ما هو شكل العلاقة بين بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الجديد الأنبا تواضروس الثاني والأقباط ليس فقط في داخل مصر ، وخارجها ، وأيضا علاقته مع الدولة في ظل فترة عصيبة ومنعطف خطير تمر بهما مصر خلال هذه الحقبة الزمنية التي أقل ماتوصف به بأنها "من أعثر الفترات" في تاريخها؟ سؤال بات ملحا في طرح نفسه عقب انتخاب بابا جديد للاقباط في مصر خلفا للبابا شنودة . وفي أول رد فعل علي توليه مهام منصبه أرسلت العديد من المنظمات القبطية المهجرية، وأكثر من 100 شخصية قبطية بالخارج حول العالم، برقيات التهنئة للبابا الجديد، مطالبة إياه في الوقت ذاته بالمزيد من الجهد من أجل مصلحة الشعب القبطي في الداخل والخارج. وقال يسري العزباوي " لقد دعت منظمات أقباط المهجر البابا الجديد إلي فتح ملف القضية القبطية ومطالب الأقباط لحصولهم علي حقوقهم من كافة الجهات الرسمية في مصر". وأضاف أن هذه المطالب تتمثل في الإسراع بإصدار قانون بناء موحد لدور العبادة، وإصدار قانون يجرم التمييز علي أساس الدين في الوظائف العامة وفي شتي أنحاء وظائف الدولة، والقضاء علي كل أشكال التمييز وتحقيق المواطنة الكاملة، وتمثيل الأقباط تمثيلاً سياسيًا متوازنًا ومتناسبًا مع عددهم. ولفت إلي أن هذه المطالب تتضمن أيضا فتح البابا العديد من الملفات الخاصة بأوضاع الكنيسة، والتي تم إهمالها منذ فترة، مثل لائحة 57 الخاصة باختيار البطريرك، وإعادة النظر في تشكيل المجلس الملي العام وببنود الدستور الجديد. وأوضح أن هناك مجموعة من المحددات والعوامل التي سيتوقف عليها مستقبل العلاقة بين البابا تواضروس الثاني ومنظمات أقباط المهجر، منها علي سبيل المثال موقف البابا من تيارات الإسلام السياسي، خاصة أن بعض هذه التيارات مثل الجماعة الإسلامية وحزب النور طالبت البابا الجديد بمواجهة متطرفي أقباط المهجر، ففي الوقت الذي هنأ فيها الدكتور عصام دربالة، رئيس مجلس شوري الجماعة الإسلامية، الكنيسة والأقباط علي تولي بابا جديد للكنيسة، طالبه دربالة، أن يسود عهد البابا الجديد، لغة الحوار الجاد في تناول كل المشكلات التي يعاني منها المسيحيون وكافة أبناء الوطن لإيجاد حلول لها بعيدًا عن أي استقواء بالخارج، وترشيد حالات التطرف المتزايدة في بعض أوساط الشباب المسيحي، وإعادة توجيه بوصلة متطرفي أقباط المهجر إلي الاتجاه الصحيح بعيدًا عن التحريض ضد الوطن، والعمل من أجل وطن تسوده الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وأشار العزباوي إلي أنه في الوقت ذاته، أعرب فيه الدكتور يونس مخيون، عضو الهيئة العليا لحزب النور وعضو الجمعية التأسيسية للدستور، عن تمنياته بأن تكون الكنيسة في عهد البابا الجديد في أحسن حال، وأن يحرص البابا تواضروس علي التعايش السلمي بين الأقباط والمسلمين، وألا يقحم الكنيسة في العمل السياسي ومشاكله ، طالب مخيون بألا تتعامل الكنيسة كأنها دولة داخل دولة أو تتعامل ككيان مواز للدولة، كما تمني مخيون من البابا تواضروس أن يكون له موقف من اقباط المهجر الذين يهاجمون مصر من الخارج. وبشأن العلاقة بين البابا والرئيس محمد مرسي، قال الكاتب إذا كانت العلاقة صراعية أو تعاونية بين الرئيس مرسي وقداسة البابا و، كما كانت العلاقة بين الرئيس السابق مبارك والمتنيح البابا شنودة، ستنعكس بالضرورة علي منظمات أقباط المهجر، والتي بادرت بوقفة احتجاجية ضد الدكتور مرسي أثناء زيارته في الولاياتالمتحدة لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورفض بعض هذه المنظمات