أكدت مجلة إيكونوميست البريطانية فى مقال لها على لسان روبيرت جيتس، محرر الشؤون الأمريكية , أن النصر لن يكون حليف أي طرف مشارك في الحرب السورية، وأن الأولوية اليوم يجب أن تكون لإنهائها على وجه السرعة. ويلفت جيتس في بداية مقاله لعمل فني يجتمع عشرات من الشبان الروس على تصميمه من أجل تمجيد رئيسهم، فلاديمير بوتين. ويرى الكاتب أن "البروبوجاندا الروسية" تعطي أفضل فكرة عما يسعى بوتين لتحقيقه. فالرئيس الروسي، ومن أجل صرف أنظار أبناء شعبه عن الاقتصاد الروسي المتردي، شن سلسلة من الأعمال الحربية، وضم إقليم القرم الأوكراني لأراضيه، وعمل على زعزعة الاستقرار في جارته أوكرانيا، ومن ثم بدأ حملة قصف جوي في سوريا. ويُعتبر بوتين من أكثر القوة تدميراً في الحقل الجيوسياسي، خاصة بعد أن خاض الحرب في سوريا. على العالم أن يشهد كيف ستكون عليه نتيجة تلك الحرب، في العام المقبل. ويلفت جيتس إلى ادعاء بوتين بأنه يحارب داعش، ولكن قصفه وصواريخه استهدفت جماعات معارضة أخرى. ويبدو أن هدفه المؤكد هو دعم نظام الأسد، آخر حليف لروسيا في الشرق الأوسط، ولحجز معقد لبلاده حول مائدة المفاوضات بشأن سوريا. ويشير الكاتب لما يقوله الساخرون بأن بوتين لا يمكن له إلا أن يجعل الوضع في سوريا أسوأ مما هو عليه اليوم. فقتل في تلك الحرب الأهلية 250 ألف ضحية، وهجر نصف السكان منازلهم، وتوزعوا على دول مجاورة، وبعضهم لجأوا إلى أوروبا. ويقول بعض المتابعين بأن الأسد قد يكون سيئاً، ولكن قلب نظام حكمه يمكن أن يقود لما هو أسوأ، بحيث يُخشى من تحول سوريا لليبيا أخرى، ولوقوع مجزرة بحق طائفته من العلويين، ولتقوية داعش. لكن، برأي جيتس، بمقدور بوتين أن يزيد الطين بلة. فهو لن يربح تلك الحرب، ولكن في ظل غياب قوة أمريكية قوية، يستطيع منع هزيمة الأسد. وتحتاج أمريكا لوقف الفراغ في السلطة. ولو تدخل باراك أوباما في بداية الحرب، لربما نجت سوريا من الفوضى التي تعيشها حالياً. وكان إنذاره للأسد بأن استخدامه للسلاح الكيماوي ضد شعبه سيكون" خطاً أحمر"، ومن ثم عدم التحرك عندما تجاوز الأسد ذلك الخط، كان ذلك أكبر خطأ ارتكبه أوباما في سياسته الخارجية، لأنه أظهر ضعف إرادة قوى عظمى. ويقول الكاتب إنه بعد قرابة خمس سنوات على اندلاع حرب أهلية، يبدو اليوم من الصعب فك رموز ما يجري في سوريا. فإن أقوى تنظيمين مقاتلين، داعش وجبهة النصرة، فرع للقاعدة، سيئان كنظام الأسد. ولا يصح وصف مجموعات أخرى مقاتلة بأنها منقسمة، لأن هناك قرابة 7000 مجموعة. وحاولت أمريكا إنشاء قوة معتدلة، ولم تفلح. إذ في نهاية عام 2015، لم يبق سوى ستة مقاتلين ممن دربتهم أمريكا، ويقاتلون فعلياً في سوريا، وهو عدد لا يكفي لمراقبة حاجز تفتيش. وقررت أمريكا التخلي عن برنامج تدريبها، واستبدلته بدعم بعض القوات العسكرية، والتي حققت بعض التقدم على الأرض. ويرى الكاتب أن جميع الخيارات للعام المقبل سيئة. ويجب أن تكون الأولوية بالنسبة للغرب هو وقف الحرب السورية. ومن أجل تحقيق هذا المطلب، يجب أن يكون الناتو أكثر حزماً. وإن رئيساً أمريكياً أشجع كان سيفرض، ومنذ وقت طويل، منطقة آمنة يحظر فيها القصف، وملاذات آمنة لمشردين سوريين. كما يفترض بأمريكا أن تضاعف دعمها لمجموعات أقل تطرفاً، بما فيهم ليس من يقاتلون داعش وحسب، بل من يريدون حماية مناطقهم من جيش الأسد. وبري جيتس، عندما تفرض أمريكا حقائق جديدة على الأرض، ستكون في موقف أفضل من أجل التفاوض لإنهاء الحرب. وذلك يعني التحاور مع جميع القوى التي تشارك في الصراع، ومنهم روسيا وإيران وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية. ومن أجل جلب روسيا نحو مائدة المفاوضات، قد تحتاج أمريكا لتأجيل البت في قضية متى يرحل الأسد. وفيما ترغب جميع الدول بدحر داعش، فإن معظم تلك القوى تعتبر ذلك هدفاً ثانياً. وفيما يدرك الجميع كيف تورط الجيش الأمريكي في شمال العراق، فإنه ما من أحد يرغب في الخوض في ذلك المستنقع.