حالة من الغموض والترقب تعيشها وزارة التعليم العالي وجامعة المنصورة بعد اندلاع الأزمة الأخيرة بين الجامعة ومجلس النواب ممثلاً فى لجنة التعليم والبحث العلمى التي أوصت بعزل رئيس الجامعة الدكتور محمد قناوى فى واقعة لم تكن الأولى من نوعها حيث كانت الأولى عام 2008 عندما أوصت لجنة التعليم والبحث العلمى، بمجلس الشعب وقتها، بعزل رئيس جامعة طنطا واستجاب الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وقام بتنفيذ التوصية. الغريب في الأمر أن الريبة والشكوك تحيط بكل جوانب الموضوع فلا يمكن لعاقل أن يتخيل أن يظهر البرلمان كل هذا العداء تجاه رئيس جامعة معين بقرار جمهورى من الرئيس عبد الفتاح السيسى لمجرد طلب إحاطة تقدمت به إحدى النائبات دون أن تسعى لجنة التعليم والبحث العلمى إلى دراسة الطلب والمستندات التى تقدمت بها النائبة ودون التوصل إلى الدوافع الحقيقية ورائه أو حتى الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى. المثير للدهشة أيضاً هو موقف وزارة التعليم العالي التي قررت عدم التعليق على التوصية أو إصدار بيان رسمي يوضح موقفها كما تجنبت التصريحات الإعلامية. هناك أيضاً الموقف الغامض الذي اتخذه مجلس النواب وبالتحديد الدكتور جمال شيحة رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى والدكتورة ايناس عبد الحليم مقدمة الطلب التى تعمل عضو هيئة تدريس بكلية الطب جامعة المنصورة خاصة بعد كشف الدكتور محمد قناوى لمفاجآت جديدة فى القضية لم تكن فى صالح البرلمان ولا الدكتورة إيناس. بداية الواقعة وكانت الدكتورة إيناس عبد الحليم الأستاذ المتفرغ بكلية الطب بجامعة المنصورة ونائب رئيس لجنة الصحة فى البرلمان قد اعتادت منذ فترة تقديم استجوابات ضد الجامعة ورئيسها بشكل شخصي حيث تقدمت منذ بضع أشهر باستجواب عاجل لمجلس النواب ضد مسئولي الجامعة بعد أن قاموا بوقف صرف ما كانت تتقاضاه نظير إشرافها علي مشروع العلاج لأنها لم تعد تقوم به منذ عضويتها بالمجلس إلا أن النائبة أصرت على أحقيتها فى الحصول على الراتب نظراً لأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب تنص على أحقية أعضاء هيئة التدريس من النواب فى الحصول على رواتبهم من الجامعات. وتستند النائبة في أحقيتها في المبالغ المالية التى أوقفت الجامعة صرفها لها إلى المادة رقم 103 من الدستور والتى تنص علي أن "يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقاً للقانون والمادة 1 من القانون 84 لسنة 2012 بشأن تعديل قيمة بدل الجامعة تشترط لصرف الزيادة لأعضاء هيئة التدريس تفرغهم الكامل للعمل بجامعاتهم بحد أدنى أربعة أيام أسبوعياً وبشرط عدم تقاضيهم أية مستحقات مالية عن عمل خلال أيام التفرغ من أي مصدر داخل الجامعة او خارجها". تلى ذلك استجواب جديد للنائبة داخل المجلس تحدثت فيه عن وقائع إهدار مال عام بجامعة المنصورة بعد إنشاء بوابة بتكلفة 4 ملايين جنيه، وحينئذٍ لم تصمت الجامعة وأصدرت بياناً أوضحت فيه عدم صحة ما ورد فى استجواب النائبة وقالت إنه مر ما يقرب من خمسين عاما علي إنشاء البنية التحتية للجامعة من أبواب وأسوار وفي ظل التعامل مع الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد كان لزاماً وضع خطة إستراتيجية واتخاذ اللازم نحو عمليات الإحلال والتجديد كتعلية الأسوار وإيجاد مداخل بديلة وتطوير الموجود منها.. مشيرة إلى أن البوابة محل البيان العاجل من النائبة كانت موجودة منذ إنشاء الجامعة ولكنها غير مؤهلة لدخول وخروج السيارات والطلاب فكان لابد من تجديدها بما يجعلها تساعد في حل مشكلة التكدس المروري وتزايد أعداد الطلاب وتحقيق التأمين اللازم. وأضاف البيان أن تكلفة الإحلال والتجديد للبوابة محل البيان مبلغ680 ألف جنيه بخلاف الدمغات والضرائب التي تم تدبيرها من الموارد الذاتية للجامعة رغم وجود اعتماد مالي لبند مبان غير سكنية بمشروع مرافق الجامعة بلغ مليونين ومائة وستة وعشرين ألف جنيه تم ردها في نهاية العام المالي 2.15/2.16 للخزانة العامة للدولة. فساد وتزوير النائبة لم تكتف بذلك وظلت تحارب إدارة