت حركة هياج في الشارع المصري عامة.. وكشفت عن مخططات ونوايا ربما جاء الوقت لتنفيذها.. الرسالة التي أطلقها المرشد في عظته الأسبوعية يوم الخميس الماضي وجاء فيها: "إن جنود مصر طيعون لكنهم يحتاجون إلي قيادة رشيدة توعيهم، بعد أن تولي أمرهم قيادات فاسدة".. ربما تكون هذه الكلمات قليلة جداً لكنها تحمل الكثير في معانيها.. الاتهامات صريحة وواضحة لاتحتمل أي تأويل بفساد قيادات الجيش.. القيادات التي يتحدث عنها "بديع" سواء تمثلت في الفريق أول عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية السابق ووزير الدفاع الحالي بتكليف من الرئيس الإخواني محمد مرسي.. أو تمثلت في سلفه المشير محمد حسين طنطاوي كان الإخوان وعلي رأسهم المرشد أول من شهدوا لهم بالكفاءة والنزهة وذهبوا إلي الأخير وكتيبته عندما تولي إدارة مصر عقب الإطاحة بالنظام السابق ليعقدوا معه الصفقات التي مكنتهم من حكم مصر مؤخرا.. أيضاً الرئيس الذي ينتمي إليهم كان أكثر المشيدين بالدور الوطني للقوات المسلحة ولقائدها المشير طنطاوي ورئيس أركانه الفريق سامي عنان.. وعلي "بديع" أن يرجع إلي تصريحاته السابقة هو وأعضاء جماعته لعله يتذكر ويتعظ.. هذا بالنسبة للإدارة السابقة أما الإدارة الحالية فقد جاءت بناء علي مطالب وبأوامر إخوانية حتي إن هناك تقارير ربطت بين تولي "السيسي" هذا المنصب وبين ميوله الإخوانية.. لكن يبدو أن نية الإخوان في تولي قيادة الجيش وإسنادها إلي أحد قيادتهم لم تستطع الصبر أكثر من ذلك ورأي بديع وكتيبته أن الوقت قد حان لخروجها إلي النور.. التصريحات التي رد بها أحد المسئولين العسكريين علي تصريحات المرشد أكدت وجود غضب عارم بين صفوف قيادات الجيش من هذه الاتهامات موجها- أي المسئول- رسالة للمرشد وجماعته مفادها أن كون جنود الجيش مطيعين لأوامر قيادتهم فهذا أمر لا يعيبهم بل هي ميزة عسكرية ترسخ مبدأ الولاء داخل هذه المؤسسة بما يصب في مصلحة مصر أولا وأخيرا لافتا إلي أن "بديع" لا يعي جيداً طبيعة العمل العسكري حتي يتحدث بهذه الطريقة مشددا علي أن المؤسسة العسكرية لا ترضي بوجود فاسد بين صفوفها ولا يوجد منها من يكون ولاؤه لرئيس جمهورية أو أي شخص آخر، لكن الولاء الأول والأخير للوطن والشعب.. تصريحات المسئول العسكري كانت بمثابة رسالة للمرشد وكتيبته بأن القوات المسلحة سيظل ولاؤها للشعب مهما شهدت مصر من أحداث. وهو ما أكده أيضا اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني والاستراتيجي، والذي أشار إلي أن ضباط القوات المسلحة معنوياتهم سيئة، بسبب تصريحات المرشد العام للإخوان المسلمين. فيما اعتبر اللواء علاء عز الدين رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا الأسبق أن مرشد الجماعة تجاوز الحدود حين تدخل في شئون القوات المسلحة وأساء لقياداتها. مشيرا إلي أن حديث المرشد تسبب في استياء وتذمر غير مسبوق في صفوف القوات المسلحة وأبنائها مؤكدا أن المؤسسة العسكرية لم يحكمها فاسد علي مدار التاريخ. حزب النور السلفي الحليف الاستراتيجي لجماعة الإخوان تيقن خطورة تصريحات مرشد الجماعة ومدي الغضب العارم التي سببته داخل الجيش ولذلك بادر بإصدار بيان صحفي أعلن فيه رفضه لمثل هذه الاتهامات مؤكدا في بيانه أن أبناء الجيش المصري هم من خيرة أبناء مصر وهم عماد تقدمه، وصمام أمان لوطن مصر الغالي، والسبيل للمحافظة علي استراتيجيات المرحلة القائمة والقادمة وأن الحزب يؤكد احترامه وتقديره للقوات المسلحة وقيادته ويثق في قدراتهم علي إدارة مهامه.. مشيرا إلي أن الحزب يربأ بالقوي السياسية العاملة علي الساحة أن توجه الاتهامات المرسلة إلي القوات المسلحة التي حافظت علي كيان الدولة، وحالت دون إراقة الدماء في مصر، وقامت بحماية وإنجاح الثورة والحفاظ علي وحدة الشعب المصري وتكاتفه دون تعريض البلاد لمخاطر الانقسام والتنازع.. الكثيرون ربطوا بين تصريحات المرشد وموقف الجيش من الأحداث التي شهدتها مصر مؤخرا خصوصا أحداث الاتحادية الأخيرة والتي خلفت وراءها عشرة قتلي ومئات المصابين وكان موقف الجيش فيها حاسما بإصداره البيان الذي أكد فيه أن ولاءه سيظل ملكا للشعب في ظل الاتهامات التي وجهت له بإرسال قوات إلي قصر الاتحادية لحماية الرئيس محمد مرسي فضلا عن مبادرة الجيش للم الشمل الوطني من خلال الدعوة التي