وكأنما هي مسرحية يعلم كل أبطالها أدوارهم ويحفظون السيناريو ويؤدونه بإتقان فيقف وزير الصحة علي مسرح الأحداث مكشرا عن أنيابه ونافرا عروقه وجاحظة عيناه مؤكدا أن أسعار الأدوية لن تزيد ولو علي جثته ويطلق صيحة عالية من نوعية "لن يلوي أحد ذراعي، وأن الشركات التي يملكها رجال أعمال يريدون أن يمصوا دماء المصريين ويسلبوا أموال المرضي"، فتصفق الجماهير فرحين بالوزير الذي يمثل الحكومة التي تراعي في المقام الأول والأخير الإنسان والمريض المصري وقبل أن ينتهي الجماهير من تصفيقهم الذي زاد من إعياءهم فوق ما تحمله أجسادهم الواهنة من أمراض السكر والضغط والقلب والكلي يخرج أصحاب شركات الأدوية المصرية والأجنبية بصوت واحد لا يقل رغم نعومته عن قوة صوت الوزير مؤكدين إنهم أيضا يخسرون الكثير وأن ما ينتجون ويبيعون طوال سنوات من أدوية رابحة لم يعد هو الوقت المناسب لتظل علي أسعارها الزهيدة كما هي ثم يهدأ صوت أصحاب الشركات ليثنوا علي قرار الدولة في تحرير سعر الصرف وعلي قرار الحكومة في تحويل سعر الدولار الرسمي من 9الي 20جنيه لكنهم يشتكون في الوقت نفسه من زيادة أسعار المواد الخام بما سيؤدي لخسائر فادحة عليهم أن استوردوها الآن وأنتجوا بها أدوية تباع بنفس سعرها الحالي لذا يجب أن تزيد الأسعار وإلا لن يكون أمامهم سوي غلق خطوط الإنتاج، وفجأة يأتي صوت من مكان مظلم بالمسرح ليؤكد أن الدولة ستقف بجوار المواطن وان الرقابة ستكون أشد من أي وقت لضبط الأسعار ومحاسبة المخالفين من الصيدليات، وينسدل الستار ويسود صمت بين الجماهير فيصفق أحدهم إعلانا بانتهاء العرض وكأنه يؤكد انتهاء المسرحية فتتوالي الأيادي بالتصفيق والتشجيع دون أن يفهم معظمهم ما سيحدث بهم في العرض القادم. وزارة الصحة التي قررت في شهر يونيو الماضي زيادة أسعار الأدوية بنسبة تصل إلي 30% مؤكدة أن هذا الأمر في صالح المواطن المصري وفي صالح صناعة الدواء المصرية، لم تكد تمر عليه عدة أشهر حتي اشتكت شركات الأدوية من آثار تحرير سعر صرف الدولار وتعويم الجنيه المصري بما تسبب في تبعات غاية في السوء علي المخزون الاستراتيجي للأدوية والتهديد بإغلاق خطوط أنتاج لأدوية هامة يحتاجها السوق المصري تحت دعوي ارتفاع سعر المادة الخام بعد ارتفاع سعر الدولار. فبعد أن أكد الدكتور احمد عماد الدين راضى وزير الصحة والسكان عدم استجابته لمطالبات شركات الدواء بزيادة أسعار الأدوية، عاد الوزير ورضخ لمطالب وضغوط غرفة صناعة الدواء ورؤساء مجالس إدارات شركات الأدوية، حيث أعلن الدكتور احمد عماد الدين راضى وزير الصحة والسكان في تصريح رسمي الأسبوع الماضي أن هناك 474 شركة قدموا قوائم للأدوية لتطبيق الزيادة عليهم، مشيرا الى ان القوائم تم إعدادها طبقا للنسب المحددة مسبقا وهي 15% من الأدوية المحلية و 20 % من المستوردة، وأكد الوزير بعد اجتماعه بأعضاء لجنة التسعير بمقر الإدارة المركزية لشئون الصيدلية والمنوط بها مراجعة قوائم الأدوية التى تقدمت بها الشركات لتطبيق زيادة الأسعار عليها، موضحا أن زيادة الأسعار لن تشمل أدوية الأمراض المزمنة والتى ليس لها بديل أو مثيل، لافتا إلى أن أعمال اللجنة سوف تنتهي فى موعدها المحدد 12 يناير الحالى، على أن يتم استلام القوائم الجديدة للأسعار فى نفس يوم انتهاء أعمال اللجنة للبدء فى التطبيق ، ومن جانبه أشار الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان بأن هذه الزيادة ستطبق على الأدوية التى سيتم إنتاجها بعد تاريخ صدور القرار ، مشيرا إلى أن جميع الأدوية المنتجة قبل صدور القرار لن يطبق عليها زيادة الأسعار، حيث أكد وجود سعرين للدواء ما قبل موافقة الوزارة سيباع بالسعر المطبوع علي علبة أو غلاف الدواء وما بعد شهر فبراير هو ما سيتم زيادته رسميا بأمر الوزارة ، وحذر متحدث الصحة المواطنين من شراء أى منتج دوائى يتم التلاعب فى تاريخ إنتاجه سواء بالقشط او تعديل التاريخ ، وناشد المواطنين بسرعة الإبلاغ عن طريق الخط الساخن للوزارة 25354150. ومن جانبه تقدم الأستاذ الدكتور محمد علي عز العرب استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد بالمعهد القومي للكبد والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء برؤية عاجلة لتفادي رفع سعر الدواء والمتضمن رفع نسبة 15 % من عدد الأدوية المصرية و20 % من عدد الأدوية الأجنبية بنسب زيادة متفاوتة حسب القيمة السعرية، اعتبارا من أول فبراير، مؤكدا أن الدواء هو قضية أمن قومي، وتضمنت رؤية عز العرب إعادة الهيكلة الفورية لإدارة ملف الدواء بوزارة الصحة، وسرعة دعم شركات الأدوية قطاع الأعمال والبالغ عددها 9شركات لتوفير احتياجات السوق من الدواء بشكل عاجل خاصة وأن الدولة إعلنت عن مناقصة مجمعة دولية للمواد الخام ومدخلات إنتاج لكل صنف دوائي وبالتحديد أدوية الأمراض المزمنة والأدوية الحيوية بما سيؤدي حتما إلي خفض سعر الاستيراد، ودعوة جموع الأطباء لوصف هذه أدوية تلك الشركات وشركات القطاع الخاص المتعاونة والقيام بدورهم الوطني في ذلك ودعما للشعب في هذه المرحلة الدقيقة، مع عودة السعر الدولاري الاستيرادي للشركات المتعاونة، مع البحث (كدولة) عن أسواق جديدة للاستيراد لها كفاءة منتج ومناسبة سعر. وأكد عز العرب ضرورة الدعم الفوري لشركة النصر لتصنيع المواد الخام للأدوية والتي تحتاج حاليا 500 مليون جنيه بصورة ملحة، مع البدء الفوري لإنشاء مصنع مواد خام بمواصفات عالمية مع الاستعانة بالصناديق القومية مثل "تحيا مصر" والجمعيات الخيرية لتحقيق هذا الحلم والحل الفعلي للأزمات المتكررة للدواء في مصر مع التنفيذ التدريجي لخطوات الأخري مثل إنشاء هيئة الدواء المصري، وتقديم الدعم للشركات الخاصة الوطنية المتعاونة في هذا المضمار من امتيازات ضريبية وخفض أسعار الطاقة لهم والحفاظ علي العمالة كأمن اجتماعي، والتفعيل الفوري لهامش الربح الصيدلي وهو حق لهم أصيل وفقا للقرار 449، والتفعيل الفوري للجنة تقصي الحقائق من مجلس النواب للقضاء علي السوق السوداء المنتشرة حاليا بصورة فجة، ودعوة شركات الأدوية للحد من بند الدعاية وتوجيهه لدعم سعر البيع للدواء، وتفعيل آليات التفتيش علي جميع القطاعات والشركات خاصة شركات التوزيع ومخازن الأدوية، واستخدام الباركود فورا لتتبع الدواء الذي سيحد من السوق السوداء والدواء المغشوش، وعمل قاعدة بيانات قوية للأدوية وتحديثها وربطها بكافة المحافظات لضمان عدم حدوث نواقص خاصة للأدوية المؤثرة علي الحياة في أي مكان في مصر، والعمل علي اعتماد مراكز التكافؤ الحيوي دوليا لما سيكون له مردود في رفع نسبة تصدير المنتج المحلي وخفض تكلفة الإنتاج لشركات الأدوية، والتفكير جديا في استخدام الاسم العلمي أو التجاري الدارج للأدوية في الوصفات الطبية وتحديد 3 مثائل فقط لكل صنف دوائي للشركات المتعاونة (كمرحلة اولي) مما سيسهل للطبيب والصيدلي ويحد من الأعباء علي الصيدلي حاليا، وإقرار قانون التجارب السريرية مما سيدعم المشاركة الإيجابية في الأبحاث الدولية مما س يضعنا علي الخريطة الدولية للبحث العلمي لما له من مردود علمي واستثماري عظيم يعلمه القائمون علي صناعة الأدوية، وضرورة الانتهاء من إقرار قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل والبدء التدريجي في تنفيذ آلياته، وزيادة الإنفاق علي الصحة بنسبة تزيد عن 3% من الناتج المحلي تنفيذا للدستور المصري 2014. وتقوم الدولة بمسئولياتها فورا لدعم الدواء عن المريض البسيط (أكثر من 90 % من الشعب) وعدم تحميله أي أعباء في زيادة الدواء نتيجة تعويم الجنيه المصري في 3 نوفمبر الماضي بنفس آليات وفلسفة دعم المواطن البسيط في فرق سعر تكلفة الإنتاج عن سعر البيع والمطبقة في رغيف الخبز (تكلفته 54 قرش ويباع ب 5 قروش للرغيف الواحد)