نجحت جماعة الإخوان المسلمين في احتلال وزن سياسي أكبر من باقي القوي السياسية أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير بعدما تأنت في دراسة ما يحدث علي أرض الواقع في ميدان التحرير ولما بات الوضع أمامهم ثورة وليس انتفاضة كما كان يعتقد مكتب الإرشاد قرروا الانقضاض عليها ودفعها من الخلف, وأصدر المرشد العام الدكتور محمد بديع وقتها أوامره لكافة المكاتب الإدارية للجماعة في شتي ربوع مصر لنزول الشباب إلي ميدان التحرير للمشاركة في إسقاط حكم الرئيس حسني مبارك, بعدها انطلقت تصريحات قيادات الجماعة يمينا ويسارا منددة بنظام المخلوع ومطالبة بإسقاطه إلي أن وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها يحتلون صدارة المشهد السياسي ويجلسون علي مائدة المفاوضات مع رموز النظام البائد ممثلين عن قوي الشعب المختلفة، ففي يوم 27 يناير من العام قبل الماضي جلس رجال الجماعة مع نظائرهم من رجال مبارك للتفاوض علي إنهاء الاعتصام في ميدان التحرير مقابل الاعتراف بشرعية الجماعة والموافقة علي إنشاء حزب سياسي يعمل تحت إدارتها والإفراج عن قيادات الجماعة المحبوسين والذين كان من بينهم نائب المرشد الأول المهندس خيرت الشاطر ورجل الأعمال الإخواني المهندس حسن مالك وهو ما رفضه جموع الثوار والقوي السياسية المناوئة لها واتهموا الإخوان بخيانة الثورة، ولم يكتف الإخوان بذلك وشرعوا في خيانة الثورة للمرة الثانية حينما نجح الثوار في خلع مبارك وتولي المجلس العسكري إدارة المرحلة الانتقالية حيث بدأت الجماعة وقتها تتودد وتتقرب إلي العسكر بشكل علني وهاجموا أي تظاهرات أو مطالب فئوية لاستكمال مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها وحاولوا بكل ما يملكون من قوة أن يجهضوا مطالب الثورة، وعندما طالب الثوار بضرورة رحيل المجلس العسكري وانتخاب رئيس للبلاد أجاد أحفاد حسن البنا مسك العصا من المنتصف بين العسكر والثوار وبرعوا في عقد الصفقات السرية مع قيادات المجلس العسكري ويوما بعد الآخر ظهرت ملامح الصفقات السرية لتؤكد للجميع أنها جماعة لا تبحث إلا عن مصالحها الشخصية حتي لو اضطرت للتحالف مع ألد أعدائها. سدة الحكم.. الإرهاب الفكري مارس الفصيل الإخواني نظام الإرهاب الفكري علي فئات الشعب المصري كافة من أقصي مصر إلي أدناها ونجحوا في الوصول إلي حكم مصر عن طريق خطة ممنهجة وضعت آلياتها بالتنسيق مع أمريكا والمجلس العسكري، أمريكا لأنها كانت تتابع الثورة عن قرب يوما بعد الآخر وتترقب نتائجها بل وتشارك في صنعها فضلا عن الإخوان يعلمون جيدا أنهم إذا نجحوا في الاستحواذ علي دعم أمريكا سينالون الدنيا والآخرة معا، أما المجلس العسكري فهم كانوا يعلمون أيضا جيدا أنه يمثل رمز القوة الذي يمكنهم من بسط نفوذهم وسيطرتهم علي الوضع الداخلي، وراح أعضاء الجماعة الذين يجيدون التربيطات والصفقات السرية والحديث المعسول منقسمين إلي نصفين.. الأول يحمل التطمينات السياسية والدينية لدول الغرب وعلي رأسها أمريكا لإعطائهم الضوء الأخضر للمرور إلي قصر العروبة بأمان وسلام، والثاني يرتب أوراقه ويعيد ترتيب المساء بما يتناسب مع المستجدات التي تحدث علي الساحة السياسية وما يدور في محتوي ميدان التحرير لإعداد التقارير وتقديمها إلي مكتب الإرشاد ومن ثم كيفية الرد عليها والتعامل معها، وطوال الفترة الانتقالية رسم الإخوان والعسكر ملامح الجمهورية الثانية بعيدا عن عيون الثورة المصرية والأغرب من ذلك كله أن الجماعة نجحت في خداع المجلس العسكري وأقنعت قياداته بأنهم يريدون أو يحملون الخير