أطلقها "السيسي" لقوي المعارضة للجلوس معا والنقاش حول المواد الخلافية في الدستور وهو اللقاء الذي تم إلغاؤه بعد تدخل مكتب الإرشاد خوفا من عودة النفوذ السياسي للمؤسسة العسكرية الاستجابة غير المتوقعة التي لاقتها دعوة القوات المسلحة أثارت الغضب داخل نفوس القيادات الإخوانية خصوصا أن هذه القوي التي رحبت علي الفور بدعوة "السيسي" عزفت عن الجلوس مع الرئيس مرسي والنقاش معه للوصول إلي حل يرضي جميع الأطراف حول القضية ذاتها.. تصريحات المرشد سبقها بيوم واحد وتحديدا يوم الأربعاء الماضي تقريراً لموقعWND الأمريكي وربما يكون سببا في التصريحات العنترية التي أطلقها قائد كتيبة الجماعة وجاء في التقرير: علي الرغم من أن وجود الجيش المصري كان منعدماً تقريبا خلال أزمة الإعلان الدستوري الأول للرئيس محمد مرسي، والذي حاول من خلاله فرض السلطة المطلقة علي القضاء، فإن تدخله في الحياة السياسية ممكن في أي وقت تتصاعد فيه الأحداث. وأضاف التقرير أن الإخوان المسلمين كانوا يحاولون الوصول للسلطة علي حساب الجيش وبالفعل نجحوا وعلي الرغم من ذلك فإنهم لم يستطيعوا السيطرة علي هذه المؤسسة وفقا للعديد من المحللين. ليظل السؤال المطروح هو هل من الممكن أن يتحكم مرسي في الجيش ببساطة؟ ونقل التقرير عن معهد "ستراتفور" للاستخبارات أن مرسي إذا أراد أن يتحكم في الجيش عليه أن يساومه ويفاوضه، فقوة الجيش تكمن في دوره التاريخي في التدخل بالأوقات العصيبة في السياسة الداخلية. وأوضح "ستراتفور" أن هذه الأزمة الحالية التي تمر بها مصر قد يتولد عنها جمود سياسي والجيش بإمكانه أن يكسر هذا الجمود ولكن هذا القرار يقع علي عاتق القيادة العسكرية العليا، إلا أن الجيش ينتظر الوقت الذي تحدده هذه القيادة. وأضاف التقرير أن الجيش انتظر قليلا في أحداث الاتحادية الأخيرة, ولم يتخذ قرارا في بادئ الأمر, بعدها قرر حماية القصر الجمهوري من خلال نشر دباباته , وإعطاء الأوامر للمتظاهرين بالابتعاد عن محيط القصر بعد موجة عنف شديدة، مما يؤكد حقيقة أن الجيش تصرف عندما أراد. وأوضح التقرير أن الإخوان المسلمين إذا أرادوا معارضة الجيش لم يستطيعوا سوي حشد الجماهير في الشارع، علي غرار المظاهرات التي أطاحت بالرئيس مبارك. لكن وفقا ل "ستراتفور" فإن هذه الأداة التي يملكها الإخوان لن تسمح لهم بالسيطرة علي قيادة الجيش. وأشار التقرير إلي أن بعض المحللين في مصر يرون أن تغيير القيادة العسكرية في بداية حكم مرسي جعلت القيادة الجديدة تابعة له لكن الحقيقة أن مرسي لم يتمكن بعد من السيطرة علي الجيش, وقد تجلي هذا الأمر عندما قام الحرس الجمهوري بإزالة الأسلاك الشائكة من حول القصر ليسمح للمتظاهرين بالاقتراب أكثر، علي الرغم من ازدياد الحشود الغاضبة بسبب إصرار مرسي علي إجراء الاستفتاء، وهو ما يعني أن الجيش في هذه الحالة فضل الانحياز للشعب عن حماية مرسي. ووفقا ل "ستراتفور"فإن هذا الفعل من قبل الحرس الجمهوري دفع مرسي إلي الإسراع للتفاوض مع قيادات الجيش وعقد صفقة مع قيادات القوات المسلحة يكون بموجبها وضع الجيش هو الأرجح في ميزان القوي بمصر. وأوضح التقرير, أن الجيش أراد الوصول لهذه النتيجة عندما سمح للوضع بالتأزم لإجبار مرسي علي التفاوض معه، فالرئيس لم يكن لديه بديل سوي طلب المساعدة العسكرية، مما يؤكد حقيقة انه لم يسيطر علي الجيش بعد. وكل هذه الأحداث تعكس تناقص قوة الرئيس أمام الجيش حتي مع مراهنة الجماعة علي جماهيرها الغفيرة، والجيش في الحقيقة سعيد بهذا الوضع فهو يرغب في وجود رئيس مدني في الوقت الذي يمتلك فيه كل الخيوط، وهذا يعني في النهاية أن الإخوان المسلمين رغم ما وصلوا إليه ليسوا القوة الأكبر في مصر. وأضاف التقرير أن كل هذه الخطوات من قبل القيادة العسكرية سيتم تفسيرها علي أنها للحفاظ علي استقلال المؤسسة العسكرية، لكن جماعة الإخوان لن تيأس وسوف تستمر في محاولة تعزيز قبضتها علي كل السلطات في ظل وجود المعارضة. ويري التقرير أن سبب استمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر، هو قدرة الجيش علي الحفاظ علي استقلاله وعلي ميزان القوي فوجود الجيش كمؤسسة مستقلة يساعده علي الحفاظ علي معاهدة السلام التي تم إبرامها في عام 1979 إلي جانب الالتزام بالترتيبات الأمنية العامة في المنطقة علي الأقل في الوقت الراهن.