على غرار كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، حظرت الحكومة البريطانية "حزب الله" اللبناني في المملكة المتحدة، وصنفته ضمن المنظمات الإرهابية، حيث أعلن وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد، أن الحزب مستمر في محاولاته لزعزعة استقرار الوضع الهش بالشرق الأوسط، ولم تعد الحكومة قادرة على التفريق بين جناحه العسكري المحظور بالفعل والحزب السياسي. وجاء هذا القرار البريطاني على خلفية موجة من الغضب أثارها رفع أعلام هذا التنظيم في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين نظمت في لندن، وأصبحت بذلك عقوبة الانتماء إلى "حزب الله" أو الترويج له تصل إلى السجن 10 سنوات. وتظل الضربة القاصمة لمليشيا "حزب الله" إقرار البرلمان البريطاني لهذا القرار، ما سيزيح الستار عن أموال ومؤسسات الحزب، وتقييد الحركة المالية الخاصة بغسل الأموال والتبييض لعناصره، حيث سيلتزم المتعاملون مع حزب الله في أوروبا ماليًا واقتصاديًا بعدم استكمال هذا التعاون، حفاظًا على مصالحهم الكبرى في بريطانيا والدول الأوروبية. وأحدث القرار البريطانى بتصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية ردود فعل واسعة، لما له من تبعات قد تعيد ترسيم الخرائط السياسية بعدد من المناطق التى يتمتع فيها الحزب بنفوذ كبير وفي مقدمتها "لبنان"، حيث إن القرار يهدف لتشديد الضغوط على ممولتها إيران، المتورطة في دعم الميليشيات المسلحة المزعزعة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط. وقالت صحيفة "ذا جويش كرونيكال" البريطانية، إن تصنيف لندن للجناح السياسي لمليشيا حزب الله "إرهابيًا" سيحرمه من موارده المالية، وسيكون لهذا القرار أثرا واضحا على شوارع بريطانيا. وأضافت الصحيفة البريطانية، أنه لن يسمح برفع أعلام المليشيا خلال أحداث مثل مسيرات يوم القدس السنوية في لندن (تقام في الجمعة الأخيرة كل رمضان)، كما سيكون له أيضًا تأثير طويل المدى وأكثر عمقًا على محاولات عزل المليشيا وتقليص جهودها الحثيثة لجمع الأموال. وأشارت الصحيفة إلى أن المصدر الرئيسي للدعم المالي الذي تتحصل عليه مليشيا حزب الله كان دائما مصدره النظام الإيراني، لكن تقلص هذا التمويل بمقدار النصف على الأقل عام 2018 بسبب العقوبات الأمريكية ضد طهران والأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد. ويأتي ذلك في وقت تعاظمت فيه الاحتياجات المالية لحزب الله، خاصة مع الخسائر الفادحة التي تكبدها نتيجة القتال في سوريا، التي يقدرها البعض بنحو 2000 قتيل و9 آلاف مصاب خلال السنوات ال 8 الماضية. وأوضحت الصحيفة أن حزب الله يجمع أموالًا من جميع أنحاء العالم، وتأتي في أشكال متنوعة ما بين تبرعات من الجماعات الطائفية وتهريب المخدرات وغسل الأموال، لافتة إلى أن قرار وزارة الداخلية البريطانية يمكنه مساعدة حكومات الدول الغربية في محاولاتهم لرصد ووقف المعاملات المالية التي تُجرى عبر حسابات تسيطر عليها مليشيا التنظيم. وذكر موقع "فورين بريف" الأسترالي، أنه مع تفعيل هذا الحظر ستجرم المملكة المتحدة الأنشطة السياسية المرتبطة بمليشيا حزب الله، وستتم إضافتها إلى قائمة المنظمات المحظورة، فضلًا عن أن الانضمام لصفوفها ستصل عقوبته إلى قضاء عقد زمني في السجن. وأشار الموقع إلى أن الدافع وراء هذه الخطوة هو مخاوف عالمية، جزئيًا من الولاياتالمتحدة، بشأن تزايد قوة تأثير المليشيا على المشهد السياسي اللبناني. ولفت الموقع إلى أن بريطانيا حظرت الجناح العسكري لحزب الله في 2008، لكن مؤيدي فرض حظر أقوى، مثل وزير الداخلية ساجد جاويد يدفعون بأنه أمرا ضروريا. وقالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله، إن