في الوقت الذي أثارت فيه دعوة الدكتور عصام العريان مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بعودة اليهود إلي مصر دهشة الجميع داخل المجتمع ووقعت كالصدمة علي رؤوس الكثيرين ومازالت محل جدل الإعلام المصري تلقفها الإعلام الإسرائيلي بكل ترحاب واعتبرها بداية لعلاقة جديدة بين الإخوان وشعب الله المختار بعد سنوات من التصريحات العدائية وقت أن كان الإخوان يقبعون علي مقاعد المعارضة في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك.. العديد من وسائل الإعلام هناك ربطت بين تصريحات القيادي الإخواني والزيارة التي قام بها مؤخرا إلي بلاد العم سام والتي التقي خلالها عددا من المسئولين في الإدارة الأمريكية وتطرق الحديث بينهما عن مدي علاقة الإخوان بإسرائيل بعد تولي رئيس ينتمي إلي الجماعة شئون الحكم في مصر.. وعلي الرغم من صدور بيان رسمي من قبل الجماعة تؤكد فيه أن تصريحات "العريان" جاءت بصفة شخصية بعيدة عن الموقف الرسمي للإخوان فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتبرت الهدف من البيان امتصاص غضب الشعب المصري بعد موجة الرفض التي قوبل بها التصريح واعتبرت إذاعة الجيش الإسرائيلي دعوة العريان الهدف منها التقرب من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتبر إسرائيل حليفتها الأولي بالمنطقة. وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية إن بعد آلاف السنين ظهر فجأة من يهتم باليهود الذين طردوا من مصر وأوضحت القناة أن دعوة العريان كانت صدمة للمجتمع المصري بقدر ما كانت مفاجأة لإسرائيل، لافته إلي أن هذه الدعوة قد تعرضه لخسائر سياسية كبيرة حتي أن الرئيس مرسي نفسه لم يلتفت إلي الغضب الإعلامي الذي انصب علي "العريان". وأبدي اليهود المصريون في إسرائيل ردود أفعال متباينة حول تصريحات العريان، حيث قام عدد منهم بالتظاهر أمام السفارة المصرية بتل أبيب تأييدا لحق العودة إلي مصر وللترحيب بتصريحات القيادي الإخواني. وعلي الجانب الآخر أبدي عدد آخر من يهود مصر المتواجدين في إسرائيل تخوفهم وقلقهم من قبول الدعوة وأرسل رئيس جمعية اليهود المصريين في إسرائيل نجار عازي رسالة إلي العريان عبر القناة السابعة الإسرائيلية، تضمنت أربعة أسئلة وهي: هل سيكون لي منزل أعيش به أم سأعود لمنزل والدي بالقاهرة؟ أم سأضطر للعيش مع آلاف المواطنين الذين يسكنون مقابر القاهرة؟ وهل سأكون أحد الجامعيين العاطلين بمصر؟ أم ستوفرون لي عملا؟ وهل سأعيش في مستوي معيشي معقول أم سأضطر للاعتماد علي الخبز فقط؟ وهل سأعيش حياة ديمقراطية حرة؟ وأضاف عازي موجها حديثه للعريان: إذا استطعت ان تجاوب علي هذه الأسئلة سوف أفكر في العودة لمصر، فمن غير بيت ولا مستوي معيشة مقبول ولا حرية ولا ديمقراطية لا أستطيع العودة، لا يمكن ان اكتفي فقط بالشريعة ولا يمكن أن أوافق علي عرضك بهذا الشكل. وقد أثارت دعوة العريان الجدل أيضا فيما يتعلق بممتلكات اليهود في مصر وهل سيطالبون بها فور العودة أم لا؟ وقد أبدي الكثيرون قلقهم من هذا الأمر بسبب وجود ممتلكات ضخمة لليهود في مصر. ولفتت صحيفة "جيروزاليم بوست الإسرائيلية" إلي أن هناك معلومات تؤكد أن أجهزة الأمن المصرية ضبطت 1.7 مليون وثيقة تتضمن تفاصيل عن أصول اليهود المصريين الذين غادروا مصر في فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وأضافت أن هذه الوثائق التي ضبطت معبأة في ثلاثة صناديق تحتوي أيضا معلومات حول ممتلكات اليهود في مصر وكان هناك نية لتهريبها للأردن ثم إلي إسرائيل وأشارت الصحيفة إلي أن قضية اليهود من أصول عربية كانت قد تصدرت عناوين الصحف الإسرائيلية في الفترة الأخيرة حتي أن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون كان قد قاد حملة حتي يتم الاعتراف باليهود القادمين من دول عربية إلي إسرائيل كلاجئين وليس كمواطنين لهم حقوق كاملة، ومن هنا تأتي خطورة تصريحات العريان التي تعد كوثيقة يمكن ل "أيالون" أن يستعين بها للتسويق لحملته. وأشارت جيروزاليم بوست إلي أن أيالون أكد أن ممتلكات اليهود في الدول العربية يجب أن تدخل ضمن مفاوضات تعويض اللاجئين، بمعني أن مسألة الممتلكات اليهودية قد تكون أحد الكروت السياسية الإسرائيلية في الفترة المقبلة. وأكد أيالون انه لا يعلم أي شيء عن الوثائق التي تم ضبطها في مصر بشأن اليهود وممتلكاتهم ولكنه يملك كل الوثائق المطلوبة لتدشين حملته لاعتبار اليهود العرب لاجئين لهم حقوق في مواطنهم الأصلية.. وشجعت دعوة العريان الكاتب اليهودي هارون ماجيد لتوجيه الدعوة للرئيس محمد مرسي من خلال مقال له بصحيفة نيوز وييك الأمريكية لزيارة إسرائيل، موضحا أن الدور البارز الذي قام به مرسي لعقد اتفاق بين حماس وإسرائيل، والذي أسفر عن وجود هدوء بالمنطقة وهبوط حاد في عدد الصواريخ الموجهة من غزة إلي إسرائيل يؤهله ليكون وسيطا مسئولا بالمنطقة، لكن يجب الاستفادة أيضا من وضعه كزعيم إسلامي كبير بالمنطقة ولزاما عليه أن يتحلي بروح السادات ولا سبيل أمامه سوي القيام بدور كبير بالمنطقة أهمها زيارة إسرائيل وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن اعتراف الأممالمتحدة بدولة فلسطين جاء نتيجة لاتفاق وقف النار بين حماس وإسرائيل الذي توسطت به مصر، وأيضا بعد إعلان نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي زيادة البناء في المستوطنات وهو ما يؤكد أن عملية السلام في حاجة إلي شخص لتحريكها. ولفت ماجيد إلي أن زيارة الرئيس الراحل السادات كانت سببا في تعبئة الرأي العام الإسرائيلي وراء اتفاقية السلام، والتي كانت تتطلب الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، وباتباع خطوات السادات يمكن لمرسي أن يحيي من جديد عملية السلام. وأشار الكاتب اليهودي إلي أن الوقت مناسب جدا حتي يتخذ مرسي مثل هذه القرار فمع اقتراب الانتخابات الإسرائيلي يحتاج نتنياهو للتقدم علي منافسيه، في الوقت الذي يشعر فيه الإسرائيليون بأنهم معزولون عن العالم بعد الهجوم الأخير علي غزة وزيارته في الوقت الحالي من شأنها أن تزيل كل المخاوف لدي الإسرائيليين وقال ماجيد انه في حالة زيارة مرسي لإسرائيل لابد أن يزور متحف الهولوكوست حتي يبرهن علي إنكار هذه المذبحة الأمر الذي سيكون تمهيدا لسلام طويل الأمد مع الفلسطينيين. وأشار الكاتب إلي أنه من المهم أيضا أن يتكلم مرسي أمام الكنيست الإسرائيلي وتأييده لقيام دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهذا من شانه أن يجبر المواطن الإسرائيلي