قال الدكتور محمد مأمون ليله، البحاث الإسلامي، إن هناك آداب يجب على المريد أن يلتزم بها بين يدي شيخه، قائلًا: استقر بين الناس مراعاة الأدب، وأجمع أهل الطريق على وجوبه كأدب، وأخص الآداب وأهمها للسالك، مراعاة أدب المريد مع شيخه؛ لأنه منبع الفتح، وسر الطريق، وهذه بعض الخواطر التي جرتْ فيها سفينة خواطري على بحر كتاب الأداب المرضية لسالك طريق الصوفية للإمام محمد بن أحمد المستغانمي، فاقتبست منه أصول الفوائد ثم زدت، وكتبت ما أتى واختصرت كما رأيت وسمعت. وذكر أن لذلك فوائد تتمثل في: 1- لا تقدم على شيخك في بدايتك إلا بهدية، حتى تستقر المحبة فيستوي المنع مع العطية. 2- كيف تجلس مع شيخك؟ تجلس أمامه مباشرة إذا سمح المجلس، فإن جبريل - عليه السلام- جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، والشيخ قبلة مريده! وإن استطعت أن تنظر بعينك إلى عينيه، وقلبك إلى قلبه؛ فافعل، فإنك تتعلم من لحظه كما تتعلم من أدبه! وإياك ونصب عينيك إليه كثيرا، فإنه يخشى على قلبك أن يسلب منه تعظيمه، وشيخك كالشمس، هل تستطيع أن تنظر إليه طويلا؟! 3- ألق علمك خلفك عند دخولك على شيخك، ولا تجادله حتى لا يتغير قلبه عليك، ولا تتكلم إلا بإذن أو ضرورة بعد الاستئذان. ولا تتعجل عند شيخك، فلعله يخبأ ما تعرفه في آخر المجلس؛ ليؤدبك " {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37]. 4- اجلس مع شيخك كما يجلس الرعية مع الملوك، فكما يمدك الملك بالعطاء، يمدك شيخك بعطاء فوق هذا العطاء، وإن لم تكن تدري! 5- لا تلتفت عند شيخك؛ لئلا يتوهم إعراضك عنه فيتغير، واعلم أن العلم كما ينقل باللسان، ينقل بالعين وبالجنان! 6- لا تتقدم أمام شيخك في المشي بل تأخر؛ فإنه إمامك وأنت المأموم، وقد سار قبلك في الطريق وخبره. وقد كنت في سفر مرة مع أحد شيوخي وانا صغير، وجلسنا في استراحة ما، فلما أردنا الانصراف، تأخرت حتى مرّ أمامي، ولم يأخذ شيخي باله من هذا الفعل، فناداني أحد الجالسين فرحا بهذا التصرف، فلما أخبرت شيخي تعجب، وقال سبحان الله! 7- إنك إذا نظرت الكمال في كل شخص، بل في كل شيء؛ استمددتَ منه وتعلمت؛ ولهذا ذكر أهل الله أن الطريق مبني على عدم رؤية ذاتك، وهذا صعب، ولكنه يأتي بالمجاهدة. 8- لا ترفع صوتك بين يدي شيخك حتى لا تزعجه، وارفق في كلامك معه؛ فإنك أنت به وهو بابك الذي منه تعبر، وإذا كان الله تعالى قد أمر سيدنا موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أن يلين بالقول مع عدوه، فكيف لا ترفق بشيخك؟ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [الحجرات: 1]. {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43، 44]. 9- لا ترى نفسك أهلا للتقدم في شيء، وإذا قدموك ورأيتَ أن غيرك يسد المكان، فقدمه واهرب بقلبك إذا خفتَ عليه الرياء. وإني أعرف شخصا قدموه في مسجد في التراويح مع وجود إمام متقن، فأبى وما عاد بعد إلى هذا المسجد! 10- إذا أمرك شيخك بالتقدم في شيء كصلاة فتقدم، ثم ادع له في الصلاة وبعدها تعفف. وإياك والتقدم بدون إذن؛ لأنك حينئذ ساويته، ولا يجتمع في الطريق شيخان! 