الجامعة ممثلة في رئيسها وتتهمه بالفساد وتزوير الأبحاث العلمية معللة موقفها باتهام صدر فى حق أحد أعضاء هئية التدريس بكلية الطب إلا أن لجنة شكلها المجلس الأعلى للجامعات مكونة من الدكتور فتحى خضير عميد كلية طب القصر العينى والدكتور محمود المتينى عميد كلية طب جامعة عين شمس وآخرين قد برأت ذمته بعد أن قامت بفحص الأبحاث وهنا قرر الدكتور محمد قناوى الرد على كل اتهاماتها كاشفاً النقاب عن محاولات النائبة لاستغلال مجلس النواب وجره فى حروب تتعلق بمصلحة شخصية لها. وقال "قناوي" إن النائبة طلبت منه تعيين اثنين من الأطباء حديثي التخرج تربطها بهما صلة قرابة فى مكان مميز بالجامعة معروف عنه أن التعيين يتم فيه يكون بالمحسوبية إلا أنه اشترط عمل إعلان وطلب منها أن يتقدما مثل باقى زملائهما على أن يكون الفيصل فيما بينهم للأكفأ ولأن النائبة لم يعجبها حديث رئيس الجامعة فقد ذهبت إلى الطرف الآخر وهو وزارة الصحة وعلى إثر ذلك تم ترشيح الاثنين من قبل وزارة الصحة لكن رئيس الجامعة لم يقبل تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص ورفض تعيين أي منهما لأن هناك آخرون يستحقون التعيين وأبلغ النيابة الإدارية وأوقف المسابقة. كان ذلك كفيلاً بإشعال النار داخل الدكتورة إيناس التي قررت الانتقام خاصة بعد أن قرر رئيس الجامعة إحالة نجلها الذى يعمل طبيباً بالإدارة الطبية بالجامعة للتحقيق نظراً لأنه حصل على إجازة لرعاية والده المريض وخالف القانون بالسفر للخارج ووفقاً لذلك تقاضى أجراً ليس من حقه. وتمكنت النائبة بمعاونة الدكتور جمال شيحة رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بالبرلمان وعضو هيئة التدريس بجامعة المنصورة والذي تضرر أيضاً من قرار رئيس الجامعة بعدم صرف أى مستحقات مالية بعد تعيينه فى المجلس من استصدار قرار بعزل الدكتور محمد قناوى. صحيح أنها ليست هذه هى المرة الأولى التى تندلع فيها أزمة بين مجلس النواب ومؤسسة من مؤسسات الدولة إلا أن كون المؤسسة تعليمية والهجمة عليها جاءت فردية جعل الأزمة تكتسب طابعاً خاصاً. مجلس الجامعة وأمام كل ذلك انتفض مجلس جامعة المنصورة وأصدر بياناً يرفض فيه التوصية التى خرجت بها اللجنة قال فيه إنه يؤكد عدم التستر على أي فساد مهما كان حجمه في أي وحدة من وحدات الجامعة أو كلياتها أو المستشفيات الجامعية التابعة لها ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال أي أمر قد يشوبه شائبة فساد كل في حينه دون تباطؤ أو تأخير. وأوضح المجلس أن وفداً رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث وعميد كلية الطب ونخبة من أساتذة الكلية قد توجه إلى مجلس النواب بناءً على دعوة من وزير التعليم العالي والبحث العلمي للحضور أمام لجنة التعليم بمجلس النواب لتوضيح الحقائق بخصوص بعض الموضوعات التي تخص جامعة المنصورة والمتداولة في لجنة التعليم نتيجة لشكاوى مقدمة من عضوين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة. وظل الوفد منتظرًا داخل إحدى القاعات بمجلس النواب معظم أوقات اليوم ولم يُمكًن أعضاء الوفد من حضور اجتماع اللجنة لعرض وجهة نظر الجامعة في ما أثير من موضوعات في حين تم تمكين الشاكيين من حضور الاجتماع وتم تناول الموضوعات المطروحة من وجه نظر واحدة هي وجه نظر الشاكيين وأسفر ذلك عن اتخاذ لجنة التعليم بمجلس النواب قرارًا انتهى الى التوصية بعزل رئيس جامعة المنصورة. واستنكر مجلس الجامعة أن تقوم لجنة التعليم بإصدار توصيتها دون الاستماع إلى وجهة نظر الجامعة المدعومة بالمستندات والأدلة. وأضاف بيان المجلس أن الجامعة على استعداد لاستقبال أي لجان محايدة للتحقيق في هذه الشكاوى على الرغم من فحصها من قبل بمعرفة لجنة مشكلة من المجلس الأعلى للجامعات بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية والتي انتهت إلى سلامة ما تم اتخاذه من إجراءات من قِبَل الجامعة. وأكد المجلس أنه لا يدافع عن شخص وإنما يدافع مؤسسة وقع على جميع أعضاء هيئة التدريس والعاملين بها إهانة بالغة وضررًا جسيمًا يؤثر على مسيرتها. رفض الاتهامات من