يستحق بجدارة لقب "ملك النُص".. يجلس مع الليبراليين ليؤكد ليبراليته وانحيازه للفكر الحر دون قيود.. ويجلس مع الإسلاميين ليشدد علي توجهه الإسلامي وسعيه الكامل لتطبيق الشريعة.. يدلي بتصريحات في اتجاه ما وسرعان ما يخرج بتصريحات أخري مضادة لتصريحاته الأولي في الاتجاه ومساوية لها في المقدار حتي لا يُغضب احد.. انه عبدالمنعم أبوالفتوح الذي يجيد اللعب علي كل الحبال السياسية يهادن طرفا ويتقرب إليه ليعود في جلسة أخري ويعلن مهادنته للطرف الآخر.. سار علي هذا الدرب أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية وكان سببا مباشرا لخسارته.. وما زال يسير علي نفس الطريق غير مدرك أن هذا الأسلوب سيفقده كثيرا من شعبيته التي بدأت في التضاؤل بسبب عدم وضوح رؤيته. رغم انه يحسب نفسه علي المعارضة إلا أن عبدالمنعم أبوالفتوح رفض الانضمام إلي جبهة الإنقاذ الوطني التي تضم رموز المعارضة الوطنية علي رأسهم المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية مثل حمدين صباحي وعمرو موسي ومحمد البرادعي وخالد علي مما أثار تساؤلات عديدة حول الأسباب الحقيقية وراء رفض أبولفتوح الانضمام للجبهة وهذا ما أشار إليه الدكتور أحمد البرعي أمين عام جبهة الإنقاذ الوطني الذي قال إن الجبهة عرضت علي الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الانضمام لها لكنه رفض وفضل العمل بشكل منفصل مشيرا إلي أن باب الجبهة مفتوح إذا قرر أبوالفتوح الانضمام لها. وربما يمكن تفسير موقف ابو الفتوح الرافض للانضمام لجبهة الإنقاذ الوطني بأسباب عديدة إلا أن أهم الأسباب التي تفرض نفسها في هذا السياق هو رغبته في إرضاء الإسلاميين وخشيته من انقلابهم عليه حال انضمامه لجبهة تضم عددا من أقطاب المعارضة التي يتخذ منها الإسلاميون موقفا عدائيا مثل حمدين صباحي ومحمد البرادعي وعمرو موسي وغيرهم.. وربما نظر الرجل إلي أبعد من اللحظة الراهنة حيث الانتخابات التشريعية علي الأبواب وبالتالي فإن انضمامه الي هذه الجبهة قد يؤدي الي خسارة حزبه لأصوات الإسلاميين في ظل تطلعاته بالفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان المقبل. وربما نظر أبوالفتوح الي ابعد من الانتخابات التشريعية أيضا حيث الانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات ونصف وبالتالي عدم خسارة أصوات الإسلاميين التي حصل عليها في الانتخابات الماضية إذا انضم للجبهة. موقف مزدوج قبل المرحلة الثانية من التصويت علي الدستور الجديد قال الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح "إننا مستمرون في الدعوة للتصويت ب"لا" في المرحلة الثانية لإسقاط دستور لا يحقق طموحاتنا في عدالة اجتماعية وحرية.. مواد العسكرة وترسيخ سلطة الفرد مرفوضة".. ورغم ذلك فقد نقل الموقع الرسمي لحزب الحرية والعدالة تصريحات ل"بدر فهمي" أحد أعضاء حزب مصر القوية بأوسيم قال فيها "إن الغالبية العظمي من أعضاء الحزب بأوسيم سيصوتون ب"نعم" للدستور لاقتناعهم بمواده مؤكدا أنه لا يوجد في الدستور ما يدعو للتصويت ب"لا" فالفترة الحالية تحتاج من جميع المصريين التكاتف والوقوف خلف الرئيس