المزاج الشعبي راض عن "السيسي".. وهناك مخاوف من اندلاع حرب أهلية على غرار سوريا الكتلة الحرجة تخشى تحول مصر إلى الانهيار التام حال قيام ثورة ثالثة على واشنطن أن تضع في الاعتبار أن الآمال الرومانسية التي كان كثير من الأمريكيين يعقدونها للقاهرة تنطوي على قدر كبير من الألم بالنسبة للمصريين المساعدات العسكرية هى حلقة الوصل الوحيدة بين البلدين ووقفها سيتسبب فى تأزم العلاقات الثنائية بعد مرور أربع سنوات على ثورة 25 يناير 2011 يبدو أن المصريين قانعين بالواقع الحالي ولا يريدون المخاطرة بثورة جديدة رغم عدم تحقق مطالب الثورة ،والمزاج الشعبي يتجه إلى الإبقاء على السيسي لحين نهاية فترته الرئاسية.. هذا ماشدد عليه الكاتب والباحث الأمريكي إريك تريجر في مقال له نشر على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى , مؤكدا أن المصريين أصبحوا يخشون حتى من التغيير الذي قد يحدث في بلادهم والذي قد يغير محتوى معيشتهم في بلد مكسورة يرون أن وضعها الحالي أفضل من الإنهيار. وأضاف تريجر أنه قبل أربع سنوات في وقت الظهر وقف على الجانب الآخر من دار القضاء العالي بوسط القاهرة والتي تبعد ما يقرب من ميل واحد شمال ميدان التحرير ،وكان وقتها الشباب المصري يدعون إلى احتجاجات واسعة ضد وحشية الشرطة في عيدها يوم 25 يناير 2011 ،وفي تلك اللحظات كانت الشرطة تحيط بحوالي ثلاث مجموعات صغيرة من المتظاهرين ،ولكن بضع مئات من متظاهرين آخرين جاءوا من الشمال ليشكلوا كتلة كبيرة طغت على أعداد الشرطة ،وحاولت قوات مكافحة الشغب منع تقدمهم ولكن سرعان ما أدركت أن الأعداد تفوق قدراتهم ،ووصل الموكب المتعاظم أخيرا إلى ميدان التحرير ،والعجب أنه رأي أحد ضباط الشرطة الشباب يلتقط صورة للحشود بدلا من قمعهم ،حيث يبدو أنه أدرك أنه أمام لحظة تاريخية أراد أن يحتفظ بها للأجيال المقبلة. وبمرور الوقت قلت قصة الحشود كثيرا منذ ثورة 2011 ،بعد أن اعتاد المناضلون الثوريون الشباب أن يشعروا الشارع بالخجل واستغلوا دهائهم ووسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة الجماهير من عدة اتجاهات لتفوق أعدادهم أعداد الشرطة في وسط القاهرة كما حدث في 25 يناير2011. ووفقا لتريجر فإن ما حدث يوم 25 يناير كان يعني انهيار دولة استبدادية في الواقع ،فالاستخبارات المحلية فشلت في توقع المظاهرات ،والحزب الحاكم المستبد فشل في حشد مؤيدين له لدعم نظام مبارك ،وقوات الشرطة خافت كثيرا من الحشود ثم انهارت تماما بعد أربعة أيام فقط من الاحتجاجات وبعد أربع سنوات لا يزال إرث الانتفاضة متواجد في مصر ولكن لم تتحقق أيا من المطالب الثورية ،فالدولة المصرية اتجهت إلى مزيد من التدهور ولا تزال مكسورة حتى اليوم نتيجة هذه التجربة ،وكثير من المصريين أصبحوا يخشون من التغيير معترفين أن دولة مكسورة أفضل من متدهورة. وأكد تريجر أن الدولة المصرية لم تنهار فجأة أثناء ثورة 2011 ،رغم أن هناك بيروقراطية متضخمة منذ عقود ،فوفقا للبيانات هناك أكثر من ستة ملايين موظف في 32 وزارة ،وقوانين العمل في مصر تجعل من الصعب رفد العاملين بالحكومة ،إضافة