امام الاعلان عن نية الرئيس المصري الجديد دكتور محمد مرسي زيارة ايران لحضور قمة منظمة عدم الانحياز والتى تشهد نقل رئاسة المنظمة من القاهرة الى طهران ثارت عدة تكهنات لتفسير الخطوة الهامة سواء في القاهرة او طهران او واشنطن وتل ابيب. فالتغير الذى شهدته مصر خلال الشهر الماضي والذى تمثل في قيام مرسي بالاطاحة بالحرس القديم في المجلس العسكري واحكام سيطرته على السلطتين التشريعية والتنفيذية اعطت انطباعا للعالم بانه رئيس قوي ولن يرضى بانصاف الحلول. ورغم ان مرسي تولى مقاليد الحكم في فترة تشهد تراجعا اقتصاديا وامنيا في مصر الا انه على ما يبدو يحرص على تحريك عجلة الاقتصاد بشكل سريع سواء بالاتفاق مع البنك الدولي على قرض يقرب من خمسة مليارات دولار او بالاتفاق مع بعض الدول العربية بدعم الاقتصاد المصري عن طريق ودائع طويلة الامد في البنك المركزي كما حدث مع قطر وغيرها. ومن هذا المنطلق قد تشكل زيارة مرسي لايران عامل دفع للعلاقات المصرية الخليجية اكثر منها للعلاقات بين القاهرةوطهران. توتر خليجي ايراني فالعلاقات الخليجية الايرانية تشهد توترا ملحوظا خلال العقود الاخيرة وبالتحديد منذ فترة الحرب العراقية الايرانية وهو التوتر الذى تزايد خلال الاعوام الاخيرة مع الاتهامات المتكررة من عدة انظمة خليجية لنظام طهران بدعم المعارضين بل وتحريض بعض الفئات ضد انظمة الحكم وهو ما حدث في اليمن مع الحوثيين ومع المعارضة في البحرين كما اعلنت الكويت ايضا في 2010 انها اعتقلت "شبكة تجسسية تعمل لصالح ايران". كل هذه التراكمات في العلاقات بين النظام الحاكم في ايران وانظمة الحكم الوراثية في منطقة الخليج لم تكن لتصبح ذات بال امام حجم العلاقات الاقتصادية بين هذه الاطراف خاصة اذا نظرنا الى حجم التبادل التجاري عبر الخليج اوحتى الى حجم وطبيعة العمالة الايرانية في مختلف دول الخليج لكن الملف النووي لطهران اثار المخاوف الخليجية من رغبة ايران في السيطرة على المنطقة بما فيها من موارد طبيعية لتمويل حلم عودة الامبراطورية الفارسية وعليه ظهرت مواقف علنية لاعضاء من الاسر الحاكمة في الخليج ضد المشروع النووي الايراني بل حتى من الرياض والتى اعلنت انها لن تقف مكتوفة الايدي امام ايران نووية وحسب مسئول سعودي نقلت عنه مجلة نيويورك تايمز الشهر الجاري فان " الرياض ستحصل على السلاح النووي في غضون اسابيع من حصول ايران عليه". وبالنظر الى كثافة السكان في كل من دول الخليج وايران يبدو جليا عدم التوازن بين الطرفين وهو ما يعني ان الطرف الاول سيسعى بلا شك الى الحصول على دعم من طرف اخر للوقوف امام طهران وهنا ظهر الدور المصري بوضوح خلال زيارة مرسي الاخيرة الى السعودية لحضور القمة الاسلامية حيث اكد ان امن دول الخليج من امن مصر. عصر جديد ومن هذه الناحية حسبما كتب الأستاذ ايهاب الالفي لمؤسسة بي بي سي فتبدو الزيارة الاولى لرئيس مصري الى ايران منذ قطع العلاقات بين البلدين في اعقاب الثورة الايرانية عام 1979 نوع من المناورة وفتح لعدة ابواب قد تنجح مصر في المرور من خلالها الى مرحلة اقتصادية جديدة. فالبعض يرى ان الرئيس مرسي يوجه رسالة من خلال هذه الزيارة الى انظمة الخليج العربي مفادها ان مصر ستحصل على الدعم الاقتصادي اللازم للخروج من ازمتها اما عن طريق التعاون معهم او مع النظام الايراني عدوهم اللدود. البعض الاخر يرى ان الزيارة قد تكون بداية لعصر جديد من العلاقات المفتوحة بين القاهرةوطهران خاصة في ظل المبادرة التى اطلقها مرسي على هامش القمة الاسلامية الاخيرة بتشكيل لجنة رباعية تتدخل لحل الازمة السورية وتضم كلا من مصر وايران وتركيا والسعودية وهى اللجنة التى قد تكون قاعدة