مطالبات بمحاكمته بعد اعترافه بارتكابه جرائم حرب فى العراق الجارديان اعتبرت قرار خوض الحرب في العراق ليس مجرد خطأ أو زلة بل جريمة كبرى يجب أن يحاسب عليها مرتكبوها تحقيق "تشيلكوت" أكد أنه لا يوجد أي مبررٍ للدفاع عن تلك الكارثة التي حدثت في العراق والتي حصدت مئات الآلاف وشردت ملايين البشر خبراء سياسيون أكدوا أن هذه الحرب كانت سببًا في انتشار التطرف فى دول الشرق الأوسط على نحو كارثي بعد 13 عاما من الحرب الأمريكية والبريطانية على العراق خرج علينا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، ليعلن مسئوليته كاملة عن "غزو العراق" وتدميرها، وسلب خيراتها، وأسر أبنائها، وقتل أهلها، واعتقال نسائها، واستيطان القوات البريطانية فيها، وقيامها بارتكاب المجازر بحق شعبها، الأمر الذى حقق مصالح "قوي السر" الطامعة في النفط، وتأمين المحتل الإسرائيلي. وأعلن "بلير" عن مسئولية عن غزو العراق، خلال مؤتمر صحفى للتعليق على تقرير السير جون تشيلكوت حول غزو العراق، قائلًا: "إنه فى بداية عام 2002 كان لدينا معلومات بشأن وجود أسلحة دمار شامل فى العراق، وبالرغم من ذلك أدرك الانقسام فى بلدنا تجاه الحرب، ولكن أشعر بإخلاص على نحو لا يمكن للكلمات أن تعبر عنه لمعاناة أولئك الذين فقدوا أحباؤهم فى العراق، والعراقيين أنفسهم". وأضاف رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، أن المعلومات الاستخباراتية وقت الغزو ثبت خطأها، وما حدث بعد الغزو بدا أنه أكثر تعقيدًا مما كنا نتصور. وتابع: "هذه الأمة (أى العراقيين) التى أرادنا أن نُحرر أبنائها من أشرار صدام حسين تحولت إلى ضحية للانقسامات الطائفية، وبسبب كل هذا فأنا أعبر عن حزنى، وأسفى، واعتذارى، إلى حد قد لا تصدقونه". ومن جانبها، علقت صحفية "الجارديان" البريطانية على "تقرير تشيلكوت" الأخير حول قرار "بريطانيا" خوض الحرب في "العراق"، والمراسلات بين "توني بلير" والرئيس الأمريكى آنذاك جورج بوش، قائله إن الحرب على العراق ليست مجرد خطأ، أو زلة بل "جريمة كبرى"، وذلك من خلال مقال للكاتب "أوين جونز" الذى قال إن تحقيق "تشيلكوت" كان على وشك أن يصبح مرادفًا للسخرية؛ نظرًا لطول الوقت الذي احتاجه التحقيق لتنفيذ مهمته، إلا أن السير "جون تشيلكوت" سيدخل التاريخ، بكل تأكيد؛ بسبب تقريره الأخير بحق رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. وأوضح أنه لا يرى أي مبررٍ مقبول للدفاع عن تلك الكارثة التي حدثت في العراق، والتي حصدت مئات الآلاف من الأرواح، والمصابين، وشردت ملايين البشر، كما كانت سببًا في انتشار التطرف على نحو كارثي. وأشار إلى أننا يجب أن نتعلم من "تشيلكوت" أن نكون أكثر جرأة في تحدي السلطة، وأن نكون متشككين في الروايات الرسمية، وأن نقف بحزم ضد الأجندة التي تحاول وسائل الإعلام نشرها، موضحًا أنه لا يجب أن يُترك من دعموا تلك الحرب ليفلتوا بفعلتهم؛ فتلك العواقب كانت واضحة قبل بداية الحرب. ويرى "جونز" أن ما فعله "تشيلكوت" وضح تمامًا أن الحركة المناوئة للحرب في بريطانيا كانت على حق، ولم تتبنَ نظريات مؤامرة؛ كما وُجِهت لها الاتهامات بذلك. وأضاف الكاتب أنه قبل بداية الحرب بأسابيع، قال "آلان سيمسون"، البرلماني البريطاني المناهض للحرب، وعضو "حزب العمال":"يبدو أن لدينا حكومة تبحث عن ذريعة للحرب، بدلًا من تفاديها"، وهو ما كشف عنه تحقيق تشيلكوت؛ إذ قال توني بلير لجورج بوش