شهدت مصر خلال الأربعة أعوام الأخيرة تسلل العديد من العناصر الإرهابية التكفيرية إلى داخل البلاد لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، مستغلين الحدود والتخوم الكبيرة الممتدة لآلاف الكيلو مترات طولًا وعرضًا لاسيما تلك الخاصة بزمام محافظات " الفيوم، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد "، ما أسفر عن استشهاد وإصابة مئات المواطنين وضباط الجيش والشرطة. ولعبت الصحراء الغربية بمصر، والتي تمتد لآلاف الكيلو مترات بحدود محافظات الصعيد دوراً في توافد تلك الجماعات المسلحة التي تسعى لإسقاط الدولة، وفرض سيطرتها على بعض المناطق التي يغلب عليها الفقر والجهل، مستغلة كثافة مؤيديهم من المتشددين، بالكثير من القرى والنجوع الصحراوية، مع ذهاب آلاف الشباب بسهولة إلى ليبيا عبر مدقات وضروب جبلية اعتادوا عليها منذ عشرات السنين. وكشفت حوادث إرهابية وقعت خلال الأشهر الأخيرة عن وجود أعداد كبيرة للإرهابيين بالصحراء الغربية، كان أبرزها ما وقع يوم 26 مايو الماضي من استهداف لثلاث سيارات تقل أقباطاً بالقرب من جبل القلمون بزمام مركز العدوة أقصى شمال المنيا، وكانت في طريقها إلى دير الانبا صموئيل المعترف، ما أسفر الحادث عن استشهاد 28 شخصا، وإصابة 24 آخرين، وتم نقلهم الى عدد من المستشفيات بعدة محافظات. وقد رصد الإرهابيون الرحلة منذ خروجها من بني سويف وتتبعوا خط السير إلى أن وصلوا بالقرب من الدير فقاموا بتنفيذ الحادث مستغلين المدقات الجبلية والطريق الصحراوي المنعزل عن المحافظة حيث يقع مقر الدير داخل المنطقة الجبلية على بعد 30 كيلومتر عن الطريق الرئيسي. كما يمثل طريق الواحات بمداخله القريبة من محافظة أسيوطوالفيوموالجيزة تهديداً منفذاً لتسلل الجماعات الإرهابية من الصحراء الغربية للقيام بعمليات إرهابية، كان أبرزها حادث الكيلو 135 بالواحات، الذي أسفر عن مقتل 16 ضابط ومجند منذ شهر تقريبًا. وفي سبتمبر 2015، شهد طريق الواحات بنطاق محافظة الجيزة أيضًا معركة دامية، بين قوات الأمن وإرهابيين، تمكن خلالها رجال العمليات الخاصة بالتنسيق مع قطاعات الأمن الوطني والأمن العام ومباحث الجيزة من تصفية 8 إرهابيين أثناء تبادل لإطلاق النيران أثناء مداهمة بؤرة إرهابية. مجتمعات عمرانية توالي الحوادث الإرهابية دفع الدولة لاتخاذ إجراءات جادة وتنفيذية لتعمير الصحراء من أجل تسهيل فرض سيطرتها على تلك المساحات الشاسعة دون الحاجة لتواجد أمني مكثف، خاصة بعد تأكيد الخبراء على صعوبة تأمين الصحراء والتي تبلغ مساحتها نحو 680 الف كيلو متراً مربعاً تقريبًا، ولكن يمكن ذلك بتسهيل إقامة المشروعات وبناء المجتمعات العمرانية الحقيقية. كما توجهت الدولة لتنمية وتطوير القرى الصحراوية التي يتسلل منها الإرهابيون مستغلين ما يعاني منه أهالي قرى مراكز سمالوط ومطاي ومغاغة والعدوة من جهل وفقر مدقع. في هذا السياق حاولت الدولة تنشيط الظهير الصحراوي الغربي خاصة بزمام مراكز شمال المنيا لترويج التجارة، تمثل ذلك في شق طريق البهنسا- البويطي الذي يربط بين مركز بني مزار بمحافظة المنيا وقرية البويطي بمحافظة الواحات البحرية، وقال المحافظ صلاح زيادة حينها إن الطريق سيعمل على إيجاد منفذ لمحافظة المنيا على البحر الأحمر متصل بالوادي الجديد مارّا بواحة سيوة، كما سيعمل على زيادة الرقعة الزراعية في المناطق الصالحة للزراعة باستغلال المياه الجوفية واستغلال الثروات الطبيعية والتعدينية في المناطق المحصورة بين محافظة المنيا والوادي الجديد، مما يساهم في إنشاء مجتمعات عمرانية. ويصل الطريق إلى 200 كم منها 160 كم إنشاء جديد من مركز بني مزار بداية من القاهرةأسيوط الصحراوي الغربي حتى قرية البويطي على