11- حافظ على شيخك كما تحافظ على نفسك بل أكثر، فإن سقوطه سقوطك. وقد تترك بعض آدابك معه في حضرة غريب، حتى لا يسيئ الظن في شيخك فيقول عنه (مغرور)؛ لما يشاهده من الأحوال وغرئب الأمور! 12- لا تجلس على بساط شيخك أو في مجلسه إلا إذا أمرك، حتى لا تحزن أرواحا لعلها تضجر بفعلك، ولعل الناس يسيئون فيك الظنونا، أو يجترئوا على شيخك فاحفظه أكن لك ممنونا! 13- إن أهل الله تأدبوا مع الشيوخ في الظاهر والباطن؛ لأنهم يعلمون أن القلوب إذا صفت رأتْ، فباطن المريد مرآة يراها الشيخ الصادق، وهكذا الحب! 14- إذا أمرك الشيخ بشيئ، فاجمع نظرك الشرعي عليه واستفت قلبك الصادق، وإلا فاعمل بقول شيخك العالم العامل فإنه مصباحك! 15- لو لم يكن في مصاحبتك للشيخ إلا بعدك عن مخالطة الظالمين؛ لكفت هذه النعمة؛ فإن المرء يحشر مع من أحب! 16- من حياء المريد أن لا يأكل أمام شيخه، حتى لا يزعجه بمضغه وطريقة أكله، والأولى له أن لا يفعل حتى يأمره الشيخ، أو يرى عدم كراهته لذلك مع حفظ الأدب! وإن المريد الصادق ليشعر بري الشيخ في قلبه عندما يشرب، وبشبعه عندما يأكل، كما تشعر الأم الحنون مع وليدها. 17- طريقنا مبني على الحب، والحب يستلزم الأدب، فمن لا أدب له، لا طريق له! 18- لا تنم مع شيخك في غرفة واحدة أو على سرير، حتى لا تؤذيه بما يخرج منك أو بسعالك، ولينم وإنسان عينه (قرير). واعلم أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وهفوات المحب ذنب يستعبد ويرقّ! 19- كلما علوت بخلقك؛ على مقامك وقدرك، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] 20- لا تطرق باب شيخك إلا عند الاضطرار، وقابله برفق أمام الدار، فلعله نائم أو متعب أيها الإنسان، {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الحجرات: 5]. 21- لا تجلس أمام باب بيت الشيخ حتى لا ترى حرماته، وولّ ظهرك واحفظ سمعك وبصرك وأعضائك! 22- تَغيُّر قلب الشيخ عليك يحتاج لتوبة؛ فلعلك أخطأت فامح ذنبك بتوبة! 23- لا تدخل دار الشيخ إلا بإذن، واعلمه إذا كان معك أحد وهو مخير بالإذن. 24- دخول بيت شيخك يحتاج إلى حضور، فاتق الله تعالى يرزقك الأدب الجسور! 25- عالج قلبك إذا تطلع إلى متاع الشيخ، ولا تأخذ منه شيئا إلا إذا أعطاك وألحّ، فلعله يعطيك ليربيك، أو يرفع عنك ما يؤذيك! ولا تتسرع بأخذ ما يريده لك الشيخ، لعله يختبر طمعك ويريد ان يرى الزهد، واعلم أنك مقيد بتعلقك بالأشياء، فمتى تحررت تبعتك هذه الأشياء. 26- كن مع شيخك عبدا يقودك إلى عالم الملكوت، ويمر بك من سوق الدنيا إلى وطنك المقدور. 27- اخلع طباعك المذمومة؛ تدخل الحضرة الشريفة، واترك الدنيا ورائك؛ تجري الدنيا ورائك. 28- اقنع بالقليل؛ تمسي شاكرا، وغب عن القليل والكثير؛ تكن ذاكرا، ومن شكر الله على القليل؛ رزقه القناعة ومنعه التدبير، وأغنى قلبه بالرضا، وكساه برداء الوقار والتكريم، حتى يتولى أمره، ويكون سمعه وبصره. 29- إذا قدم بأولاده على بيت الشيخ فليعلمهم الأدب، ولا يطيلوا المكوث هناك إلا إذا عزم الشيخ وأمر، وليلزموا الوقار والحياء، ولا يكثروا من الأكل والشراب والمزاح، والخروج والدخول وملاعبة الأولاد، وليقوموا بعمل الدار كله، وليقدموا بهدية تليق بشيخهم وأهله، ولا يقبلوا هدية من أهل الشيخ إلا إذا كانت قليلة لتبرك الزيارة وتخلص. 