في يوليو عام 2002 سأقف إلى جانبك مهما حدث". وأضاف أن تقرير "تشيلكوت" أظهر أن الحرب في العراق كانت خيارًا، ولم تكن الملاذ الأخير، كما برر "بلير" وهو ما كان واضحًا للبعض، مثل البرلمان آلان سيمسون، وجاء التقرير؛ ليؤكد أن تلك الحرب جاءت على أساس "معلومات استخباراتية وتقييمات خاطئة"، وأنه كان يجب الطعن فيه. وتابع الكاتب:"تعددت التحذيرات من حرب العراق، فقبل شهر واحد من الغزو، حذر السيناتور الأمريكي جاري هارت من تلك الحرب، وأكد أنها ستزيد من خطر الإرهاب؛ إذ قال "نحن ذاهبون لركل عش الدبابير، ونحن لسنا مستعدين لذلك، في هذا البلد". واستشهد "جونز" بما ذكره موقع Dissident Voice المناهض للحرب قبل شهر من اندلاعها قائلًا:"إن هجوم الولاياتالمتحدة، واحتلالها للعراق سيمنح مصدر إلهام جديد –وفرصة لانضمام أعضاء جدد – لتنظيم القاعدة، وغيرها من المجموعات الإرهابية، وسيحفز المزيد من الأعمال الإرهابية على المدى البعيد، سواء كان ذلك على الأراضي الأمريكية، أو بحق مواطني الولاياتالمتحدة حول العالم". وأكد الكاتب أن تقرير "تشيلكوت" جاء صريحًا في تلك النقطة، قائلًا: "تم تحذير توني بلير من أن ذلك الغزو سيزيد من التهديدات الإرهابية لتنظيم القاعدة، وغيرها من التنظيمات". وأكد "جونز" رغم زعم توني بلير أن عواقب الحرب لم تتضح إلا بعد فوات الأوان، إلا أن منظمات مثل Christian Aid حذرت من فوضى عارمة، ومعاناة تستمر طويلًا في العراق بعد انتهاء الضربات العسكرية. وسخر الكاتب قائلًا:"إن منظمة إغاثة كان لديها رؤية أفضل بكثير من رئيس الوزراء، والذي ذكر في حديث سابق له أن 99% من العراقيين سيستقبلون الجنود بالورود". وأوضح "جونز" أن تقرير تشيلكوت جاء لينفي مزاعم بلير الهزلية بشكل قاطع؛ إذ إن تهديدات، مثل التدخل الإيراني، ونشاط "تنظيم القاعدة" كان من الممكن استنتاجها بسهولة قبل الغزو؛ عندما استقال وزير الخارجية البريطاني "روبين كوك" من الحكومة قبل الغزو، وقال:"لا تملك العراق أسلحة دمار شامل بالمعنى المعروف لها على الأغلب". وأكد الكاتب أن كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، وصف غزو العراق ب"غير القانوني"، كما أن المذكرة الأصلية للمدعي العام البريطاني، "اللورد جولد سميث"، كانت تقول إنه دون قرار ثانٍ من مجلس الأمن، تكون تلك الحرب مخالفة للقوانين الدولية. وأكد الكاتب أن تقرير تشيلكوت ذكر أن جولد سميث غير رأيه بعد ذلك في ظروف غامضة. وتابع "جونز" أن شرعية تلك الحرب ربما لا تدخل ضمن اختصاصات تشيلكوت، إلا أن التقرير توصل إلى أن ما استندت عليه الحكومة، كقاعدة قانونية، يبدو "غير مُرض". واستطرد جونز :"أننا نقول دائمًا إن حرب العراق كانت قائمة على الأكاذيب، وعلى الرغم من أن تقرير تشيلكوت لم يتهم "بلير" بالكذب بشكل مباشر، إلا أن هناك الكثير من التساؤلات حول ذلك الأمر، إذ كان بلير قد قرر منذ فترة طويلة خوض تلك الحرب التي اعتمد فيها على أدلة مشكوك في صحتها لتبرير موقفه، وهو ما يضعه في موقف حرج، خاصة مع توقع الكثيرين لهذه النتائج الكارثية، ومن بينهم 139 من أعضاء حزب العمال في البرلمان". ولفت الكاتب إلى الدور الذى قام به الإعلام في تلك الحرب، قائلًا:"كان للإعلام يد أساسية في دفع تلك الحرب، كما أن من عارضوا، أو انتقدوا تلك الحرب بداية من السياسيين، وصولًا إلى مديري هيئة الإذاعة البريطانية BBC كانوا هم من يفقدون وظائفهم". واختتم