طريق الواحات الجيزة، إضافة إلى 40 كم رفع كفاءة من قرية البويطي حتى طريق سيوة الواحات، كما يبلغ القطاع العرضي للطريق 13.5 مترًا، ليكون محورًا للتنمية. كما أعلنت المحافظة عن إنشاء 24 قرية بالظهيرين الصحراويين أيضا للتوسعة ولفرض السيطرة على تلك المناطق النائية لتعمير الصحراء، إلا أن المشروعات لم تكتمل بسبب ضعف التمويل والتخبط الاقتصادي. لجنة جنوب الوادي وفي السياق ذاته بدأت ما تسمى ب"لجنة تنمية جنوب الوادي" أعمالها بمحافظة المنيا، وهي لجنة تسعى لتنمية وتطوير ومعالجة الأفكار المتطرفة بمحافظات الصعيد، ويترأسها المهندس إبراهيم محلب مستشار رئيس الدولة، حيث بدأت اللجنة الشهر الماضي في تلك الأعمال بتنفيذ مجموعة من الفعاليات مثل إعادة قوافل التنوير والثقافة في جميع المجالات بالمحافظة وخلق جيل جديد من العقلاء والمثقفين القادرين على نشر الفكر التنويري المعتدل والخالي من الطائفية والتطرف. وبدأت اللجنة نشاطها بثلاث قرى في المرحلة الأولي من البرنامج وهي دلجا ، ديرابوحنس، الكرم ، بينما تواصل برنامج دورتها في المرحلة الثانية في أربعة قرى بمراكز المحافظة وهي "اطسا البلد ، اطسا المحطة ، كوم اللوفي ، وابوان" حيث ستبدأ الفعاليات يوم20 نوفمبر وتستمر حتى 27 من الشهر الجاري، بمجموعة من الفعاليات التي سيتم تنفيذها من خلال مشاركة كافة قطاعات المحافظة بالتنسيق مع الجامعة والمجلس القومي للمرأة والجمعيات الأهلية لتوحيد كافة الجهود وبخطة ممنهجة. وعلى غرار ما حدث بالمنيا حاولت الدولة السيطرة على الحدود الغربية وكشفها بمحافظة أسيوط، وجاء ذلك أيضا بشق أحد الطرق الهامة وهو طريق " ديروط – الفرافرة " بأسيوط ، حيث يربط الوادي الجديد بوادي النيل ، بطول يصل إلى 310 كيلو متر، وبتكلفة إجمالية 1.6 مليار جنيه من موازنة جهاز التعمير. المشروعات القومية ويرى الدكتور محمد نبيه البدري رئيس قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة المنيا، أنه يتوجب على الدولة تغيير طريقة تفكيرها مع الصحراء الشاسعة بما يأتي بثمار الأمن والأمان علي المصريين، إذ تبلغ مساحات الصحراء الغربية بمصر والتي تعد المصدر الرئيسي للإرهاب ما يقرب من 680 ألف كيلو متراً وهي مساحات كبيرة يصعب تأمينها بالكامل، وبالتالي يجب تنفيذ المشروعات القومية العملاقة بها، مثل إقامة بعض المجتمعات العمرانية، وبذلك يتم رصد العناصر الغريبة والإرهابية بسهولة فور اقترابها من زمام المحافظات المختلفة. وأشار إلى أن ارتفاع نسبة الفقر والجهل بمحافظات الصعيد خاصة الفيوموالمنياوأسيوط، جعل من صحراءها مقصداً لتوجه الشباب إلى ليبيا بحثاً عن الرزق، وهناك يتم اصطيادهم لدى الجماعات المتطرفة ودمجهم معهم والعودة فيما بعد كإرهابيين يرتكبون العمليات المتطرفة مقابل الأموال. وأضاف البدري: حدودنا الغربية شديدة الخطورة ، إذ تكفي مسافة السير بسيارات الدفع الرباعي الحديثة مسافة 900 كيلو فقط للوصول إلى دولة ليبيا، وهو أمر يكشف مدى سهولة وصول العناصر التكفيرية والإرهابية إلينا، خاصة أن هناك طرقاً ودروباً كثيرة بالصحراء صلبة وتسير فيها السيارات بسهولة، ولا تكشفها الطائرات نتيجة وجود الجبال بمحيطها، وفي نفس الوقت لا يمكن للطائرات أن تسير على مستوى منخفض خشية إطلاق النيران عليها. وشدد على ضرورة تنفيذ مشروعات قرى الظهيرين الصحراويين الشرقي والغربي، والذي أعلنت عنه الحكومة منذ عدة سنوات ولكنه تعثر بسبب الأزمات المالية، وكذلك مشروع استصلاح وزراعة المليون ونصف مليون فدان بالصحراء الغربية، وهي مشروعات تتحول لصدادات في وجه الإرهاب، وفي نفس الوقت تعد مكسباً اقتصاديًا للشباب وتخلق فرص عمل جديدة تمنعهم من التوجه للدول غير المستقرة أمنيًا.