الأمر لايختلف كثيرا بالنسبة لعلاقة الرئيس محمد مرسي بجهاز المخابرات العامة فعندما اعتلي أستاذ الهندسة سدة الحكم في مصر كان يجلس علي رأس هذا الجهاز الحساس اللواء مراد موافي الذي خلف الراحل عمر سليمان في هذا المنصب عندما صعد الأخير إلي منصب نائب الرئيس في أكبر خطأ له علي مدار تاريخه بحسب الكثيرين.. في الوقت الذي كان يشغل فيه "موافي" هذا المنصب كان المشير محمد حسين طنطاوي يتولي منصب وزير الدفاع والقائد الأعلي للقوات المسلحة.. الأول كان يعتبر الأخير هو الحاكم الفعلي لمصر وكان يدين له بالفضل والولاء وكانت معظم التقارير تخرج من الجهاز الحساس إلي مكتب المشير في ظل تجاهل واضح للرئيس وهو مافطن إليه الرئيس الحالي منتظرا اللحظة المناسبة للإطاحة به من منصبه.. وقبل الإطاحة بطنطاوي ورجاله ب 4 أيام فقط وتحديدا في الثامن من أغسطس من العام الجاري وجد مرسي الفرصة سانحة لإبعاده عن منصبه وهو ماوضح في الزيارة التي قام بها الرئيس إلي الصين بصحبة عدد كبير من المسئولين وخلا اسم "موافي" من هذه القائمة وهو ماكان بمثابة لحظة الحسم وأيقن الجميع وقتها أن الدور أصبح علي رئيس جهاز المخابرات وبالفعل استغل مرسي حادثة هجوم مسلحين علي أحد المراكز الأمنية علي الحدود المصرية الإسرائيلية وقت تناول الجنود للإفطار وقاموا بقتل 16 منهم ثم استولوا علي مدرعتين ودخلوا بإحداها الأراضي الإسرائيلية وتصدي لهم سلاح الجو الإسرائيلي ودمر المدرعة بمن فيها.. وقتها وجهت أصابع الاتهام بالتقصير إلي "موافي" والعاملين بجهاز المخابرات وفي محاولة منه لدفع تهمة التقصير عن نفسه خرج بتصريحات إلي وكالة الأناضول التركية أكد فيها أن الجهاز كانت لديه معلومات حول الهجوم الدامي الذي شنه مسلحون تابعون لإحدي الجماعات التكفيرية علي نقطة أمنية تابعة للجيش في شبه جزيرة سيناء قرب الحدود مع إسرائيل. مرجعا في تصريحاته عدم تدخل المخابرات لمنع الحادث طالما توافرت لديها المعلومات، إلي عدم تصور أن يقتل المسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار في رمضان.. لكن مازاد الأمور تعقيدا هو تأكيده بإبلاغ هذه المعلومات إلي مؤسسة الرئاسة لكي تأخذ ماتراه مناسبا وأن جهاز المخابرات جهة جمع معلومات فقط، وليس سلطة تنفيذية، وبهذا ينتهي دورها إلي حد إبلاغ الجهات المختصة. مؤسسة الرئاسة من جانبها نفت وصول أي معلومات إليها بخصوص هذا الشأن أعقبها صدور قرار جمهوري بإقالة موافي من منصبه وتعيين اللواء محمد رأفت شحاتة قائما بأعمال الجهاز قبل أن يصدر قرار آخر بتوليه المنصب بصفة رسمية.. منذ تولي الرئيس دفة الحكم وحتي الآن وهناك حالة شد وجذب بين الجانبين وتتخذ جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس موقفا معاديا لهذا الجهاز ظهرت بوادره في التصريحات العنيفة التي يشنها قيادات الجماعة علي هذا الجهاز وأصبح هناك قيادات داخل الجماعة يتخذون من الهجوم علي المخابرات وظيفة لهم.. أخطر تصريحات قيادات الإخوان العدائية تلك التي أطلقها المهندس خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عقب نجاح مرسي مباشرة والتي أكد خلالها أنهم سيبقون علي بعض قيادات الجهاز ممن لهم علاقة ببعض دول أمريكا وأوروبا وإسرائيل في تصريح هو الأخطر علي الإطلاق منذ اندلاع الثورة والذي اعتبره الجميع إشارة صريحة وواضحة علي نية الجماعة المبيتة للانتقام من جهاز المخابرات وقياداته.. القيادي الآخر الدكتور محمد البلتاجي لايفوت حدثا كبيرا أوصغيرا إلا ويصب هجومه علي قيادات المخابرات ويتهمهم بالتآمر آخر السهام التي