الكاتب، قائلًا: "إن مقتل 250 عراقي مؤخرا في تفجير لسيارة مفخخة بمنطقة "الكرادة"، يُمثل تذكيرًا بالفوضى التي كان توني بلير سببًا فيها؛ إذا أن تلك الحرب لا يمكن اعتبارها كخطأ أو زلة، بل هي إحدى أكبر الجرائم في العصر الحالي؛ بالنظر إليها من أي منظور أخلاقي، بغض النظر عما يقرره القانون بشأنها، وأن تلك الحرب يجب أن تظل لعنة على من خاضوها، وعلينا من الآن أن نشير إليهم بالإسم". وبعد تقرير السير جون تشيلكوت حول غزو العراق، وإعلان "بلير" المسئولية كاملة عن الكوارث التى حدثت فى العراق، يبقى السؤال الأهم، والأصعب، "هل يمكن محاكمة بلير؟" هذا أصعب سؤال لأنه ما هى أهمية التقرير إذ لم يكن هناك إمكانية لمحاسبة المتورطين فى شن حرب أدت إلى مقتل، وجرح، وتشريد الملايين؟ ويذكر بعض المحللين السياسيين أن هناك صعوبات موضوعية أمام محاكمة بلير، أولها تعريف التهمة الموجهة إليه، فإذا كانت التهمة "جريمة العدوان"، فسيكون من المستحيل محاكمته، لأن جريمة العدوان التى تحاسب عليها المحكمة الجنائية الدولية فى روما لم يتم تعريفها، ووضع أركانها إلا عام 2010، أى بعد حرب العراق، وهى لم تدخل حيز التنفيذ بعد، ويعتقد أنها ستدخل حيز التنفيذ عام 2017، لكن القاعدة القانونية القائلة إنه لا يمكن تطبيق مبدأ، أو قاعدة قانونية بأثر رجعي، تُعنى أن جريمة العدوان لن يُمكن أن تستخدم لمحاكمة بلير. أما بالنسبة لجريمة سوء السلوك فى الوظيفة العامة، فيرى البعض أنه من عدم المسئولية تشجع أهالى الضحايا على الاعتقاد أنه يمكن محاكمة بلير بها، فتقرير "تشيلكوت" لا يفتح الطريق أمام هذا بإستنتاجه أن "بلير" تصرف بنوايا حسنة برغم الأخطاء الخطيرة فى تقييم الوضع فى العراق بعد الغزو، وضعف الأدلة الاستخباراتية. وأمام صعوبة محاكمته، يطالب البعض باستجوابه أمام البرلمان لمنعه من تولى أى مناصب عامة فى المستقبل، لكن هذا سيكون صعبا أيضًا، فآخر مرة تم استجواب مسؤول أمام البرلمان كان عام 1806، ومع ذلك لم يفقد أهالى الضحايا الأمل فى محاكمة بلير. وقال مكتب محاماة "ماثيو جوري" الذى يُمثل بعض أهالى الضحايا البريطانيين، إنه لابد أولًا من فحص تقرير تشيلكوت بعناية قبل الإقدام على أى خطوة، موضحًا أن هذا قد يستغرق أسابيع، أو شهور. وقال المحامى الحقوقى البارز، جيفرى روبرتسون، إن الخيار الوحيد الواقعى هو أن يذهب أهالى الجنود البريطانيون إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، ويطالبونه بإدخال جريمة العدوان فى القوانين البريطانية، والتصديق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لإعطائها سلطة محاكمة أى زعيم مستقبلى يفكر فى شن حرب غير قانونية. وأضاف: "لو كانت جريمة العدوان محددة فى 2003، لفكر بلير مرتين قبل شن الحرب على العراق". وتابع "روبرتسون" أن بريطانيا تحت الضغط من دول العالم التى تريد التصديق على جريمة العدوان بوصفها ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، فهناك 30 دولة صدقت بالفعل، و30 دولة أخرى قالت إنها ستصدق على اعتبار العدوان جريمة يمكن ملاحقة المتورطين فيها، لكن أمريكا لا تريد التصديق، ولا تريد من بريطانيا التصديق". واستطرد "روبرتسون" أنه إذا استطاع أهالى الضحايا دفع كاميرون للتصديق مستغلين قوة موقفهم الأخلاقى فهذا سيكون "أهم نصب تذكاري" يُمكن أن يُقام لهم، وللضحايا العراقيين، لأنه سيُساعد على منع جرائم مماثلة فى المستقبل.