30- اخرج من مالك؛ لتخرج من نفسك، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38]. 31- اصدق نيتك مع شيخك ولن تخيب، ولو لم تكن يوما ستأتيك. 32- المريد الصادق يعلم يقينا أن شيخه الرباني يأخذه بيده نحو النيران والجنان، فيسلك به طريق الخوف حتى يريه النار وكانها خلقت لأجله؛ ليضعف حجابه الكثيف الذي هي نفسه، ثم يأخذ بيده إلى طريق الرجاء فيشهده الجنان، ثم يجمع له بينهما حتى يرى الكون معدوما لا أثر له ولا بناء، ثم ينقله إلى مقام الحضور، فيرى الكون موجودا بوجود ربه، ويرى حكمة الله تعالى في خلقه. 33- لا تفش كلام أهل الحضرة فهذا من الحرمان، وإنك بهذا كمن يسترق السمع، فلا تكن مثل الشيطان. 34- دليل محبتك لشيخك خدمته وتعظيمه، وطلاوة كلامك له وخضوعك وتوقيرك. 35- علامة تقواك مراعاتك أحوالك الظاهرة والباطنة للناس، وتأدبك مع شيخك؛ فهو علامة على طهارة باطنك أيها الإنسان! 36- من علامة رسوخ الإيمان في قلب العارف؛ ظهور الحياء على الجوارح، وأحق الحياء ما كان بين المحبين كشيخك. {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } [الحجرات: 14] {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] 37- من الآداب أن يكون قلبك تابعا لقلب شيخك، تحب ما يحب، وتبغض ما يبغض، حتى يتحد القلبان، ويصير كل منهما مرآة للآخر، يقرأ قلبك، وتقرأ قلبه. 38- لا تظهر المواهب أمام المشايخ، ولو كانت كالبحور والسحاب. 39- كن بين يدي شيخك كالبهيمة التي لا تتكلم إلا عند إرادة إشباع بطنها، ولا تتكلم في كل ما تسأل عنه، ولا تعبر عن كل ما تشهده، فهذا حجابك من نفسك، فإن النفس لا تحب أن تُرى جاهلة. 40- قد يدخل الدخن والرياء قلب القارئ والعالم، لكنه يقل جدا عند المربي العارف؛ لأنه يربي في السر نبتا ليظهر، ويسقي أرضهم من سحابه ليثمر، ثم هو يموت وهم يدعون له كما كان حيا، ويظهرون ذكره بعد موته تأدبا وحفظا! 41- أخلص نيتك مع الشيخ، ينفعك الله به أينما كنت! 42- من كرامات المريد بين الشيخ ظهور الحياء، وتكفيه محبة الشيخ ولو مع انعدام الحياء. 43- أخطأ من قال: ليس لشيخ كرامات، فو لم يكن له كرامة إلا خضوع المريد بين يديه، وحياء العاصي بين قدميه؛ لكفاه! ومحبة الشيخ للمريد أعظم كراماته، فالطريق كرامة للشيخ وكرامة للمريد، وأدب متبادل. 44- إنما تعطل الفتح عليك؛ لسوء ظنك بشيخك، وسوء الظن كبيرة، ولا يدخل الحضرة من لزم الكبيرة! 45- لا تشرع في حال إلا بإذن شيخك يا هذا! فإن سر العمل وبركته في الإذن لا في العمل يا فتى! 46- إياك وسوء الظن في شيخك، فإنه حجابك يمنعك من خيرك، وتلاميذ الشيخ الصادق مثل أصابع يديه، لا يرفع أحدا على أحد ولا يفرق إلا بإذن وحق. 47- الزم الأحوال التي تثبت الحب وتثمره، لتصل بأقصر طريق وأسرعه. 48- من كمل صدقه كملت ولايته، وعلامة الكمال أن لا يشير الشيخ بشيئ إلا فعلته أيها الإنسان! وأن لا تفعل الشيئ حتى يأذن لك الشيخ. 49- الداخلون على الشيخ الرباني أقسام، صادق مخلص تفتح له الأبواب بوصوله،ومخلص فقط ففتحه بعد وصوله، وغير ذلك يطول فتحه حتى يعالج. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.