لمصر وليس لهم أي مطامع سياسية ولن يتطلعوا من قريب أو بعيد للوصول إلي الحكم. ولأن "الأمس يختلف عن اليوم واليوم يختلف عن الغد" علي حسب العقيدة السياسية المترسخة لدي أعضاء الجماعة والذين يتعاملون بها مع جميع القوي السياسية المؤيدة والمعارضة لهم جاهروا بتأييدهم المطلق للإعلان الدستوري الصادر في 18 يونيو 2012 من قبل المجلس العسكري وقاموا بحشد أكبر عدد ممكن من الشعب المصري للاستفتاء ب"نعم" عليه رغم الخلاف السياسي الكبير حوله وكعادة الجماعة عادت بعد تصاعد حدة الخلافات بينها وبين المجلس العسكري لتنتقد الإعلان الدستوري الذي حملته علي أعناقها ودارت به في ربوع محافظات مصر مهللة ومكبرة في العلن وفي باطن الأمر تستمر في عقد الجلسات التشاورية مع العسكر لعدم خسارة كل شيء في وقت واحد، واستمرت الجلسات حتي طالب الإخوان بضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات النيابية وتناست متطلبات الثورة التي لم تتحقق حتي يومنا هذا ودهستها بأقدامها التي لا تجيد سوي الرقص علي حبال الغدر والأكل في جميع الموائد للوصول إلي منتهاها. سرقة برلمان الثورة ب" الزيت والسكر" وعلي طريقة الحزب الوطني المنحل استغل حزب الحرية والعدالة الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والذي تم الموافقة عليه بناء علي لقاء جمع الكتاتني مع اللواء عمر سليمان حينما كان نائبا لمبارك أثناء ثورة يناير, فقر وجهل الغالبية العظمي من الشعب المصري الذين يسكنون العشوائيات وقري وحارات محافظات مصر المنحدرة في الوجه البحري وصعيد مصر وقام أعضاؤه بجمع السلع التموينية "الزيت والسكر والسمن.. وغيرها" وتوزيعها علي سواد الناس لإقناعهم بأن مرشحهم في انتخابات مجلس الشعب خليفة الله في الأرض وأن ما دون ذلك هو الباطل فضلا عن استخدامهم منابر المساجد لتأييد مرشحهم وبالفعل نجحوا في ذلك وجلسوا تحت قبة البرلمان أغلبية تتحكم في كل شيء وتحتكر الآراء السياسية لصالحها وكأن التاريخ يعيد نفسه فنجد أعوان مبارك يجلسون داخل البرلمان لكن هذه المرة ترتسم علي وجوههم لحي كثيفة، بل وفشلوا في صياغة قوانين ثورية تحقق رغبات الشعب المتعطش للتغيير الكامل وخلع الفساد من جذوره وأثناء أحداث العنف التي كانت تتجدد بين الحين والآخر في محيط ميدان الثورة ووزعوا الاتهامات علي الثوار ووصفوهم بأنهم خونة وعملاء ومأجورون. وعاد الإخوان من جديد إلي حضن المجلس العسكري، فعندما أعلن أكثر من 40 حركة وفصيلا سياسيا العصيان المدني في 10 و11 فبراير من العام الجاري اعتراضا علي إجراء الانتخابات الرئاسية في وجود "العسكري" علي رأس السلطة رفض الإخوان مثل هذه الدعوة ووصفوا الداعين لها بأنهم يعملون ضد مصلحة الوطن ولا يبحثون إلا عن مصالحهم الشخصية ويتعاونون مع فلول النظام السابق لهدم مؤسسات الدولة وقطع طريق العودة إلي بر الأمان والعبور إلي الجمهورية الثانية، بل إنهم حذروا من المساس بالمؤسسة العسكرية علي اعتبار أنها المؤسسة المستقرة والوحيدة التي تملك الدفاع عن مصر داخليا وخارجيا. محمد محمود.. ووجه الجماعة الحقيقي بينما كانت تحدث الكثير من الأزمات التي هددت بحرق مصر كان أعضاء الجماعة الذين يجيدون التلون ويتخفون كسراب النمل في الشتاء، ففي أحداث محمد محمود والقصر العيني وأحداث ماسبيرو ومجزرة بورسعيد وأزمات البنزين لم نجد لهم صوتا سوي تصريحات مقتضبة من بعض رجالاتهم الذين يوزعونهم علي برامج ال"توك شو" في القنوات الفضائية وعلي طريقة النظام السابق في إدارة الأزمات شكلوا لجانا كثيرة وحتي وقتنا هذا لا نعرف مصير