المنتخب للخروج من المرحلة الانتقالية والوصول إلي مرحلة بناء المؤسسات القومية واختيار أعضاء مجلس الشعب.. وقد جاءت تصريحات بدر لتثير تساؤلات حول التناقض بين تصريحات أبوالفتوح التي ربما حاول من خلالها الانضمام إلي المعارضين للدستور وتصريحات بدر التي ربما حاول من خلالها إرسال رسالة إلي الإسلاميين مفاداها عدم اعتراض حزب مصر القوية علي الدستور الجديد خاصة في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية ورغبة الحزب في حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد. استغلال الشريعة منذ أسابيع خرج الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ليؤكد أن استغلال الشريعة الإسلامية في الصراع السياسي "عيب وحرام" وأن الحزب الحاكم كان يجب أن يتسلح بالتسامح وأن يكون أكثر تنازلا وأن الشعب المصري كله يقدر الشريعة الإسلامية ولا يصح لطرف احتكارها واستغلالها لكسب بعض الأصوات في الانتخابات.. وقد قال أبوالفتوح ذلك رغم انه كان احد الذين عمدوا إلي استغلال الشريعة في صراعه السياسي أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية عندما جلس مع قيادات الدعوة السلفية وأكد لهم ان هدفه تطبيق الشريعة وهو عامل ساهم في إعلان الدعوة تأييدها لأبوالفتوح. وقد وصف أبوالفتوح الإعلان الدستوري الأول الذي أصدره في 21 نوفمبر وما تبعه من قرارات وصفها ابو الفتوح بأنها "انتكاسة للثورة" وقال إن تمرير مطلب ثوري وسط حزمة من القرارات الاستبدادية انتكاسة للثورة.. وعندما هاجم الإسلاميون المعتصمين أمام الاتحادية أدان أبوالفتوح هذا الهجوم واستنكر تخلي الدولة عن دورها في حماية المتظاهرين وأكد أن القصر الرئاسي "الاتحادية" ليس ملكا خاصا لجماعة الإخوان أو الدكتور محمد مرسي وإنما هو ملك لجميع المصريين وليس من حق الإخوان حمايته لأن هذا دور مؤسسات الأمن المصرية.. وفي مؤتمر صحفي دعا أبوالفتوح الذين يريدون أن يضللوا الشعب المصري ويحولوا الخلاف السياسي الي معركة دينية بين الاسلام والكفر أن يتوقفوا عن هذا العبث مشددا علي رفضه أي "دغدغة" لعواطف الناس الدينية المصرية من أجل تحقيق مصالح سياسية. كما اتهم عبدالمنعم أبوالفتوح الرئيس المصري محمد مرسي بعدم الشفافية في اختياراته والتسرع في قراراته ووصف أداءه بالمهتز والضعيف لأنه بدأ رئاسته بتغليب مبدأ "أهل الثقة" علي حساب "أهل الخبرة".. ولم يتوقف أبوالفتوح عند هذا الحد وإنما اتهم جماعة الإخوان المسلمين بالتخلي عن الدعوة والتورط في المنافسة الحزبية حتي تحولت خصما سياسيا وأحد المتسببين في حالة الاستقطاب الخطيرة التي تشهدها مصر الآن. ورغم هذا الهجوم الشديد علي قرارات الرئيس مرسي وعلي جماعة الإخوان المسلمين إلا أن أبوالفتوح عاد ليمسك العصا من المنتصف عندما تراجع شيئا ما في تصريحاته وقال وسط حشد من أبناء الجالية المصرية بالعاصمة الأمريكيةواشنطن إن ما يجري في مصر من جانب بعض قوي المعارضة هو تصفية حسابات مع الإخوان المسلمين وبعضها يظهر في وسائل الإعلام لبناء زعامات فارغة علي حساب الوطن وذلك خلال وصفه لعدد من معارضي الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي.. وأشار