مشروع القرار البريطاني الذي يتبنى وضع الجناح السياسى ل"حزب الله" على لائحة الإرهاب، يمكث على مكتب رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، على الأقل منذ عدة أشهر، مشيرة إلى أن ساجد جاويد وزير الداخلية في حكومة ماي وتيار اليمين دعموا إحالة القرار بشكل سريع إلى مجلس العموم البريطاني. وأضافت الصحيفة اللبنانية، أن هناك ساجيد جافيد، النائب في البرلمان عن حزب المحافظين الحاكم، واحد من أبرز وجوه اللوبي الإسرائيلي البريطاني المعروف باسم أصدقاء إسرائيل المحافظون (CFI)، مشيرة إلى أنه يفضل خدمة مصلحة إسرائيل على السياسة الخارجية البريطانية، على مستوى العداء التام لحزب الله وسورياوإيران، كما أنه لاعب مهم أيضًا في السياسة الداخلية. ومن جانبه عبر وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، عن الموقف البريطانى إزاء لبنان عقب القرار، مؤكدًا أن قرار تصنيف الحزب بالكامل منظمة إرهابية لن يغير موقف بريطانيا من دعم لبنان ولا علاقة له بالشعب اللبناني. وقال رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في تصريحات صحفية، إن القرار يخص الحكومة البريطانية، وأن الحكومة في لبنان غير معنية بالأمر، وأن ما يهمه أن لا تتأثر العلاقة بين الحكومتين، وأن ينظروا للبنان كبلد وشعب فقط، وأن المهم بالنسبة له أن تبقى العلاقات جيدة مع الجميع. وأكد الدكتور عمار حوري، مستشار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أن قرار بريطانيا بحظر حزب الله اللبناني على أراضيها يجسد توجهًا دوليًا ضد أنشطة عناصره الساعية إلى زعزعة استقرار الأوضاع ليس في المنطقة فحسب ولكن في جميع أنحاء العالم عبر التورط في أعمال إرهابية. وقال حوري، إن هذا الحظر البريطاني يأتي اتساقًا مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران التي وصلت لذروتها في نوفمبر الماضي، وعلى أذرعها في المنطقة وحزب الله أحد أهم وأخطر هذه الأذرع. وتحدث حوري عن موقف الدولة اللبنانية من ملف "حزب الله"، موضحًا أن علاقتها مع المجتمع الدولي واضحة وأنه يعرف جيدًا كيفية الفصل بين الحكومة والدولة اللبنانية من جهة وحزب الله من جهة أخرى، والدليل مؤتمر "سيدر" الذي أقر بتقديم مساعدات مالية للبنان تقدر ب12 مليار دولار. وأضاف مستشار الحريري: "الدعم واضح من المجتمع الدولي للبنان، وحكومة بيروت لا تعد نفسها طرفًا في العقوبات العسكرية والاقتصادية على حزب الله، والدليل لقاء الرئيس الحريري في شرم الشيخ مع رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي". بينما رفض وزير الخارجية اللبنانى جبران باسيل، القرار البريطانى الخاص بحظر أنشطة حزب الله، مشددًا على أن الفصيل اللبنانى هو تنظيم مقاوِم وليس جماعة إرهابية. وأضاف الوزير المنتمي إلى "التيار الوطنى الحر"، المتحالف مع حزب الله في حكومة سعد الحريري، أن لبنان تبلغ من مسئولين بريطانيين بينهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، أنهم يرغبون ألا يكون لهذا الأمر تأثيرا مباشرا على العلاقة الثنائية بين لبنانوبريطانيا. ومن جانبها، أكدت سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في بيروت إليزابيث ريتشارد، أن واشنطن قلقة من الدور المتزايد لجماعة "حزب الله" في لبنان، قائلة إن هذه الجماعة تواصل اتخاذ القرارات الأمنية الوطنية الخاصة بها والتي تعرض باقي البلاد للخطر، وتواصل خرق سياسة "النأي بالنفس" التي تنتهجها الحكومة من خلال المشاركة في صراع مسلح فيما لا يقل عن 3 دول. وهذا ليس الموقف الأمريكي الأول تجاه الحكومة اللبنانية، حيث أطلق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، موقفًا