تصريحات غير متوقعة أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد تتعلق باستعداده لتسليم السلطة وفق آلية ديمقراطية، كما دعى الأحزاب في بلده إلى التمسك بالحوار، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع دون إراقة الدماء، بطريقة أحدثت حالة من الجدل وأثارت العديد من التساؤلات أبرزها لماذا يُغازل آبى أحمد المعارضة الإثيوبية؟ رئيس الوزراء الإثيوبى قال أمام مؤتمر السلام الذي أقيم تحت شعار "دعونا نبنى إثيوبيا مواتية للجميع": "إننى على استعداد كامل لتسليم السلطة وفق متطلبات العملية الديمقراطية عن طريق إجراء انتخابات نزيهة ودون إراقة دماء"، داعيًا الأحزاب السياسية ببلاده إلى ضرورة التمسك بالعملية السلمية والاستناد إلى الحوار والديمقراطية. ومنذ وصوله إلى السلطة في مارس من العام الماضى، اعتمد آبى أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الجارى، على التزام نهج الحوار وإنهاء الخصومات داخليًا أو في الإقليم. وفى سبتمبر 2018، قال أبى أحمد، إن المعارضة لو اجتمعت كلها لا تملك جيشًا مقداره عشرة آلاف جندى، لهذا يجب التعاون فيما بيننا، ليس بمفهوم الغالب والمغلوب بل بالعمل معًا"، مضيفًا:"نريد أن تكون إثيوبيا في وضع يُتيح للجميع الانتصار فيها". وأشار رئيس الوزراء الإثيوبى إلى أن التحول الإصلاحى جاء من قبل الشعب الإثيوبي وليس من قبل الأفراد والجماعات، مضيفًا:"لسنا بحاجة إلى نظام سياسى يكون الواحد غالبًا والآخر مغلوبًا". وتابع: "من الناحية النظرية يُمكن أن ينتصر شخص بقتل أخيه، ولكن هذا الانتصار لا يكون حقيقيًا". وخلال مخاطبته مسئولين ورجال أعمال، ضمن فعاليات اختتام مؤتمر السلام الوطنى الذى نظمته لجنة مشتركة من المستثمرين بإقليمي أمهرا وأوروميا، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعرب آبى أحمد عن أمله في أن يكون "حزب الازدهار" هو مستقبل إثيوبيا نحو الرفاهية. وتشكل حزب الازدهار أوائل الشهر الجارى بعدما توافقت أحزاب الائتلاف الحاكم الرئيسية (الأورومو الديمقراطي، الأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا)، والموالية لها (عفار، الصومال الإثيوبي، جامبيلا، بني شنقول جومز وهرر)، على الاندماج بحزب واحد عريض. رئيس الوزراء اتهم "بعض الجهات" بالعمل ضد وحدة البلاد وتقويض السلام والاستقرار من خلال استغلال الطلاب بمختلف الجامعات الإثيوبية، مشددًا على أن حكومته ستتصدى لأي أعمال تخريبية خاصة بالجامعات. وقال آبي أحمد، أمام المؤتمر، إن الناتج الإجمالي المحلي ارتفع في العام الجاري إلى 86 مليار دولار، وأوضح: "كنا قد وضعنا في خططنا العشرية للوصول إلى 100 مليار دولار، توصلنا إلى 86 مليار دولار حاليا، وهذا ما يجعلنا قريبًا من إحدى الدول الخمسة ذات الدخل المتوسط بأفريقيا". وأضاف أن صندوق النقد الدولي زاد حاليا نسبة منح قروضه لإثيوبيا إلى 700%، لثقته بتوظيف الحكومة الإثيوبية هذه القروض في المشاريع الحقيقية. وتابع أن القمر الصناعي الإثيوبى الذي تم إطلاقه، يوم الجمعة الماضية، وضع البلاد على قائمة الدول ال10 التي لها مكان في الفضاء، معتبرًا ذلك نجاحًا كبيرًا ومهمًا. وتشهد إثيوبيا من وقت لآخر احتجاجات وأعمال عنف، تقول الحكومة: "إن من يقف خلفها يسعى لتحقيق أغراض سياسية من خلال نشر الإحباط وإظهارها كحكومة عاجزة على تثبيت السلم والأمن والتحول الديمقراطي". ومن الواضح أن تصريحات آبى أحمد باستعداده تسليم السلطة تؤكد اصطدام مخطَّطه الطموح بالعديد من التحديات الداخلية، والتى يقع على رأسها موقف القوميات المختلفة من مشروعه، فضلاً عن انفجار طموح هذه القوميات، وبالنظر إلى كَمّ الاضطرابات التي حدثت في إثيوبيا منذ وصول الرجل إلى الحكم؛ بدءً من محاولة اغتياله في مقرّ مجلس الوزراء، ثم محاولة التمرد في إقليم الصومال، وبعدها المحاولة الانقلابية الفاشلة، وصولاً إلى الاحتجاجات الأخيرة، فإن الوضع الحالى يؤكد فشل مقاربة آبي أحمد ومشروعه في تجاوز الاضطرابات والانقسامات الداخلية عبر الحلول السطحية، وربما فقدانه لموقعه في السلطة لصالح شخصية جديدة بضغط من الجماعات التى ترى أن إصلاحات آبى أحمد لم تُلَبِّ طموحاتها، أو تُعادل التضحيات التي قدَّمتها بنزع فتيل حراكها الثورى.