هذه اللجان والنتائج التي توصلت إليها بما يؤكد جليا أنهم يركزون أكثر علي إعطاء المسكنات بدلا من معالجة أصل الداء. ومرت الأيام وتزامنا مع الذكري الأولي لأحداث محمد محمود نزل الثوار للاحتفال في الميدان بينما رفضت الجماعة المشاركة وأعطت التعليمات لشبابها بعدم النزول إلي الميدان وفي تصريحات تعد الأخطر من بين تصريحات قيادات مكتب الإرشاد وصفهم الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة بأنهم مثيرو شغب ويريدون إسقاط الدولة في بحور من الدم مشيرا إلي أنهم إذا تعرضوا لمقار الجماعة والحرية والعدالة سيكون الرد عنيفا وهو ما يؤكد أن ميليشيات الإخوان المدربة تستعد في جميع الأوقات وتنتظر إشارة المرشد العام للتحرك. الرئيس المتمسح في الثورة تعرض مرسي للتضييق الأمني أكثر من مرة في عهد المخلوع مبارك كان أخرها اعتقاله بداية ثورة الخامس والعشرين من يناير بسجن وادي النطرون مع 34 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين علي مستوي محافظات مصر المختلفة يوم 28 يناير الذي عرف اعلاميا ب"جمعة الغضب" لمنعهم من المشاركة في أحداث ثورة يناير ،وبعد ترك قوات الأمن للسجون والنزول لميدان التحرير والتعامل مع المتظاهرين قام الأهالي باقتحام السجون وإخراج من بداخلها لكن مرسي رفض مغادرة زنزانته وأجري اتصالاته بأكثر من وسيلة إعلامية ليطالب الجهات القضائية بالانتقال لمقر السجن والتحقيق في موقفه القانوني وأسباب اعتقاله ولأن الإخوان كانوا أكثر فصيل سياسي منظم منذ بدايات ثورة يناير تيقنوا أن الفرصة جاءتهم علي طبق من ذهب للقضاء علي نظام مبارك الذي عذبهم كثيرا وصادر أموالهم مستغلين الثورة وشعاراتها القوية دفعوا بالمهندس خيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام للجماعة مرشحا في الانتخابات الرئاسية ووضعوا الدكتور محمد مرسي بديلا له في حين استبعد الشاطر من قبل اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وهو ما حدث بالفعل ودارت المعركة الانتخابية وعمل كل أعضاء الجماعة علي قدم وساق لنجاح مرسي واستغلوا مقراتهم ومدارسهم الخاصة وخطب الجمعة للترويج لحملته الانتخابية حتي تم ما يتمنونه منذ نشأة الجماعة وهو الوصول إلي كرسي الحكم، وتولي مرسي مهام منصبه رئيسا للجمهورية وأطلق سيلا من التصريحات الكثيفة لطمأنة الشارع المصري كان من بينها خطة ال"100" يوم التي فشلت فشلا ذريعا ولم يشعر بها المواطنون بأي حال من الأحوال ومع ذلك يصر أن خطته نجحت بنسبة كبيرة، ولم يقدم للشعب المصري سوي جملة من الخطابات المتنوعة التي لم ترتبط بأرض الواقع نهائيا وكان في كل مرة يتحدث عن إنجازاته التي يختلقها لنفسه أمام أنصاره علي حد قول بعض المحللين.. فحينما بدأت الاشتباكات العنيفة بين متظاهري محمد محمود وقوات الأمن في مشهد أعادنا كثيرا إلي الأيام الأولي من ثورة يناير خرج علينا الرئيس مرسي علي لسان متحدثه الرسمي الدكتور ياسر علي ليحتكر كافة الصلاحيات لنفسه ويقتبس دورا من الأدوار التي كان يجيدها مبارك في محاولة صريحة لتعمية الشعب المصري فيما عرف ب " الإعلان الدستوري" وهو ما رفضه جموع القوي السياسية وفئات الشعب المصري ليعلنوا خروجهم إلي مكان ميلاد الثورة المصرية ويطالبوا بإسقاط حكمه ويهتفوا "يسقط حكم المرشد". ولم يكتف الرئيس الإخواني بقراراته فقط فلما اشتدت عاصفة معارضيه الذين طالبوا برحيله من ميدان التحرير وانطلقت المسيرات السياسية التي يتقدمها عمرو موسي والدكتور محمد البرادعي وسامح عاشور وحمدين صباحي منددة بجملة قراراته الباطلة