علي التركيز علي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال الانتخابات وليس علي المشكلات الاجتماعية فقط، لاسيما أن رئيسة الوزراء السابقة تسيبي ليفني تؤكد في حملتها الانتخابية علي أهمية حل الدولتين بالنسبة لمستقبل إسرائيل وأوضح الكاتب أن مرسي لديه القدرة علي تغيير الحوار الانتخابي برمته . وربطت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات العريان بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، حيث قالت صحيفة "معاريف" إن بعض المحللين الإسرائيليين وجدوا أن تصريحات العريان بشأن التزام جماعة الإخوان المسلمين باتفاقية السلام ما هي إلا مناورة سياسية، الهدف منها كسب تأييد وتعاطف المجتمع الدولي لجماعته، في ظل التخوف الشديد من تصاعد نجم الإسلام السياسي في مصر واعتبرت الصحيفة أن تصريحات العريان بهذا الشأن لاسيما في الوقت الذي باتت فيه الجماعة قاب قوسين أو أدني من الاستحواذ علي السلطة تنم علي ذكاء كبير منه وانه يدرك حجم المخاوف التي تحيط بجماعته، مشيرة إلي أن تاريخ الحركات الإسلامية يؤكد وجود تعاون مشرق بين الإسلاميين والإسرائيليين، فعلي سبيل المثال: الإسلاميون في الكنيست أثبتوا تعاونا جديا مع اليمينيين وكان تصويت هذه الحركات لموشيه كاتساف الرئيس الإسرائيلي السابق سببا في ترجيح كفته في الانتخابات، الأمر الذي يعني أنه لا داعي للخوف من الإسلاميين لمجرد انتمائهم للإسلام.. وغالبا ماتهتم وسائل الإعلام الإسرائيلية بتصريحات العريان فعقب فوز حزب "الحرية والعدالة" بأغلبية البرلمان في مارس الماضي، أشارت "معاريف" إلي تصريحات العريان والتي أكد خلالها أن جماعته لن تجبر المصريين المسيحيين علي اعتناق الإسلام، ولم تجبرهم علي تطبيق الشريعة بما يتعارض مع حرياتهم الشخصية ولفتت الصحيفة إلي أن العريان تبرأ من تصريحات بعض قيادات حزب النور الذين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية ولو بالقوة حتي علي المسيحيين وقالت الصحيفة إن العريان أكد أنه يمثل حزبا معتدلا وعادلا، وكل ما يريده هو تطبيق مبادئ الشريعة التي تكفل المساواة والحقوق لكل المواطنين.. بجانب ذلك دائما ما تصب تصريحات العريان حول الإسرائيليين في صالحهم علي عكس باقي القوي الدينية الأخري فقد سبق وكتب مقالا لصحيفة "ذا جويش فور ورد" اليهودية الأمريكية - والتي تعتبر إحدي الجهات الإعلامية المعبرة عن المجتمع اليهودي الأمريكي - في عام 2008 وبالتحديد في الثالث من إبريل وتحدث في متن المقال عن المعاناة التي تعانيها جماعته في ظل وجود النظام السابق، الأمر الذي يفهم علي أنه استقواء بالخارج أو بمعني أوضح استقواء باللوبي الصهيوني في أمريكا المعروف انه يتحكم كثيرا في مجريات السياسة الأمريكية، لاسيما وأن هذه الفترة كانت تستعد فيها الجماعة لخوض انتخابات المجالس المحلية التي كانت تعتبرها من أهم الانتخابات نظرا لارتباطها بقاعدة عريضة من الجمهور، وقد تحدث أيضا عن رغبة نظام مبارك في الاستئثار بهذه المجالس والوقوف بكل قوة أمام الإخوان المسلمين حتي لا تنجح في هذه الانتخابات، موضحا أن هذه الأمور تتعارض السياسة الأمريكية التي تهدف لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الوسط.