لتحالف جديد في منطقة الشرق الاوسط اذا اتفقت الاطراف الاربعة على اسس تعاون امنية واقتصادية. طهران تريد.. علاقات ايرانية خليجية متوترة من جانبها تعول طهران كثيرا على التغير في السياسات في مصر للحصول على دعم دولة غابت كثيرا عن الساحة السياسية الاقليمية في مواجهة الضغط السياسي الدولي على طهران لوقف برنامجها النووي. وعلى هذا الاساس جاءت التصريحات المتوالية من الجانب الايراني بالرغبة في عودة العلاقات مع مصر في اسرع وقت ممكن بل وتوجت ذلك الدعوة التى وجهها الرئيس الايراني احمدي نجاد الى نظيره المصري لحضور قمة دول عدم الانحياز ودعم نجاد موقفه باستقبال حافل لمرسي على هامش القمة الاسلامية في مكة. واضافة الى ذلك صدرت تصريحات اخرى من ساسة ايرانيين على مدار العام المنصرم تؤكد استعداد طهران لامداد مصر بتكنولوجيا الصواريخ الايرانية المتقدمة بل والتعاون الوثيق مع القاهرة في كل المجالات العسكرية وهى التصريحات التى لم ترد عليها القاهرة بشكل علني حتى الان وان كانت هناك فرصة لدى مرسي في تفعيل هذا التعاون خلال زيارته المرتقبة للعاصمة الايرانية. الجبهة الداخلية اما الساحة السياسية الداخلية في مصر فرغم انها تشهد تغيرات سريعة واستقطاب بين الاسلاميين وغيرهم الا ان زيارة مرسي لايران تواجه معارضة شديدة خاصة بين التيار الاسلامي لسببين اولهما التخوف من قيام ايران باستغلال تطبيع العلاقات بين البلدين في نشر التشيع بين ابناء الدولة التى عرفت بانها من ركائز العالم السني لقرون طويلة. السبب الثاني هو قيام النظام الحاكم في ايران بدعم بشار الاسد بشكل علني وعلى كافة المحاور وهو الامر الذى زاد من المشاعر المعادية لايران في الاوساط الاسلامية في مصر على وجه الخصوص. ويرى هؤلاء ان الزيارة تاتي في وقت شديد الحساسية وقد يفهم منها انها دعم مصري لايران سواء في مساندتها لنظام بشار الاسد او في معركتها السياسية -حتى الان- ضد الولاياتالمتحدة والعالم الغربي بخصوص ملفها النووي. الموقف الامريكي على الجانب الامريكي اعلنت واشنطن ان قيام مصر بتطبيع علاقاتها مع ايران امر سيادي لا تستطيع التدخل فيه لكن في الوقت نفسه هناك عدة مقالات لكتاب مقربين من الدوائر السياسية في واشنطن ترى ان مرسي يحاول الضغط على امريكا بهذه الزيارة حتى تعمل بشكل اكثر جدية على دعم اقتصاد بلاده ولعل ذلك هو السبب في اعلان واشنطن عدم اعتراضها بل وتاييدها للحملة التى يقوم بها الجيش المصري في سيناء ودفعه بمئات الاليات الثقيلة والمقاتلات الى سيناء دون تنسيق مسبق مع اسرائيل على خلاف الملحق العسكري لاتفاقية السلام بين البلدين. والخلاصة ان الساحة السياسية الاقليمية الان اصبحت امام لاعب جديد غير معروف وهو ما يربك بقية اللاعبين المتمرسين لقواعد اللعبة فهل يتمكن الرئيس المصري من اقتناص فرصة سانحة لتحقيق انجاز جديد من خلال الزيارة الى طهران؟ قد تبدو الاجابة صعبة الان لكن مع الاسابيع القليلة القادمة ستتضح الصورة بشكل اكبر من خلال التحركات المصرية مع الرياض او مع طهران او مع كلتيهما. الي ذلك بحث وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره المصري محمد كامل عمرو في الازمة السورية. وذكرت وكالة مهر للانباء اليوم السبت ان وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو ونظيره الايراني علي اكبر صالحي تطرقا خلال الاتصال الى "المستجدات في المنطقه والاحداث في سورية". يذكر ان الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية العديد من الدول الذي عقد في طهران اسفر عن تأليف فريق عمل يضم ممثلين لإيران ومصر والسعودية وتركيا للاتصال مع الاطراف المتصارعة في سورية