إلى ذلك فإن مصر تفتقر إلى عملية التنسيق بين الوزارات من خلال قوانين تخلق الكثير من البيروقراطية التي غالبا ما تتسبب في تأخير القرارات الكبرى إلى أجل غير مسمى ،مما يسهل عملية الفساد ،ونتيجة لذلك كان نظام العمل الحكومي في مصر يعتبر برنامج كبير للرعاية فهو يغذي الملايين من الموظفين وعائلاتهم ولكن في نفس الوقت يقدم نموذجا لانعدام الكفاءة. وأضاف تريجر أن انعدام الكفاءة هذا كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 2011 ،إضافة إلى ذلك كان يأمل المصريون في حكم أفضل ،بعد احتجاجات واسعة حفزت الانهيار التام للدولة التي كانت ضعيفة بالفعل ،وكان هناك غضبا خاصا على الأجهزة الأمنية. واستمر تريجر في وصف الأيام الأولى لثورة 25 يناير قائلا إنه بحلول يوم 28 يناير كانت الشرطة المصرية قد غطت ميدان التحرير بالقنابل المسيلة للدموع ،ولكن الاحتجاجات نمت بعد أن قررت جماعة الإخوان المسلمين المشاركة في مساء ذلك اليوم ،وفرت الشرطة كما هاجم المحتجون مراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد واقتحمت الشارع الذي تتواجد فيه مقر وزارة الداخلية قبل أن يتدخل الجيش لحمايتها. وبينما رحب الكثير من المصريين في البداية بالمجلس العسكري الذي كان قوة للاستقرار ،ولكن حكومته فشلت في إعادة بناء الدولة المصرية ،وكان ذلك يرجع نسبيا إلى الاحتجاجات التي استمرت لشهور بعد الثورة ،وشارك فيها الجميع من ضباط الشرطة لرجال الدين بالأزهر والذين خرجوا للشوارع مطالبين بزيادة الأجور وقدر أكبر من الاستقلالية. وساهم انعدام الأمن مع وجود الحكومة الانتقالية في مزيد من انهيار الدولة ،كما تم القبض على وزراء عهد مبارك ومحاكمتهم بتهم الفساد ،وخشي الوزراء التكنوقراط الجدد من أن يعانوا من نفس مصير الحكومة التي تم الإطاحة بها ،وبالتالي رفضوا اتخاذ القرارات الكبرى ،وكانت الحكومة الجديدة وقتها مترددة في إجراء إصلاحات التي رأوا انها يمكن أن تكون سببا في الدعوة للاحتجاجات الشعبية ،لذلك استمرت البيروقراطية المتضخمة وانخفض الاحتياطي النقدي في مصر تحت وطأة الرواتب والإعانات ،وعلى نفس المنوال خشي المجلس العسكري أن يكون هدفا لانتفاضة جديدة إذا حرص على تمكين الأجهزة الأمنية بالقوة خلال الستة عشر أشهر التي أعقبت الإطاحة بمبارك ،إضافة إلى زيادة جرائم العنف الطائفي بشكل كبير وانهارت الدولة المصرية بشكل أكبر في عهد محمد مرسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 ،وكان السبب في ذلك الطبيعة الخاصة للإخوان ،وهي طبيعة طليعية ذات نظام هرمي عميق تهدف إلى مقاومة النفوذ الغربي من القاعدة حتى القمة ،كما أنها تعمل على أسلمة الفرد من خلال برامج جامدة للتلقين خلال خمس إلى ثمان سنوات ،ثم أسلمة المجتمع من خلال إيفاد الإخوان لتجنيد أعضاء جدد مستغلين الخدمات الاجتماعية ،وكانت تهدف إلى إقامة دولة إسلامية عالمية تتألف من عدة دول أخرى تديرها الجماعة ،والتي سوف تحد من النفوذ الغربي على العالم. وقال تريجر إن هذه النظرية تبدو خيالية لكسب قوة عالمية ،ولكن تعيين الإخوان في أعلى مناصب