حضور الاجتماع الذي نظمته السفارة المصرية للقاء الرئيس بالجالية المصرية بنيويورك. وعن تعامل الدولة مع الحوادث التي يتعرض لها الإقباط في الداخل، قال الكاتب إن البابا الجديد سيكون له موقف واضح وحازم يتماشي مع رغبات هذه المنظمات في الخارج، ومواقف الأقباط في الداخل، مما سيشكل ضغطًا إضافيَا علي البابا الجديد، والذي سيكون مطالبًا، في الوقت ذاته، بالتهدئة والحكمة في التعامل مع كل الأحداث الداخلية قبل المبادرة باتخاذ مواقف قد يترتب عليها مزيد من الاحتقان الطائفي بين عموم المصريين. وأوضح الكاتب أن من بين هذه العوامل أيضا موقف البابا من الإصلاح داخل الكنيسة، حيث تنضم بعض المنظمات المهجرية للمطالب القبطية بالداخل، خاصة مطالب التيار العلماني داخل الكنيسة، بضرورة تعديل لائحة 1957، وانتخاب المجلس الملي من الشعب القبطي، وذلك ليكون له دور حقيقي في الأمور المختلفة داخل الكنيسة، وتوقف الكنيسة عن ممارسة أي أدوار سياسية للتفرغ للعمل الروحي، وإصلاح قانون الأحوال الشخصية ، بالإضافة إلي المقارنات التي ستنشأ دائمًا بين شخص البابا الجديد والبابا المتنيح شنودة، والتي ستشكل عبئا علي تصرفات البابا الجديد. فلا شك في أن هناك العديد من الخصائص والسمات الشخصية المميزة من قوة الشخصية والحكمة ووضع المصلحة الوطنية العليا في الاعتبار لكليهما، ولكن البابا شنودة كان ليس فقط الراعي الروحي والسياسي المحنك ولكنه وصل إلي درجة كبيرة للغاية من الكارزمية التي كانت تجعل الجميع يقف أمامه منصاعًا منفذًا لقراراته بدون محاولة النقاش أو التملص منها. وربما لو تولي البابا تواضروس في سياق آخر أو بعد شخصية غير البابا شنودة، لكانت الأمور بالتأكيد أفضل من الآن. ولفت إلي اللحظة التاريخية الفارقة في عمر الدولة المصرية الجديدة، فالوضع العام الذي يتولي فيه البابا تواضروس، هو - بالفعل - لحظة تاريخية حرجة فارقة في تاريخ الأمة المصرية، حيث تمر الدولة المصرية بظروف مضطربة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وهناك أيضًا تراجع لهيبة الدولة علي المستوي العام. ومن ثم كل هذه الأمور ستشكل عبئًا جديدًا علي نيافته، لأنه مطالب بلعب دور إيجابي في إعادة البناء الثقافي والروحي والمجتمعي جنبًا إلي جنب مع باقي المؤسسات الإسلامية (الأزهر الشريف)، خاصة أن أول موقف سيوضع فيه البابا الجديد علي المحك، هو وضع الأقباط في الدستور الجديد. وأكد الكاتب أن العوامل والمحددات السابقة، ستكون إما عامل قوة وإيجابية أو عامل ضعف وسلبية لنيافته في التعامل مع الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة والتي تحتاج إلي حكمة ربانية وسياسية في التعامل معها، والتي ستنعكس بالضرورة علي علاقته مع المنظمات القبطية في الخارج. وأوضح الكاتب أن هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لشكل العلاقة بين البابا الجديد والمنظمات القبطية المهجرية في الخارج، وهي تتراوح ما بين التعاون إلي الصراع. السيناريو الأول، تحالف وتعاون وتنسيق تام، يكون فيه مبدأ السمع والطاعة هو الأساس، حيث ستسعي أغلب منظمات أقباط المهجر إلي الحفاظ علي علاقات طيبة (روحية وسياسية) وجيدة بنيافته، ومن ثم ستخضع هذه المنظمات لجميع التعليمات والأوامر التي ستصدر إليها من المقرر البابوي بالقاهرة، وسيعطي البابا المزيد من الاهتمام والرعاية بأبنائه في الخارج عمومًا، وهنا ستكون هناك محاولات من النظام الجديد لإقامة علاقات سلمية تعاونية مع البابا تواضروس، وذلك لتجنب فتح المزيد من أبواب