فور قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيونى ، اتخذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مواقف سريعة وحاسمة للوقوف ضده، لتأكيد هوية القدس بأنها العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة. "الطيب" الذي لقبه البعض ب"نصير القدس" تعدَّدت مواقفه التي اتخذها لنصرة الأقصى والوقوف في وجه الاحتلال الصهيوني، حيث كان أبرزها رفضه القاطع لطلب رسمي من نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، للقائه، حيث كانت السفارة الأمريكية بالقاهرة قد تقدمت بطلب رسمي، لترتيب لقاء ووافق الإمام الأكبر في حينها على ذلك، إلا أنه بعد القرار الأمريكي المجحف بشأن مدينة القدس، أعلن "الطيب" رفضه الشديد والحاسم لهذا اللقاء، مؤكدًا أن الأزهر لا يمكن أن يجلس مع من يزيفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم. وعبَّر "الطيب" عن غضبه وقته قائلًا: كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب على الرئيس الأمريكي التراجع فورًا عن هذا القرار الباطل شرعًا وقانونًا، محملًا الرئيس الأمريكي وإدارته المسؤولية الكاملة عن إشعال الكراهية في قلوب المسلمين وكل محبي السلام في العالم وإهدار كل القيم والمبادئ الديمقراطيه ومبادئ العدل والسلام التي يحرص عليها الشعب الأمريكي وكل الشعوب المحبة للسلام وتحميل الرئيس الأمريكي تبعات نشر الكراهية التي يعمل الأزهر الشريف ليل نهار على محاربتها ويسعى لنشر التسامح والمحبة بين كل الناس وخاصة تجاه الشعب الأمريكي، موجهًا نداءً عاجلًا لأهالي القدس "لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم". وأعلن عن إضافة مقرر دراسي عن القدس الشريف يُدرَّس في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر، استبقاءً لجذوة قضية القدس في نفوس النشء والشباب، وترسيخًا لها في ضمائرهم، مع دعوة القائمين على مؤسسات التعليم في الدول العربية والإسلامية وفي سائر بلدان العالم، وكافة الهيئات والمنظمات الفاعلة، إلى تبني مثل هذه المبادرة. ولم يكتفِ "الطيب" بذلك الموقف فقط، بل سعى إلى جمع المناهضين كافة، لذلك القرار من جميع دول العالم، إذ نظَّم الأزهر مؤتمرًا عالميًّا خلال الأيام الماضية بمشاركة ممثلين عن 86 دولة، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والبابا تواضروس، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، والدكتور أولاف فيكس تافيت، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي. وكان ل"الطيب" موقفًا حاسمًا تجاه إسرائيل وأمريكا، فقال خلال المؤتمر إن قضيَّة فلسطين عانت من تعقيدات السياسات الجائرة والقرارات غير المسئولة، موضحًا أن الأزهر يعقد مُنْذُ أبريل عام 1948، من القرن الماضي المؤتمراتِ تِلْوَ المؤتمرات عن فلسطين وعن المسجِد الأقصى والمقدَّسات المسيحيَّة في القُدْس، وقد تتابعت حتَّى بلغت 11 مؤتمرًا ما بين 1948 و1988، وحضرها أساطين العلماء والمفكِّرين المسلمين والمسيحيِّين من أفريقيا وآسيا وأوروبا، وقُدِّمت فيها أبحاث غاية في الدِّقَّة والعُمق والاستقصاء، وبنَفَسِ المهمُوم الذي لَمْ يَتبقَّ له إلَّا نفثاتٌ تُشْبِه نفثات المصدُور الذي فقد الدَّواء واسْتعصَى عليه الدَّاء، مشيرًا إلى أنَّه يَدُق -من جديد- ناقوس الخطَر، ويشعل ما عساه قد خبا وخمد من شُعلَة العَزم والتصميم، وإجماع العرب والمسلمين والمسيحيِّين وعُقلاء الدُّنيا وشُرَفائها على ضرورة الصُّمُود أمام العبث الصهيوني الهمَجِي في القَرن الواحِد والعشرين، والذي تدعمه سياسات دولية، ترتعد فرائصها إنْ هي فكَّرت في الخروج قيدَ أنمُلَةٍ عمَّا يرسمه لها هذا الكيان الصهيوني والسياسات المتصهينة. وأضاف: الذي أعتقده اعتقادًا جازمًا، هو أنَّ كل احتلال إلى زوال إنْ عاجلًا أو آجلًا، وأنه إنْ بدا اليوم وكأنه أمر مستحيل إلَّا أن الأيام دول، وعاقبة الغاصب معروفة، ونهاية الظَّالم وإن طالَ انتظارها، مَعْلُومة ومؤكَّدة واسألوا تاريخ روما في الشَّرق، واسألوا الفُرس عن تاريخهم في شرقِ جزيرة العَرب، واسألوا حملات الفرنجة (والتي يسميها الغرب بالصليبيَّة)، واسألوا الاستعمار الأوروبي وهو يحمِل عصاه ويرحل عن المغرب والجزائر وتونس ومصر والشام والعراق والهند وإندونيسيا والصومال؛ اسألوا جنوب إفريقيا ونظام التمييز العنصري وما آل إليه، اسألوا كل هؤلاء لتعلموا -من جديد-أن الزَّوال هو مصير المُعتدين، وأن كل قُوَّة مُتسلِّطة –فيما يقول ابن خلدون- محكومٌ عليها بالانحطاط وإذا كان قد كُتِب علينا في عصرنا هذا أن يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهَم إلَّا لُغةَ القُوَّة، فليس لنا أي عُذر أمام الله وأمام التاريخ في