إلي أن من يريد أن يصفي حسابات مع الإخوان المسلمين فليفعل ولكن ليس علي حساب الوطن وإثارة شباب نقي وطاهر هم عدة هذا الوطن وحاضره ومستقبله. منهج دائم والواضح أن منهج أبوالفتوح في إمساك العصا من المنتصف ليست وليدة الأحداث الأخيرة وإنما ظهرت بوضوح قبل الانتخابات الرئاسية حيث أجاد اللعب علي عقل ومشاعر المواطن المصري بإطلاقه عبارات وتصريحات تتفق مع رغبات قطاعات من الجماهير رغبة في كسب تأييدها.. فمثلا في رده علي سؤال في أحد الحوارات الصحفية حول تطبيق الشريعة قال "نحن لن نعيد مصر إسلامية لأنها لم تكن قرشية أو تكفيرية".. وفي حديث آخر طمأن غير المتشددين بأنه لن يفرض الحجاب والنقاب وأن الإسلاميين يجب أن يتركز عملهم في خدمة الناس.. وفي أشد لحظات الهجوم علي المجلس العسكري رفض اتهام البعض للمجلس ب"التواطؤ" دون دليل ورأي أن استمرار الجيش في الحكم يعد انتحارا رغم أن أداء المجلس الأعلي في ذلك الوقت كان بطيئا ومرتبكا وساهم في تردي الأوضاع. وعندما سئل أبوالفتوح أثناء الانتخابات الرئاسية عن إمكان تولي مسيحي لرئاسة الجمهورية قال "ما المانع" مغازلا بذلك المسيحيين.. ولم يعارض في موضع آخر تعيين نائب مسيحي له إذا نجح في انتخابات الرئاسة.. وحاول أبوالفتوح أن يكسب ود الإخوان المسلمين فأكد أنه لا يوجد في لائحة جماعة الإخوان المسلمين ما يمنع من تولي امرأة رئاسة الجماعة رغم أن الواقع العملي يؤكد أن المرأة لم تتول أي منصب قيادي في الجماعة ولعل ما أثير بعد ذلك من اعتراض عدد من السيدات داخل الجماعة علي عدم إسناد أي منصب قيادي لهن يؤكد أن كلام أبوالفتوح جانب الحقيقة وانه هدف من وراء ذلك إلي مغازلة الإخوان المسلمين. كما غازل أبوالفتوح الناصريين عندما صرح بقبول حمدين صباحي في منصب نائب الرئيس إذا فاز برئاسة الجمهورية ونفس العرض قدمه أيضا للمرأة علي أن تكون ذات كفاءة لكسب أصوات النساء.. ودعا الإسلاميين للاتفاق علي مرشح واحد في إشارة إلي نفسه وهذا يتناقض مع تصريح سابق يرفض فيه التنازل عن سباق الرئاسة لصالح سليم العوا. مغازلة أبوالفتوح أثناء سباق الانتخابات الرئاسية تعدت الحدود المصرية لتصل إلي الإدارة الأمريكية ربما لأنه أدرك مثل غيره أن الولاياتالمتحدةالأمريكية بيدها خيوط اللعبة في مصر.. وظهرت هذه المغازلة بشكل صريح عقب فوز باراك أوباما بالرئاسة الأمريكية حيث كتب الدكتور عبدالمنعم مقالا يقدم فيه تهنئة للرئيس الأمريكي مستخدما أرق الكلمات بل انه اعتبر ان نجاح أوباما بمثابة فوز للإنسانية كلها.. وربما أتت هذه المغازلة ثمراتها سريعا حينئذ فعندما التقي وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق بالدكتور محمد مرسي والذي كان يشغل منصب رئيس حزب الحرية والعدالة في ذلك الوقت قبل خوضه لانتخابات الرئاسة وفوزه بها سأله بيرنز عن موقف الجماعة من ترشح عبدالمنعم لرئاسة الجمهورية فأكد مرسي الرفض القاطع لمساندة أبوالفتوح إلا أن المسئول الأمريكي ألمح إلي أن بلاده تري أنه شخص متحضر في إشارة إلي أفكاره التي يطرحها منذ سنوات عن موقف الإسلام من المرأة والأقباط وحرية الرأي والتعبير.