وجهها القيادي الإخواني إلي جهاز المخابرات تعلقت بمطالبته للقيادات داخله وعلي رأسهم اللواء محمد رأفت شحاتة رئيس الجهاز بالكشف عن مدبري الاعتداءات والاقتحامات لمقرات حزب الحرية والعدالة التي حدثت في مختلف المحافظات مؤخرا نتيجة الغضب العارم من قبل المتظاهرين بسبب قرارات الرئيس مرسي الأخيرة المتمثلة في الإعلان الدستوري وطرح الدستور للاستفتاء. ووجه البلتاجي رسالة للجهاز قائلا: الواجب الوطني والوظيفي يفرض علي أجهزة المخابرات العامة والأمن الوطني والبحث الجنائي أن تجيب عن السؤال: من وراء الاعتداءات والاشتباكات والاقتحامات الدائرة في مختلف المحافظات في وقت واحد؟!. طالبا من الجهاز الكشف عن هوية هؤلاء ولحساب من يعملون ومن الذي يدفع لهم ويحميهم ويؤمن ظهورهم.. سبق هذه التصريحات هجومه الحاد أواخر الشهر الماضي علي الجهاز أيضا عندما أكد أنه تم مؤخرا القبض علي عقيد يدعي "أحمد محمد حسين كامل الديب" بنيابة سيدي جابر وهو يوزع فلوس وبحوزته طبنجتان وفي سيارته بندقية خرطوش وتبين بعد ذلك انه يعمل بالمخابرات العامة.. لافتا إلي أن هذه الحادثة تؤكد أن هناك أفرادا مازالوا ينتمون لمخابرات عمر سليمان تعمل في الخفاء عبر إدارتها لشبكات البلطجة بهدف إحداث الفوضي والبلبلة في مصر.. مؤكدا أن جميع أحداث العنف التي شهدتها مصر مؤخرا كان لها غطاء يحميها في إشارة واضحة إلي أجهزة المخابرات ولذلك كان لابد من صدور الإعلان الدستوري - حسب تأكيداته - دون أن يذكر لنا ماعلاقة كل مايتحدث عنه بالإعلان الدستوري.. البلتاجي لم يكتف بهذه التصريحات العدائية ضد الجهاز فقد تعدت تصريحاته كل الخطوط الحمراء عندما اتهمه صراحة وقت أن كان يرأسه اللواء مراد موافي بتهديده بالقتل لمجرد تفكيره في فتح ملفات فساده.. الجهاز لم يهتم وكأن الأمر لايخصه وهو مادفع بالمسئول الإخواني إلي التمادي في تهديداته والتأكيد علي أنه من خلال البرلمان الذي هو عضوا به - وذلك قبل حل مجلس الشعب- سوف يحاسب جميع المسئولين الأمنيين بداية من مسئول الأمن العام وجهاز الأمن الوطني والأمن المركزي والمخابرات العامة والشرطة العسكرية.. موجها اتهاما صريحا لها بالضلوع في الأحداث التي شهدتها مصر بداية من موقعة الجمل وانتهاء بأحداث العباسية والتأكيد علي أن الفاعل واحد في كل هذه الأحداث بدءا من موقعة الجمل ومرورا بأحداث مسرح البالون وماسبيرو والسفارة الإسرائيلية ومجزرة بورسعيد وغيرها لافتا إلي أن من دبر هذه الأحداث ليسوا أفرادا ولكنها أجهزة أمنية علي قدر عال من التنظيم وتعلم جيدا كيف يكون الفعل ورد الفعل وتعرف جيدا كيف يمكنها التخلص من التهم بإلقائها علي الآخرين في كل الأحداث.. أثناء جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق قبل أن تحسم المعركة لصالح الأول كان هناك معركة حامية الوطيس بين "البلتاجي" وجهاز المخابرات" وقتها خرج أستاذ الطب ليؤكد أن هناك سيناريو مرسوما تم الترتيب له من خلال خطه محكمة شاركت فيها أجهزة أمنية رفيعة المستوي دولية ومحلية لكي تزيد الخلافات بين الشعب المصري والقوي الثورية فتكون النتيجة هي رئيسا من عصابة مبارك. لافتا إلي أن تلك الأجهزة استخدمت ماكينات جبارة عملت في هدوء طوال الشهور الماضية مستفيدة من الخلافات بين قوي الثورة بهدف إعادة إنتاج النظام السابق.. في هذه الأثناء حدث تلاسن بين شفيق والبلتاجي, ووجه شفيق اتهامات صريحة للبلتاجي وجماعته الإخوان- بالضلوع في قتل الثوار خلال موقعة الجمل أعقبها البلتاجي بتصريحات غريبة شن فيها حربا شرسة علي جهاز المخابرات مؤكدا أن هذا الجهاز يقف خلف شفيق وهو الذي يحركه ويقوده مؤكدا أنه سيستمر في مواجهتهما مهما كان الثمن. لافتا إلي أن الأجهزة السيادية، بدأت تتبع خطة من الأكاذيب خلال المرحلة المقبلة للتخلص من كل أدلة اتهام النظام السابق سواء الجنائية أو السياسية أو المالية وإلصاقها بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الله اللبناني وحركة حماس واتهامها بقتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة.. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد اتهم البلتاجي كلا من شفيق والراحل اللواء عمر سليمان والإعلامي الدكتور توفيق عكاشة والمستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، بالترويج لهذا المخطط وتنفيذ أوامر الجهات السيادية بالترويج لفكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الطرف الثالث والأيدي الخفية التي فتحت السجون وأحرقت أقسام الشرطة وقتلت الثوار في موقعة الجمل والتي تبقي الموقعة الأكثر غموضا ولم يتم فيه حتي الآن معرفة الجاني الحقيقي خصوصا بعد حصول جميع المتهمين فيها علي البراءة.. البلتاجي اتهم أيضا الجهاز بأنه يعمل لصالح الرئيس السابق ونظامه مؤكدا أن الجهاز ينفذ خطة موضوعة بغرض إحداث الفوضي وضرب الثورة لافتا إلي أن الجهاز وقياداته هم من كانوا وراء حرق الأقسام ومديريات الأمن وفتح السجون بهدف إعلان الأحكام العرفية.. الاتهام الأخطر الذي وجهه البلتاجي إلي جهاز المخابرات كان فيما يتعلق بعلمه بأحداث موقعة الجمل وعدم تحركه لمنعها.. القيادي الإخواني الآخر الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة كان له نصيب من الهجوم علي جهاز المخابرات باتهامه في أكثر من مناسبة بأنه يبذل كل مافي جهده لإجهاض الثورة كان أهمها الرسالة التي وجهها إلي الجهاز بأنها ملك للوطن وليست ملكا للذين غيبهم الموت في إشارة إلي الراحل عمر سليمان مطالبا قيادات الجهاز بقراءة مشهد التغيير والعمل علي إعلاء استقلال القرار العربي وذلك قبل تشييع جنازة عمر سليمان مباشرة.. أثناء زيارة رئيس المخابرات العامة القطري أحمد بن ناصر إلي مصر وقت انتخابات الرئاسة خرج العريان وقتها ليؤكد، أن رئيس المخابرات القطري التقي الفريق أحمد شفيق بوساطة من جهاز المخابرات المصري، وهو مانفاه شفيق مؤكدا أن "ناصر" التقي قيادات من جماعة الإخوان وزار مكتب الإرشاد وهو اللقاء الذي تسبب في تقديم أكثر من بلاغ إلي النائب العام ضد العريان وجماعته بتهمة مقابلة قائد مخابراتي دون علم الدولة ودخول رئيس الجهاز القطري بجواز سفر عادي.. الأحداث الأخيرة التي شهدها محيط قصر الاتحادية ومحاصرة القصر الرئاسي صب أيضا عدد من القيادات غضبهم علي قادة الجهاز بتأكيدهم انهم يرفضون التعاون مع مؤسسة الرئاسة وينتظرون اللحظة المناسبة للإطاحة بالرئيس الحالي.. رغم كل هذه التصريحات العدائية من قبل قيادات الجماعة فإن الجهاز مازال يفضل الصمت رغم ما يمتلكه من ملفات خطيرة ضد هذه القيادات بحسب تأكيدات الراحل عمر سليمان رئيس الجهاز الأسبق والذي أشار في تصريحات صحفية له أن الجهاز يمتلك الملف الأسود الكامل للجماعة وأن السنوات الماضية شهدت اتصالات بين قياداتها وجهاز المخابرات طوال عهد مبارك من أجل السعي إلي احتوائهم سياسيًا، والتهدئة حتي لا يلجأوا إلي العنف، فضلا عن مطالبة الجهاز للجماعة بإنشاء حزب سياسي بشرط التنازل عن فكرة الجماعة الدينية ، بجانب الإشارة إلي أن العلاقة بين الجماعة والمخابرات مرت بثلاث فترات منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتي مبارك.