بدأ الشاعر أحمد فضل شبلول في بداية رحلته الشعرية على أنه شاعر يتغنى بمدينته البحرية ذات الألق والتوهج الحضاري والتاريخي، وهو يتأمل بحرها، ويسير على كورنيشها، ويسرح بخياله مع سحرها الذي يأخذه إلى عوالم صوفية رحبة يبدع من خلالها "صوفية الإسكندرية".. قصيدته التي أودعها في ديوانه الأول ذي المنحى الروحي "مسافر إلى الله" الذي صدر عام 1980، لكنه أخذ بنصيحة أستاذه الناقد الدكتور محمد زكريا عناني الذي قال له في إحدى الندوات: لقد بدأتَ من حيث ينتهي الشعراء عندما يتقدم بهم السن، فأين فورة الشباب في هذا الشعر، وتجاربهم وعراكهم مع الحياة؟ فكَّر شبلول كثيراً في مقولة عناني وخاصة بعد التحاقه بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث كان يلتقي أستاذه فيتحاوران ويتبادلان الكتب. ولظرف ما لم يكمل الشاعر دراسته في هذا القسم بعد أن قبل أوراقه الدكتور محمد مصطفى هدارة رئيس القسم آنذاك وشجعه على المضي في هذا الطريق حتى يحصل على الماجستير والدكتوراه. ولكنه لم يفعل وفضَّل أن يعيش مع أرقامه وعوالمه الجديدة إلى أن كتب قصيدة "شيخوخة الأرقام". أسوق هذه المقدمة بعد أن قرأت قصائد أحدث دواوينه "زوايا من بقايا شمعتك" الذي صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لأجدها تتعلق بموقف الشاعر من عصر العولمة وذاكرة الإنترنت، مع باقة من القصائد العاطفية التي لا تنفصل عن هذه القضايا الجديدة، ومنها هذه القصيدة التي يقول فيها: وتدخل الحياة في تجارب الجنون.. وتُسرق الخلايا.. وتعكس المرايا.. شيخوخة الأرقام.. هل آن للحاسوب.. أن يبرمج المشاعر.. ويفتح القلوبَ للأحلام.. ويفهم الأيام والبصائر؟ ولأنهما يشتركان فى أوجه كثيرة، نجد الشاعر أحمد سويلم يتوقف أمام عالم الأرقام ودلالتها في شعر شبلول في بحثه الذى ألقاه في احتفالية تكريم هيئة قصور الثقافة لشبلول بعد حصوله على جائزة الدولة التشجيعية، وكان ذلك في حضور رئيسها آنذاك الدكتور أحمد مجاهد. وهذه التجارب الرقمية والذاكرة العنكبوتية والعوالم الافتراضية التي حلق فيها الشاعر تقوده في عام 2005 إلى المشاركة في تأسيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب مع مجموعة من الكتاب والأدباء المصريين والعرب، ويصبح نائباً لرئيس هذا الاتحاد الذي تم اعتماد مقره في العاصمة الأردنية عمَّان، وتقوده إلى تولي رئاسة لجنة الإنترنت في اتحاد كتاب مصر عندما كان عضواً في مجلس إدارته منذ عام 2001 وحتى استقالته في عام 2010 لينضم إلى أسرة مجلة "العربي" العريقة، مؤكداً جدية ارتباطه بالعمل الصحفي الثقافي الذي بدأ أولى خطواته فيه عندما اختير لرئاسة تحرير مجلة "فاروس" في الإسكندرية، وقد كنت اتابع جهود تلك الجماعة الأدبية والفنية التي تشكلت في الثغر الحبيب مع مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم وألمس مدى حرصها على إثبات الذات، ولا زلت أتذكر تلك البدايات البكر التي بدأها شبلول معي على صفحات مجلة "الجديد" التي كان يرأس تحريرها أستاذي الراحل الدكتور رشاد رشدي في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. ونعود إلى هذا الديوان الذي سبقه عشرة دواوين لنؤكد أن شبلول يطور دائماً من أدواته ورؤاه الشعرية ويتفاعل مع القضايا المجتمعية والثقافية والعلمية الجديدة، أما عن عنوان الديوان فكما نراه عنواناً عاطفياً يستوحيه الشاعر من قوله في إحدى قصائده: تلك الصباحات.. التي أمست هنا.. كانت زوايا من بقايا شمعتك.