الصراع معه، وفي الوقت ذاته سهولة التعامل مع جميع المشاكل القبطية من خلال شخص قداسة البابا، وهو ما كان متحققًا، بالفعل، بين النظام القديم وقداسة البابا شنودة، وهو ما أكدته بعض الشخصيات المهجرية بالقول: "إن أقباط المهجر لم ينشقوا أبدا عن الكنيسة المصرية وإنهم كانوا تحت سمع وطاعة البابا شنودة في كل قراراته". السيناريو الثاني، وهو سيناريو الصراع، وإن كان هذا السيناريو مستبعدَا تمامًا، إلا أن هناك احتمالية لحدوثه في حالة عدم تبني البابا المطالب الإصلاحية الداخلية والخارجية في الأمور الكنسية، فضلاً عن ضرورة اتخاذه مواقف أكثر تشددًا تجاه الدولة لحصول الأقباط علي حقوقهم من الدولة المصرية، خاصة أن ثورة 25 يناير لم تأت بنتيجة إيجابية، حتي هذه اللحظات، من وجهة نظرهم، فلم يراع تمثيل الأقباط في تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، ولم يتول قبطي منصب المحافظ أوحتي رئاسة أي جامعة مصرية حتي الآن، وأن نسبة الأقباط في مؤسسات الرئاسة غير مقبولة هي الأخري، ولم يتم إقرار قانون دور العبادة الموحد. وفي هذا السيناريو يجب التأكيد علي أن هناك خطأ الاعتقاد بأن أقباط المهجر كتلة سياسية متجانسة، إذ يكشف الباحث المتعمق في هذه الظاهرة أنهم علي عكس الاعتقاد السائد تمامًا، فهم خليط من اتجاهات سياسية تحتوي في بعض جوانبها خطابًا معتدلاً وفي جوانب أخري خطابا أكثر تشددًا لرؤيتهم للوطن الأم ومواقفهم من هموم ومشكلات أقباط الداخل، أوعلاقتهم بالنظام الحاكم ورؤيتهم لإيجاد حلول قاطعة وجذرية لكل مشاكل الوطن والمواطن المصري. أما السيناريو الثالث، فهو سيناريو وسط يقع بين السيناريوهين السابقين، وهو الأقرب إلي الواقع، حيث يسود فيه حالات الشد والجذب بين الطرفين، وسيعطي فيه البابا رعاية خاصة لمنظمات أقباط المهجر وللأقباط عمومًا في المهجر، بفتح المزيد من الكنائس ودور الرعاية في الخارج، وسيحاول فيه احكام سيطرته علي تلك المنظمات، والتي يرفض الكثير من أعضائها أن يلعب البابا الجديد دورًا سياسيًا في شئون الحياة العامة، لأنه مطالب بالتركيز علي الأمور الروحية فقط، خاصة أن مسألة التقوقع داخل الكنسية لم تجد في تحقق مطالب الأقباط، وجعلته مأخذًا عليهم، ولهذه خرج عموم الأقباط، وما زالوا، من عباءة الكنيسة إلي المجال العام والانضمام إلي الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. ولفت إلي أن السيناريوهات الثلاثة، لا يمكن الفصل بينها، لأنها تقع علي خط مستقيم واحد، ولن يحدث أحدهما إلا بعد المرور بالاثنين الآخرين، وبعد أن تتضح الرؤية الكلية لقداسة البابا تواضروس، ومنهجه، في التعامل مع الكثير من الأمور المطروحة داخليًا وخارجيًا، ولكن الأمر المؤكد، ولا لبس فيه، هو أن البابا الجديد سيحاول دومًا جعل جميع الأبواب مفتوحة أمام الجميع، سواء أكان الأقباط في الداخل أو في الخارج لأنهم من المصادر الرئيسية للتبرعات للكنسية، وأبنائه، كما أنهم الامتداد الطبيعي بالخارج، ليس فقط لمصر، ولكن للكنيسة أيضًا، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، سيحافظ البابا الجديد علي شعرة معاوية مع النظام السياسي الجديد في مصر حتي ولو اعتلاه أكثر التيارات الدينية تشددًا، لأنه من مصلحة جميع الأطراف. وأخيرًا، أنه من المؤكد أنه سيكون هناك تعاون وثيق بين البابا الجديد وفضيلة الإمام الأكبر، والذي سيأخذ منحي مؤسسياً ذا فاعلية أكثر، ونقصد هنا تفعيل مبادرة "بيت العائلة"، للوصول إلي وفاق وطني حقيقي ورؤية مؤسسية موحدة لمستقبل هذا البلد.