امرأة من ذهب تمتلك جاذبية وذكاء حاد فاستطاعت ان تضحك على الامريكان وتخدع جنرالاتهم .. هكذا يرى الروس فى جاسوستهم البارعة الروسية ماريا بوتينا التى تفننت فى استخدام كبار رجال الدولة فى واشنطن لتمويل موسكو، بل وتمكنت من استمالة أكبر شخصية اقتصادية فى الولاياتالمتحدة، تلك الجاسوسة الذهبية التى ردّت صفعة الثمانينات للغرب الأمريكى. إلا أن الإيقاع بماريا بوتينا أعاد إلى الأذهان قصة انهيار الاتحاد السوفيتى منذ أكثر من 40 عامًا! ففى مطلع الثمانينات تطوع ضابط برتبة كولونيل فى جهاز الاستخبارات الروسية "الكى جى بى"، يُدعى فلاديمير فيتروف "فيرويل"، عارضًا خدماته على الأجهزة الأمنية فى الغرب لخيانة الاتحاد السوفيتى انتقامًا من بلاده التى أنهت حياته كضابط مخابرات. وتواصل الجاسوس الروسى فيرويت فى البداية مع رئيس الاستخبارات الفرنسية آنذاك مارسيل شاليه، وقدم له فى أول لقاء قائمة بأسماء العملاء الروس ممن جندهم داخل فرنسا بنفسه، وهى القائمة التى أصابت شاليه بالذهول والصمت، ووعده بالمزيد، واستمر الحال هكذا لأسابيع. تزامن الأمر مع انعقاد قمة السبع، وحينها أبلغ الرئيس الفرنسى الجديد حينذاك ميتران، والذى أبلغ بدوره الرئيس الأمريكى رونالد ريجان أثناء انعقاد القمة التى جمعت بين الرئيسين الفرنسى والأمريكى لأول مرة فى ذلك الوقت. الاختراق الكبير الحقيقة أن ريجان لم يقتنع بما عرضه عليه الرئيس الفرنسى ميتران من معلومات حصل عليها عبر الجاسوس الروسى فيتروف فى البداية، ولكى يزيد من خطورة الموقف، أخبر ميتران الرئيس ريجان بأن السوفييت يعلمون كل شىء تقريباً عن أسرار (العالم الحر) تتعلق خصوصاً بخطط المكوك الفضائى كولومبيا وبشبكة الرادارات الجوية على الأراضى الأمريكية، بل إن السوفييت يعلمون طبيعة النظام الأمنى للبيت الأبيض. وهنا.. بدا ريجان وقد أصيب بالصدمة بالفعل، أما ميتران فقد حقق كسباً سياسياً مهماً على صعيد العلاقات مع أمريكا، لكن الحقيقة أن هذا الأمر كان السلسلة الأولى فى قضية الجاسوس الروسى فلاديمير فيرويت أو "فيرويل"، التى ساهمت خلال أشهر عدة فى تفكيك ال"KGB"، وهدم أركان المعسكر الشرقى "السوفييتى". كل ذلك جنته روسيا بسبب رجل واحد هدفه الثأر. عقارب الساعة الى الوراء وتصاعدت الأحداث، وفى عام 1983 طُرد 47 جاسوساً سوفييتياً من فرنسا بعد أن كان فيتروف قدم أسماءهم للسلطات الفرنسية، كما طرد أكثر من 200 عميل سوفييتى من الولاياتالمتحدة، وكذلك الحال فى دول غربية عدة، وهو ما اعتبره الاتحاد السوفييتى بمثابة الضربة العنيفة لجهاز المخابرات ال"KGB"، الذى بدا فجأة كمن يسير على غير هدى، بالإضافة إلى ذلك بدأ رونالد ريجان يضيق الخناق على الاتحاد السوفييتى لأنه بات على علم بالمؤامرات التى يحيكها أعداؤه. أما الدولة السوفييتية فقد بدت ضعيفة، لأنها قضت جل وقتها تتجسس على العالم بأسره على حساب اقتصادها الهش الذى أنهكته النفقات العسكرية الباهظة، وهكذا يمكن القول إن فيتروف كان على حق، وإن الحرب الباردة كانت جزءاً من لعبة كاذبة خسرها الاتحاد السوفييتى. رد الصفعة يبدو أن الروس استوعبوا درس الثمانينات على نحو أفضل، وكما كشفت الأشهر الأخيرة عن الجاسوس الروسى سيرجى سكريبال الذى كان له بالتأكيد دور مماثل لدور فلاديمير فيرويت فى الثمانينات فإنها كشفت أيضًا عن الجاسوسة الروسية الذهبية ماريا بوتينا، التى تمكنت من تجنيد كبار رجال الدولة فى واشنطن لتمويل بلدها روسيا، بل وتمكنت أيضًا من استمالة أكبر شخصية اقتصادية فى الولاياتالمتحدة. فلم تقتصر مهمة العميلة الروسية الأشهر فى الأيام الأخيرة على تجنيد نصف من يعمل فى مؤسسة "الاتحاد القومى للأسلحة" فقط، بل إنها حاولت أيضًا تحريض أحد أكبر رجال الأعمال فى الولاياتالمتحدة على زيادة استثماراته فى بنوك