أن نبقى حوله ضعفاء مستكينين مُتخاذلين، وفي أيدينا -لو شئنا- كل عوامل القوة ومصادرها الماديَّة والبشَريَّة. وأبدى "الطيب" عضبه من موقف العرب، حيث قال: وأنا مِمَّن يؤمن بأنَّ الكيان الصهيوني لَيْسَ هو الذي ألحقَ بنا الهزيمة في 48 أو 67 أو غيرهما من الحروب والمناوشات، وإنما نحن الذين صنعنا هزيمتنا بأيدينا، وبخطأ حساباتنا وقِصَر أنظارنا في تقدير الأخطار، وتعاملنا بالهزل في مواطن الجد، وما كان لأمَّة موزَّعة الانتماء، مُمزَّقة الهُويَّة والهوى أن تواجه كيانًا يُقاتِل بعقيدةٍ راسخةٍ، وتحت راية واحدة، فضلًا عن أن تسقط رايته وتكسر شوكته. وكذلك اعترف شيخ الأزهر بحقيقة مُرَّة بأن المقرَّرات الدِّراسيَّة في مناهجنا التعليميَّة والتربويَّة في كل مراحل التعليم عاجزةٌ عن تكوين أي قَدْر من الوعي بهذه القضية في أذهان ملايين الملايين من شباب العرب والمسلمين، حيث لا يوجد مُقرَّر واحد يخصص للتعريف بخطر القضيَّة، وبتاريخها وبحاضرها وتأثيرها في مستقبل شبابنا الذي سيتسلَّم راية الدِّفاع عن فلسطين، وهو لا يَكاد يَعْرِف عنها شيئًا ذا بال، وذلك بالمقارنة بشباب المستوطنات الذي تتعهده منذ طفولته مناهج تربويَّة ومُقرَّرات مدرسيَّة وأناشيد وصلوات تُشَكِّل وجدانه العدائي، وتُغذِّيه بالعُنصرية، وكراهية كل ما هو عربي ومُسْلِم. واقترح "الطيب" أن يُخصَّص هذا العام عام 2018 ليكون عامًا للقُدس الشريف، تعريفًا به، ودعمًا ماديًّا ومعنويًّا للمقدسيين، ونشاطًا ثقافيًّا وإعلاميًّا متواصلًا، تتعهده المنظَّمات الرسمية مثل "جامعة الدول العربية، ومُنظَّمة التعاون الإسلامي، والمؤسَّسَات الدِّينية والجامعات العربيَّة والإسلاميَّة، ومُنظَّمات المجتمع المدني" وغيرها. وخرج مؤتمر الأزهر بتوصيات شديدة اللهجة، حيث أكد أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة والتي يجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها وقبول عضويتها الفاعلة في المنظمات والهيئات الدولية كافة، حيث إن القدس ليست فقط مُجرَّد أرض محتلة، أو قضية وطنية فلسطينية، أو قضية قومية عربية، بل هي أكبر من كل ذلك، فهي حرم إسلامي مسيحي مقدس، وقضية عقدية إسلامية مسيحية، وإن المسلمين والمسيحيين وهم يعملون على تحريرها من الاغتصاب الصهيوني الغاشم، فإنما يهدفون إلى تأكيد قداستها، ودفع المجتمع الإنساني إلى تخليصها من الاحتلال الصهيوني. وأضافت التوصيات: عروبةَ القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين، ولن تفلح محاولات الصهيونية العالمية في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ، ومن أذهان العرب والمسلمين وضمائرهم فعروبة القدس ضاربة في أعماقهم لأكثر من خمسين قرنًا، حيث بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل ظهور اليهودية التي ظهرت أول ما ظهرت مع شريعة موسى -عليه السلام- بسبعة وعشرين قرنًا، كما أن الوجود العبراني في مدينة القدس لم يتعد 415 عامًا، على عهد داود وسليمان -عليهما السلام- في القرن العاشر قبل الميلاد وهو وجود طارئ عابر محدود حدث بعد أن تأسَّست القُدس العربية ومضى عليها ثلاثون قرنا من التاريخ. وأكدت التوصيات, الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتي لا تعدو بالنسبة للعالم العربي والإسلامي وأحرار العالم، أن تكون حبرًا على ورق، فهي مرفوضة رفضًا قاطعًا وفاقدة للشرعية التاريخية والقانونية والأخلاقية التي تلزم الكيان الغاصب بإنهاء هذا الاحتلال وفقًا لقرارات الأممالمتحدة الصادرة في هذا الشأن، مُحذرة من أن هذا القرار إذا لم يسارع الذين أصدروه إلى التراجع عنه فورًا فإنه سيغذي التطرف العنيف، وينشره في العالم كله. ودعت التوصيات حكومات دول العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأممالمتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى التحرك السريع والجاد لوقف تنفيذ قرار الإدارة الأمريكية، وخلق رأي عام عالمي مناهض لهذه السياسات الجائرة ضد الحقوق والحريات الإنسانية. كما حث المؤتمر عقلاء اليهود أنفسهم للاعتبار بالتاريخ، الذي شهد على اضطهادهم في كل مكان حلّوا به إلَّا في ظل حضارة المسلمين، وأن يعملوا على فضح الممارسات الصهيونية المخالفة لتعاليم موسى عليه السلام التي لم تدع أبدًا إلى القتل أو تهجير أصحاب الأرض، أو اغتصاب حقوق الغير وانتهاك حرماته وسلب أرضه ونهب مقدساته. وأكد ممثلو الدول تكوين لجنة مشتركة من أبرز الشخصيات والهيئات المشاركة في المؤتمر لمتابعة تنفيذ التوصيات على أرض الواقع ومواصلة الجهود في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة وبخاصةٍ قضيَّة القُدس، وعرضها في كافة المحافل الدوليَّة الإقليميَّة والعالميَّة.