فوائد مهمة عدة كشفتها التقارير التى تلقاها الرئيس السيسى عن الفساد وهى ان مصادرة اموال الفساد وحصيلة الضبطيات تمثل مصدرا مهما للدخل القومى يضاف الى خزينة الدولة وهى فى اشد لااحتياج اليه . ومن هنا وعلى ضوء التطورات التي أعقبت ثورة 25 يناير، والتي كان الفساد أحد أهم أسباب اندلاعها، لم يعد ممكنا السير على نفس المنهج القديم في التعامل مع الفساد. لذلك اختار الرئيس عبدالفتاح السيسي إعلان الحرب على الفساد كمدخل رئيسي للتواصل مع المصريين. ومنذ انتخابه لم يتوقف السيسي عن اتهام الفساد والإرهاب، بأنهما السلاح الأشرس من نوعه لإسقاط الدولة المصرية واستهداف مؤسساتها، لكنه قرر البدء أولا بمحاربة الإرهاب على حساب مكافحة الفساد، ربما لاعتقاده أن التوقيت السياسي والاقتصادي غير مناسب للدخول في معركتين شرستين في آن واحد. لكن مؤخرا، وبالتزامن مع الحرب المتواصلة ضدّ الإرهاب دخلت المعركة الثانية، وأعلن الحرب على الفساد، لا سيما وأن الأجواء السياسية والاجتماعية مشحونة بالغضب جرّاء القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، سواء بتعويم الجنيه أو بتحريك أسعار مختلف السلع والخدمات الاستراتيجية. وقد أدرك الرئيس السيسى وفقا للتقارير التى تلقاها أن تحقيق خطوات إيجابية في ملف محاربة الفساد سوف يقنع الشارع بجدية الدولة فى البناء وسيقضى على كثير من المشكلات التي بدأت تحاصر الدولة. ووفقا لتقديرات موقف مهمة فإن حرب الحكومة على الفساد، كانت الأداة الأهمّ والأقوى لاستعادة نسبة كبيرة من شعبية النظام، لا سيما وأن مختلف فئات المجتمع، سواء المؤيدة أو المعارضة، كانت بحاجة إلى وقائع ملموسة وجادة، للتأكد من حسن النوايا في ما يتعلق بمواجهة الفاسدين في الدولة. كما أن النظام نجح إلى حدّ بعيد في هذه المعادلة الصعبة وفي وقت قياسي، لعاملين أساسيين، الأول أنه أظهر جدية غير معهودة في أنه لا يحمي أحدا، حتى الوزراء، وذلك بعدما جرى ضبط وزير الزراعة السابق واتهامه في قضية رشوة. والعامل الآخر، أنه أعطى الضوء الأخضر للجهات الرقابية، لتبدأ بالشخصيات ذات المراكز القيادية الكبرى، بعيدا عن اسم الجهة التي يعملون فيها، حتى لو كان يُعرف عنها أنها "محصّنة"، لأجل التسريع من وتيرة صدى محاربة الفساد عند الناس. وحدث ذلك مع رئيس محكمة بالإسكندرية، وآخر بأسيوط (جنوب مصر)، ثم مدير أمن محافظة القاهرة، ومؤخرا أمين عام مجلس الدولة السابق الذى انتحر داخل محبسه، وهى أعلى جهة قضائية إدارية في البلاد. ومن هذا المنطلق وبقدرة النظام على اثبات أنه "بحجم وقوة المواجهة مع الفساد والفاسدين" يكون قد وجه رسالة مهمة إلى المصريين، لا سيما وأنه خلال السنوات الماضية، كانت لدى رجل الشارع قناعة، بأن هناك شخصيات وجهات "لا يمكن لأحد الاقتراب منها"، لكن الحكومة الحالية حطمت هذه القاعدة، ما زاد من شعبية النظام بشكل عام. كما أن تأكيد السيسي على أنه لا أحد فوق المساءلة وعدم خشيته من الإفصاح عن تورط أحد عناصر مكتبه في قضية فساد والقبض عليه، كان له أبلغ الأثر في أن يمنح الشارع المصري بعض الأمل في أن الأمور تسير إلى الأفضل وابلغ دليل هو الواقعة الاخيرة التى تم فيها القبض على شخص ادعى انه احد اقارب الرئيس وقام بجمع تبرعات واحتال على المواطنين . وهذا كله يؤكد ان محاربة الفساد في مصر أصبحت لا تتعلق فقط بضبط وقائع رشوة، أو تسهيل وتمرير أمور غير مشروعة، بل امتدّت لتشمل التصدّي إلى تعسف استخدام السلطة، سواء كانت شرطية أو خدمية. وما يؤكد على ذلك ان خبر اعتقال ضابط أو أمين شرطة، والحكم بحبسه لسنوات من الأمور