موسكو، التى تواجه حاليًا إفلاسًا ماليًا. وتوجه الولاياتالمتحدة اتهامات للروسية ماريا بوتينا، 29 عامًا، بالتآمر للعمل كجاسوسة للحكومة الروسية عبر التسلل إلى مجموعات سياسية، ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، فقد طورت بوتينا علاقات مع الحزب الجمهورى وأصبحت محامية مدافعة عن حق امتلاك السلاح. وتشير التقارير إلى أن ماريا كانت تقوم بهذا النشاط بناء على توجيهات من مسؤول رفيع المستوى فى الكرملين. وقال محامى بوتينا، روبرت دريسكول إن موكلته ليست عميلة، بل مجرد طالبة علاقات دولية تسعى إلى الاستفادة من شهادتها فى مجال الأعمال التجارية، معتبرًا أن الاتهامات "مبالغ فيها"، ولم يكن هناك مؤشر على أن بوتينا تسعى للتأثير على أية سياسة أو قانون محدد أو الولاياتالمتحدة أو تقويضها، وأن موكلته تعاونت مع مختلف الجهات الحكومية لعدة أشهر حول هذه المزاعم. وجاء الاعتقال أيضا بعد أيام من اتهام وزارة العدل ل12 من ضباط المخابرات العسكرية الروسية بقرصنة البريد الإلكترونى لعدد من مسؤولى الحزب الديمقراطى خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2016، ومع ذلك لا تتعلق قضية ماريا بقضية التدخل فى الانتخابات الرئاسية التى يحقق فيها موللر. ووفقًا لمعلومات وتفاصيل أوردتها صحيفة "ديلى بيست" الأمريكية نقلاً عن مصادر وصفتها بالخاصة والمقربة فإن الجاسوسة الروسية بوتينا لم تكن تستهدف كبار رجال السياسة للعمل فى خدمة دولتها فحسب، ولكنها أيضًا كانت متحمسة لجذب شخصيات اقتصادية عالمية. بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن بوتينا أكدت أنها بريئة من التهم الموجهة إليها كعميلة سرية للكرملين الروسى، والتسلل إلى الاتحاد القومى للأسلحة، والسياسيين الأمريكيين المحافظين، عن طريق ممارسة الجنس. وتؤكد المسؤولة السابقة فى وزارة الدفاع الأمريكية، إيفيلن فركاس، أن الجاسوسة الروسية لديها أجندة خاصة، تنفذها لصالح الكرملين الروسى، مضيفة أنه ليس من الغريب أن تحاول السيطرة على بعض الساسة، إلا أن الأمر مختلف معها هذه المرة، حيث تسعى لجذب الاستثمارات الأمريكية إلى روسيا. بدأت القصة فى يونيو 2008، مع رجل الأعمال الأمريكى الأسطورى، موريس هانك جرينبرج، رئيس مجلس الإدارة السابق للبنك الاحتياطى الفيدرالى بولاية نيويورك، فقد استثمر رجل الأعمال الأمريكى فى روسيا، بعدما اشترى 20% من البنك الروسى "إينفيستورج بانك". وأبلغ البنك الروسى أن جرينبرج دفع ما يقرب من 100 مليون دولار لنيل حصته فى البنك. وبحلول أغسطس 2009، استثمر الأمريكى هانك بمبلغ إضافى وصل إلى 8 مليون دولار، وفقًا لما ذكرته محكمة أمريكية فى نيويورك، وقد عبر رئيس مجلس إدارة بنك "إنفيسورج بانك"، فلاديمير جودكوف، عن سعادته باستثمار رجل الأعمال الأمريكى الشهير فى مصرفه، مشيرًا إلى أنه يشعر بالفخر بوجود "جرينبيرج" ضمن فريقه وتشير صحيفة "ديلى بيست" إلى أن رجل الأعمال الشهير جرينبرج، كان المصدر الرئيسى لتمويل مركز "ناشونال إنترست"، الذى يميل أعضاؤه وأشهرهم الرئيس الشرفى، هنرى كسنجر إلى التعاون مع روسيا، وتوسيع تلك الرقعة، مشيرة إلى أن المسؤول الأمريكى السابق التقى بالرئيس الروسى أكثر من 17 مرة. ووصلت إيرادات مركز "ناشونال إنترست"، منذ السنة المالية فى 2012 إلى 2015، 11.6 مليون دولار أمريكى، بمساهمة فى الإيرادات من قبل "جرينبرج" بقيمة 5.6 مليون دولار. مصادر قريبة من الجاسوسة الروسية بوتينا، أوضحت أنها تقربت إلى رجل الأعمال الأمريكى، وطلبت منه الإنفاق على المصرف الروسى المنهار "إينفيستورج بانك". ولا تعلم تلك المصادر إن كانت تعمل بمفردها أو مع مجموعة كبيرة، مؤكدين أنها كانت تحمل بطاقة هوية لموظفة فى البنك المركزى الأمريكى، ما زاد من حالة الغموض حولها.