كيف يفكر هذا الرجل؟ وعلى أي من الأسس يبحث ويجيب باسم الإسلام؟ وما هى معايير الفتوى فى عقل وقلب حجازى محمد شريف أو المعروف بأبو إسحاق الحوينى الداعية السلفىى، عشرات الأسئلة تطرح نفسها وأنت تقرأ فتاوى "الحوينى" الصادمة، وآخرها تلك التى يحرم فيها خروج المرأة من منزلها لإعداد ما أسماه جيل التمكين، بقوله"أن المرأة يجب أن تكون فى منزلها لتربية أولادها وأنه لا يمكن أن توفر فرصة عمل لامرأة وتأخذ وظيفة رجل"، مضيفًا بقوله "لا بد من وجود الأم فى بيتها لتربى أولادها تربية صالحة وتساهم فى إعداد جيل التمكين، والوالد يجب عليه أن يقدم عذره لله عزوجل، إذا كان قد فرط هو بسبب تفريط أبيه -هذه فرضية- فلا يفرط فى ولده، فيجب على الأب تربية أولاده". وكى "يزيد الطين بلة" أعاد كل أزمات ومشاكل بلادنا الى عمل المرأة وخروجها من المنزل، بقوله: "إن محن الأبناء ما بين الأب والأم تتلخص فى سفر الوالد، أو كثرة عمله وانشغاله عن ولده، وفى عمل المرأة وتركها لمنزلها، ونحن نقول: أدخلوا النساء البيوت مرة أخرى وأعطوهن الراتب وهن فى البيوت، أو أعطوهن نصف الراتب، وخذوا النصف الآخر وأعطوه للشباب ليقوموا مقامهن". ومن باب التأكيد عنوة قال: "إن الرجل هو المسئول عن الإنفاق على البيت، فكيف توفر الفرصة لامرأة وتأخذ وظيفة رجل، إذاً: الرجل يعمل ماذا؟ ويصرف من أين؟ هو الذى فى يده القوامة، وشطر القوامة أن ينفق على المرأة، والمرأة ليس عليها ذلك،وإذا كان العمل موفراً للمرأة ويحرم منه الرجل، فما هى النتيجة؟ تجد الرجل يدور،يريد أن ينفق فيبدأ بالانحراف فينضم لأى عصابة من العصابات، فهذا كله فيه فساد فى المجتمع". بمنتهى البساطة حرم "أبو إسحاق" عمل السيدة خديجة رضى الله عنها زوجة النبى محمد فى التجارة وكلنا نعلم سيرة زوجات الرسول، وبمنتهى اليسر خالف "الحوينى" ما أقرت به كل المؤسسات الدينية الرسمية والوسطية، بأنه ليس محرما طالما التزمت المرأة بالآداب العامة وأخلاقيات المجتمع. يبدو أن الشيخ الحوينى الحاصل على ليسانس الألسن فى اللغة الاسبانية، نسي أن كثير من الأمهات يتعرضن لأبشع الأزمات لأنهن لا يعملن ولم يتعملن، وتجاهل ابن قرية "حوين" بكفر الشيخ، أن المرأة تخرج للعمل سواء فى القطاع الحكومى أو الخاص طلبا للرزق والحصول على المال ولتحمل المسئولية، وهناك نماذج كثيرة للنساء يخرجن للعمل من أجل مساعدة ازواجهن، وبالتالى من الصعب جدًا تحريم هذا الأمر، ولكنه "أبو إسحاق" يقول ما يريد وما يراه داخل منزله وكيف كان يعيش والده وزوجاته الثلاثة. ربما فتوى الحوينى ب"تحريم عمل المرأة" هى أسهل بكثير من فتاوى أخرى للرجل، فالبحث فى أرشيف "أبو إسحاق" هو عمل صادم ومفزع، لما يحتويه من فتاوى تحمل تحريم لكل ما هو قائم حولنا، ووصل به الأمر تحريم لبس البنطلونات للرجال، نعم! الشيخ الحوينى قال فى فتوى له على موقعه الرسمي "إن لبس البنطلونات حرام"، وهو ما جاء ردًا على سؤال "هل لبس القميص والبنطال حرام؟ إن كان حراماً فأت لي بالدليل؟.. ليجيب "الحوينى" مستندًا الى قول قديم للشيخ الألبانى:" إن لبسه حرام؛ لأنه ليس من أزياء المسلمين، إنما جاءنا من الكافرين، أضف إلى ذلك أن البنطال يجسم العورة، ولذلك أفتوا -حتى الذين يقولون بعدم حرمة البنطال- بكراهة الصلاة في هذا البنطلون لهذه العلة: أنه يجسم العورة، ويستند الى قول أخر للشيخ ابن باز: إن هذا جائز.. لماذا؟ لأن هذا مما عمت به البلوى في ديار المسلمين، فهذا جائز لكن تكره الصلاة به للعلة السابقة. ليأتى لنا فى النهاية أبو إسحاق بقوله: فأنت إذا اضطررت إلى لبس البنطال لتذهب الجامعة أو إلى العمل -ولا يسمحون لك إلا بذلك- فلا جناح عليك أن تذهب به، لكن إذا رجعت إلى بيتك فاخلعه والبس قميصاً، فالعلماء الذين يقولون: الضرورات تبيح المحظورات، يضيفون قاعدة فقهية أيضاً إلى جنب هذه، فيقولون: الضرورة تقدر بقدرها. وفى الختام يعطيك تشبيهاً فى غاية الصعوبة، بما يعنى كما جاء فى قوله: الضرورة تبيح المحظورات ليست على إطلاقها، رجل عطشان سيموت من العطش وبينه وبين الماء كيلو متر مثلاً، فأمامه خمر، فالعلماء يقولون: لا يجوز له أن يشرب الخمر كله ويملأ بطنه.. ولكن يشرب من الخمر بقدر ما يوصله إلى الماء، وكذلك إذا أكل الحرام يأكل بقدر ما يوصله إلى الطعام الحلال؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات ليس على إطلاقها، إنما تقدر هذه القاعدة بقدر الضرورة وحجمها وزمانها. فتوى الحوينى تعنى أننا كلنا مذنبون كلنا فى الضلال كلنا نصبح ونمسي فى الحرام، ليس لأننا لا نصلى ونتناول الخمر ونلعب الميسر، بل لأننا نرتدى "البنطلون"، وإستكمالًا لفتاوى الداعية الظلامى، فقد خرج علينا يومًا يفتى فيه بحرمانية حلق اللحية، بقوله إن: "الله حرم حلق اللحية" مستشهدا بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: "اعفوا اللحى، وقصوا الشوارب وخالفوا المجوس" وهذا معناه كما ذهب أهل العلم وجوب إعفاء اللحية. وشبه "الحوينى" فى الفتوى التى نشرها موقعه الرسمى على شبكة الإنترنت اللحية بأعلام الدول، قائلا: "اللحية عاملة زى العلم، فكل دولة لها علم، وهذا العلم مبجل عند كل دولة، ولو وجد واحد يسمح حذاءه بعلم الجمهورية يعاقب لأنه أهان رمز الدولة"، مضيفًا: "اللحية جعلها النبى صلى الله عليه وسلم رمزا للمسلم ليميزه عن غيره". وللأسف الشديد، كلها فى النهاية أمور شكلية تبعد كل البعد عن عقل الدين وروحه وأصوله الحقيقية، الحوينى وأمثاله يتعاملوا مع الإسلام بمنتهى السطحية ويصرفوا الناس عن سماحته وأخلاق الحقيقية التى أنزل من أجلها على العالمين، فأمر كاللحية، لا يجوز أن يطلق عليها الوجوب على المسلمين أن يطلقوا لحيتهم باعتبارها أمرا وجوبيا فهى سنة فى الإسلام، والأزهر الشريف هو الذى من حقه إطلاق الفتاوى الدينية، وإطلاق اللحية سنة من حق المسلم أن يطلقها أو يحلقها ولا يعد عدم إطلاقها إثما على المسلم. ومن الأولى أن ينشغل الشيخ بقضايا الوطن، وأن يترك المسائل الفرعية والشكلية فى الدين، كى لا تزيد الانقسامات، وتهدر الأوقات، خاصة وأن السنة الصحيحة هى فى الاهتمام بالقيم العليا والمقاصد الكبرى للشريعة وبالإسهام فى تحقيق النهضة والتنمية والتكافل والرفاهية والتقدم للشعوب والأوطان، وهذا هو الفارق بين المسلم الحقيقى وغيره وليس الفارق فى كونه ملتحيا من عدمه أو يرتدى بنطلوناً أو جلبابًا.