جهته أكد الدكتور محمد كمال المتحدث بإسم النقابة المستقلة لأعضاء هيئة التدريس رفضه كل ما نسب للدكتور محمد القناوي رئيس جامعة المنصورة واستنكاره للتوصيات الصادرة عن الاجتماع المشترك للجنتي التعليم والبحث العلمي والصحة بمجلس والتي طالبت بعزل رئيس جامعة المنصورة بحجة مخالفات متعلقة بالأمانة العلمية للأبحاث وسوء استخدام السلطة. وأكد عدم صحة الاتهامات بالأمانة العلمية الموجهة لرئيس الجامعة مشيراً إلى أن اتهام أحد أو بعض أعضاء هيئة التدريس بها لا يعني نسبة هذا الخطأ لرئيس الجامعة خاصة بعد قيامه بإحالة هذه الاتهامات للتحقيق وحققت فيها لجنة متخصصة مشكلة من المجلس الأعلى للجامعات وثبت عدم صحتها. وقال كمال إن نسبة هذا الأمر بهذه الصورة يسيء بشكل كبير لجامعة المنصورة والجامعات المصرية بشكل عام في وقت هي في أمس الحاجة إلى المساعدة على الإصلاح وتحسين الأحوال بها حتي تتقدم في التصنيف العالمي للجامعات مؤكداً احترام النقابة لكافة مؤسسات الدولة الرقابية والتشريعية والتنفيذية والقضائية واحترام كل منها لدورها واختصاصاتها الدستورية واحترام الجميع لما نص عليه الدستور فيما يتعلق باستقلال الجامعات. وأشار كمال إلى عدم صحة ما تردد حول إقالة رؤساء الجامعات بناء على توصية من لجنة التعليم بمجلس النواب لمخالفة ذلك الواضحة لقانون تنظيم الجامعات وتعديلها في 24 يونيو 2014 والتي أعطت هذا الحق لرئيس الجمهورية وبناءً على طلب المجلس الأعلى للجامعات فقط، مشيراً إلى أنه بناء على ذلك يصبح المجلس الأعلى للجامعات هو صاحب السلطة الوحيدة في طلب ذلك من رئيس الجمهورية الذي يملك الحق منفرداً في إصدار القرار. ودعا المتحدث الرسمي لنقابة المستقلة لأعضاء هيئة التدريس النواب للاهتمام بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية وعلى رأسها تقرير ميزانية التعليم والبحث العلمي والصحة المنصوص عليهما في الدستور في الموازنة العامة وعدم مخالفة الدستور ووضع حلول فورية للمشكلات الحقيقية التي تواجهها الجامعات وعلى رأسها توفير الإمكانيات اللازمة لتحسين العملية التعليمية وحل مشكلات أعضاء هيئة التدريس وعلى رأسها تدنى المرتبات والمعاشات وكذلك مشكلات العلاج والترقيات ومشكلات المعيدين والرعاية الاجتماعية، والرجوع لأعضاء هيئة التدريس في ذلك، مؤكدة أن هذا دور اللجنة الحقيقي وليس التفرغ لطلب نائبة يتعارض مع الدستور والقوانين المختلفة. نقابة العلماء أما نقابة علماء مصر والتي يرأسها الدكتور عبد الله سرور فقد اتخذت موقفاً آخر وأصدرت بياناً قالت فيه إنها على تواصل دائم مع لجنة التعليم بمجلس النواب ومشتركة مع أعضاء اللجنة وضيوفها فى الحلقات النقاشية وجلسات الاستماع لدراسة ومناقشة قضايا التعليم العالى والبحث العلمى لاقتراح الحلول للمشكلات الجامعية المزمنة واقتراح الرؤى المستقبلية للتطوير والتحديث. وأضافت النقابة إن أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية حريصون على استقلال الجامعات وصون هذا الاستقلال وحمايته وعدم المساس وهو أبرز الأهداف الأساسية التى تعليها نقابة علماء مصر وهو أيضا ما أعلنته وأكدت عليه لجنة التعليم بمجلس النواب فى مناقشاتها المستمرة مع لجان نقابة علماء مصر وغيرها. وتابع البيان أن الرقابة البرلمانية عمل أصيل للبرلمان ولجانه ، كما أن من واجب البرلمان التصدي لكل أوجه القصور ومناقشة كل قضايا الجامعات وأن يطلب من الجامعات التحقيق فيها وأن يتلقى الرد المناسب من الجامعات وأن يصدر التوصيات الملائمة بشأنها ويرفعها إلى جهات الاختصاص وهو ما فعلته لجنة التعليم مراراً وهذا كله لا يمس بحال من الأحوال استقلال الجامعات ولا يمثل انتقاصا منه لأن المقصود هو الاستقلال عن السلطة التنفيذية وآلياتها. إلا أن النقابة اتخذت موقفاً مغايراً فى نهاية البيان عندما ناشدت جميع أعضاء هيئات التدريس ومعاونيهم بالجامعات توخى اليقظة والحذر من كل ما يستهدف الوطن ويسعى لإثارة البلبلة والاضطراب فى الجامعات وأن يحذروا المطامع الشخصية والأهواء الفردية التى تلبس الحق بالباطل حتى لا تزيغ الأبصار.