لافتًا تجاه لبنان، منتقدًا أنشطة "حزب الله"، وقبله كانت الإدارة الأمريكية تحذر من حصول "حزب الله" على وزارة الصحة فى الحكومة الأخيرة، لما تمثله من وزارة أساسية تصل إليها الكثير من المساعدات الأمريكية. وكان هناك خشية في واشنطن من أن يحول حزب الله تلك الوزارة لصالح منفعة خاصة بجمهوره ومناصريه، في ظل تشدد خناق العقوبات عليه، وبالتالي قد يلجأ إلى تفعيل المساعدات المرضية لصالح مناصريه ومقاتليه في ظل غياب الدعم المالي عنه. وأشاد بومبيو، بالقرار البريطانى، واعتبر في تغريدة عبر حسابه الرسمى على "تويتر"، أن هذه الجماعة الإرهابية التى ترعاها إيران أيديها ملطخة بدماء الأمريكيين، وتواصل التخطيط لشن هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا وحول العالم. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وقّع قانونًا في أكتوبر الماضي، أقره الكونجرس، يفرض عقوبات إضافية على حزب الله. كما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تصنيف 4 أشخاص على قائمة الإرهاب لعلاقتهم ب "حزب الله" في العراق، بهدف وقف محاولات التنظيم السرية لاستغلال العراق في غسل الأموال، وشراء الأسلحة، وتدريب المقاتلين، وجمع المعلومات الاستخباراتية لإيران. وتعد الأزمة الحقيقية أن العقوبات البريطانية التي لن تقل عن نظيرتها الأمريكية سيكون لها تأثيرا واضحا وقويا، إذ سيدفع ثمنها المتعاونون مع حزب الله في الخارج، بحسب ما أكد عليه بشارة خير الله، مستشار الرئيس اللبناني السابق العماد ميشال سليمان. وأكد بشارة، أن الحظر سيقيد حركة حزب الله الإرهابي في الخارج، خصوصًا أن هناك من يتعاونون معه في أوروبا ماليًا واقتصاديًا، وسيضطرون إلى الامتناع عن العمل معه حفاظًا على مصالحهم الكبرى المالية والاقتصادية. وتحاول الحكومة اللبنانية، أن تتعايش مع مثل هذه القرارات، وتعلم أنها منذ تشكيلها، ذاهبة إلى أوضاع صعبة في ظل وجود حزب الله ممثلاً بعدد من الوزراء. وفي سياق ردود الفعل المصادقة على قرار "حزب الله" منظمة إرهابية، رحبت المملكة العربية السعودية بتصنيف ميليشيات حزب الله اللبنانية الموالية لإيران كمنظمة إرهابية، بجناحيها السياسي والعسكري. وقال المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة، إن المملكة العربية السعودية ترحب بتصنيف ميليشيات ما يسمى بحزب الله كمنظمة إرهابية بجناحيها السياسي والعسكري، كما يعد هذا القرار الصادر من المملكة المتحدة خطوة مهمة في جهود مكافحة الإرهاب وتمويله على الصعيدين الإقليمي والدولي، لما يمثله هذا الحزب من مخاطر حقيقية وتهديدات واضحة على الأمن والسلم الدوليين. وأعربت السعودية عن تقديرها لجهود المملكة المتحدة في اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي، الذي يعكس حرصها الشديد على محاربة الإرهاب بكل أشكاله والتصدي للجماعات الإرهابية والأيدولوجيات المتطرفة. وحثت المملكة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ذات العلاقة باتخاذ مثل هذه الخطوة، وتكثيف التعاون المتبادل وتعزيز التنسيق المشترك بما يكفل القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله وأنواعه. كما رحبت مملكة البحرين أيضًا بقرار المملكة المتحدة، وقالت وزارة خارجيتها إنها تعرب عن تقديرها للجهود الكبيرة والقرارات الاستراتيجية التي تتخذها المملكة المتحدة والتي تعكس حرصها الشديد على محاربة الإرهاب. وجددت وزارة الخارجية موقف مملكة البحرين الثابت الرافض للإرهاب مهما كانت دوافعه ومبرراته والذي يؤكد على ضرورة العمل المشترك وتضافر كافة الجهود الهادفة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي تزعزع الأمن والسلم.