والديكتاتورية، خرج مرسي أمام قصر الاتحادية بين أنصاره من التيار السلفي والإخواني خاطبا: إن ثورة يناير ليست ملكا لأحد وطالب بضبط النفس لكنه وبنفس طريقة العصبية التي يتعامل بها جميع المنتمين لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين مع المختلفين معهم في الرأي خرج ما يضمره في قلبه واتهم المتظاهرين في ميدان التحرير بممارسة البلطجة السياسية ووصفهم بأنهم مجموعة من "السوس" وأن ما يسعي إليه هو الاستقرار السياسي وتداول السلطة رغم أنه صنع من نفسه ديكتاتورا جديدا بقراراته، والمثير للتساؤل.. لماذا لم يخرج الرئيس مرسي ليخطب للشعب كله في ميدان التحرير طالما أنه رئيس لكل المصريين كما قال من قبل؟! ولماذا اقتصر علي توجيه الكلمة لأنصاره فقط؟! وإذا كان يخاف من رد الفعل القوي من المتظاهرين الذين رفضوا قراراته الجديدة فلماذا لم يوجه خطابه إلي الشعب من هضبة المقطم حيث مقر المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين.. وأي استقرار يتحدث عنه الرئيس وهناك غلو في الأسعار وازدياد في معدلات الفقر والبطالة فضلا عن الانفلات الأمني في جميع شوارع مصر كلها أسئلة تدور في عقول المصريين جميعا..لكنهم لا يجدون من يعطيهم الإجابات الوافية علي كل ذلك فهم لا يملكون سوي الهتافات في وجه نظام مرسي وأهله وعشيرته علي حد قوله. يسقط.. يسقط حكم المرشد بلا شك فإن جماعة الإخوان تعد القوة السياسية الوحيدة التي جنت ثمار الثورة، فثورة يناير فجرها شباب الطبقة الوسطي وانضمت لها بعد ذلك فئات وشرائح عديدة من المجتمع المصري ثم انقضت عليها جماعة الإخوان المسلمين في النهاية، خاصة أنها شاركت بعد أن جست نبض ما يدور علي الأرض داخل ساحة ميدان التحرير وبعدما استشعرت بأن هذا المخاض الثوري من الممكن أن يتيح لها ويمكنها من فرصة عمرها في الصعود إلي السلطة وبالفعل نجحت فيما فشلت فيه عام 1952 وعام 1954 وعام 1965، فمحاولتها منذ أن أسس حسن البنا عام 1928 وخروجها إلي العمل السياسي عام 1938 مستمرة لكنها باءت بالفشل لأنها لم تجد المناخ الخصب الذي يحقق لها ذلك. وجماعة الإخوان في ثورة يناير استوعبت أخطاءها السابقة وعدلت من مسارها السياسي والدعوي ثم انتهزت الفرصة في الوقت التي كانت فيه القوي السياسية ضعيفة ومهمشة بشكل كبير ولم يجد الشارع المصري بديلا عن الوقوف حول هذا الفصيل الديني حتي ينقذهم من فساد سنوات الخداع التي عاشوها مع مبارك وحاشيته ،فضلا عن نجاحهم التام في التغلغل داخل المؤسسة العسكرية وهو ما ساهم كثيرا في وقوفهم علي أرض صلبة وكالعادة لا تعرف الثورات سيرا مستقيما نحو أهدافها ولا تشق طريقها كما يشق شعاع النور الظلام فهي تتقدم خطوتين لتتراجع خطوة إلي الوراء فتكون قد كسبت خطوة إلي الأمام بينما تبدو للرأي العام وكأنها متراجعة كثيرا وقد يحدث العكس وقد تدور حول نفسها وتبدو متحركة ولكنها عاجزة عن الانتقال خطوة واحدة إلي الأمام، وكما رأينا فإن ثورة يناير عادت إلي ميدان التحرير من جديد خاصة أنه لم يتبق منها سوي تحركات هشة ورقيقة علي السطح من جماعة الإخوان المسلمين التي تمثل نظام الحكم الحالي، وهي تحركات كلها غير ملموسة علي أرض الواقع وسياساتهم تؤكد دائما أنهم يريدون تطبيق الديكتاتورية علي الشعب المصري مقررين السير علي نهجهم رغم الأخطاء التي وقعوا فيها عبر الدفع بأنصارهم إلي الشوارع لتأييد قرارات الرئيس إذا استمر المتظاهرون في المطالبة بإسقاط مرسي ورحيله عن الحكم متوعدين بالويل علي حد قول بعض قيادات الجماعة لكل من يحاول هدم مقرات الإخوان أو حرقها.