العادية، التي لم يكن ينتظرها رجل الشارع. وقد حرص الرئيس السيسى على تفعيل دور الأجهزة الرقابية، وتحصين خطواتها في التصدي لجمع الثروة من خلال نفوذ البعض في السلطة، واستغلالهم لعلاقاتهم النافذة، وكان ذلك سببا رئيسيا في الفتور العام في مواجهة نظام مبارك، ومسؤوليه ورجال أعماله في أوائل عام 2011. ويريد النظام المصري أن يؤسس لمشروعات قومية وتنموية مؤمّنة من الفساد لأنه يدرك أن التنمية لن يُكتب لها النجاح دون مكافحة للفساد. والدليل على ذلك أن السيسي أصبح يلجأ إلى هيئة الرقابة الإدارية، للكشف عن المشروعات التنموية قبل افتتاحها رسميا، للتأكد من مدى تنفيذها وفق المعايير السليمة، وأن الأموال التي خصصت لها، أنفقت في محلّها دون إهدار أو وجود شبهات من أي نوع. وبلغ الأمر إلى حدّ أن هيئة الرقابة الإدارية، أصبحت تفتّش عن المشروعاتالتي تنفذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة نفسها، وآخرها إعلان محمد عرفان رئيس الهيئة، ملاحظات مفتشي الرقابة على مشروع للاستزراع السمكي، شرق قناة السويس، وكان ذلك على الهواء مباشرة في حضور السيسي وقادة الجيش. مع ذلك فان عملية محاربة الفساد تبدو غير مكتملة،حيث ان الدولة تحارب بسلاح "كشف الفساد بالصدفة"وذلك لان منظومة التشريعات والقوانين المعنية بمعاقبة المفسدين هي نفسها من تحصنهم من العقوبة، أو تحوي ثغرات تجعلهم يفسدون وهم آمنون على أنفسهم. ولا توجد قوانين لحماية الشهود أو المبلغين عن الفساد، حتى أن بعض المتورطين في الرشاوى، يحصلون على البراءة، في حال الاعتراف المبكر بالواقعة ودوافعها. كما ان هناك قانون يتعلق بتحصين العقود التي تبرمها الحكومة مع الأشخاص والمؤسسات، ما يعني أنه حتى وإن كانت تلك العقود فاسدة، فهي محصّنة. وهذه التشريعات تتناقض مع سياسة الدولة الحالية في معركتها ضد الفساد، وتمثل عائقا أمام التنمية، وحتى إن كانت القضايا الأخيرة التي ضبطتها الأجهزة الرقابية أعادت الأمل إلى الشارع، إلا أنه من الحتمي ألا تكون الدولة تسير في طريق والتشريعات التي أقرها البرلمان مؤخرًا تمشي في طريق معاكس. وفى فترات سابقة كانت هناك مراكز قوى كثيرة خفية ومعلنة ترى أنها المحرك الرئيسى للبلاد وتتعامل على أنها القادرة بما تملكه من نفوذ ومال وسلطة وإعلام وشبكات عنقودية منتشرة فى كل ربوع البلاد على إثارة الرأى العام وقتما تريد أو عندما تشعر بأن هناك مساسا بالامتيازات التى حصلت عليها نتيجة فساد العصور السابقة فقد انصهرت وقتها هذه القوى الخفية مع النظام واكلت على موائده . اباطرة الشر يتوهمون دوما ان عقارب الساعة ستعود للخلف لتظهر مراكز القوى فى اقنعة جديدة وتسعى للرقص على جثة الوطن ليس لجمع المال فقط ولكن هنا تعود لإسقاط الدولة وإدخالها فى أزمات يومية من غلاء وارتفاع أسعار ويستغلون ملكيتهم للإعلام فى ترويج حالة من اليأس للمصريين، بالإضافة لبعض الجهات التى تحولت لعائلات يحتكرون العمل بها وأغلبهم اتفق الآن على الوقوف فى وجه الحرب الكبرى التى يقودها الرئيس السيسي لإصلاح ما أفسدته العقود السابقة وحولت مصر لدولة يرى الكثيرون فيها أنهم فوق القانون، بل هم مراكز قوى تحكم البلاد . ومن بين مراكز القوى اباطرة الفساد وحيتان استغلال ثروات البلاد مستغلين ضعف الجهاز الإدارى للدولة وغيبوبة القوانين وتشابكها فمصر بلد القوانين الكثيرة المتشابكة وكل قانون عليه مئات التعديلات، فظهرت لنا فى العقود الماضية حالة كبرى من الفاسدين الذين سيطروا على مئات الآلاف من أراضى مصر وتاجروا بالقوانين وحولوا كل شيء لمصالحهم، فهم ملاك الاقتصاد السرى الخفى .