الدولة كان في حد ذاته ذا تأثير تحولي لأن مصر بهذه الحالة كانت تحت حكم إسلاميين ،وليس حكم المباركيين الفاسدين، ولكن الحال في الواقع لم يكن بهذا الشكل فالإخوان لم يكونوا أصحاب خبرة حكومية وخسروا السيطرة على الوزارات والمحافظات . وفي الوقت نفسه نفرت شرائح واسعة من الشعب من مرسي لاسيما في نوفمبر 2012 عندما أصدر إعلانيا دستوريا إسلاميا وصدق عليه ،وقمعت الشرطة في البداية المظاهرات المناهضة للرئيس الإخوانى وساعدت جماعة الإخوان في مواجهة المتظاهرين خارج القصر الرئاسي ،ولكن بحلول ربيع 2013 كانت كراهية الشعب لمرسي قد زادت بشكل كبير وحفزت الشرطة للتحول ضد الإخوان وكان هناك رغبة في ثورة ثانية لذلك عندما خرج الملايين بشكل غير مسبوق من المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو 2013 للمطالبة بالإطاحة بمرسي ،سار معهم العديد من ضباط الشرطة بزيهم الرسمي ،ورفضوا العودة للعمل إلابعد الإطاحة بالرئيس الإخواني ،وفي الوقت نفسه شاركت مؤسسات الدولة الأخرى في الثورة وكثير من وزراء مرسي استقالوا من مناصبهم ،وبمرور الوقت أعلن وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي الإطاحة بمرسي في 3 يوليو ،وأصبح مرسي رئيسا بالاسم فقط ولم تكن له السيطرة على أرض الواقع والتي جعلت من الإطاحة به أمر لا مفر منه. وأشار تريجر إلى أن الكثير من المحللين أكدوا أن تكتل مؤسسات الدولة ضد مرسي يثبت وجود دولة عميقة والتي يمكنها السيطرة على الأمور من وراء الكواليس ،وبينما أكد السيسي منذ توليه المنصب على أولوية إعادة بناء الدولة إلا أنها لا تزال مكسورة. إضافة إلى ذلك فإن رصد الهوس في وسائل الإعلام بالرئيس السيسي يعكس انعدام الأمن فيها ،ووفقا لأحد الإعلاميين المصريين كما يقول تريجر فإن السيسي يسعى للتأثير على الإعلام من خلال لقاءاته بها. ومع ذلك فإن السيسي على ما يبدو باق في السلطة وهذا يرجع إلى أن الحكومة تؤدي بشكل أفضل تحت قيادته في بعض النواحي الهامة ،فقد تضاءل النقص في الخبز ،إضافة إلى أن نظام البطاقة الذكية لتوزيع الخبز المدعم يتم تنفيذه بشكل جيد ،كما استطاع السيسي اتخاذ قرار خفض الدعم على الطاقة وهذا يرجع جزئيا إلى نجاحه في قمع المعارضة بما فيها جماعة الإخوان وأوضح تريجر أن أحد الأسباب القوية لبقاء السيسي هو المزاج الشعبي الذي هو مزيج من التعب والإغاثة ،بعد أن استنفذت الاضطرابات قوة المصريين خلال أربع سنوات ،وفي نفس الوقت هناك رضا بأن مصر لم تعان من الفوضى المدمرة التي عانت منها كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن ،في حين أن العديد من المشكلات الاقتصادية والديموجرافية التي تسببت في ثورة 2011 لم تحل ،وهناك عدد كبير من الكتلة الحرجة من المصريين يفضلون دولتهم المكسورة بدلا من إدارة العجلة مرة أخرى والمخاطرة بالمزيد من الانهيار. وأوضح تريجر أن واشنطن يجب أن تضع في الاعتبار أن الآمال الرومانسية التي كان كثير من الأمريكيين يعقدونها لمصر التي تبعد عنهم حوالي 6 آلاف ميل تنطوي على قدر كبير من الألم بالنسبة للمصريين الذين عاشوا عواقب مترتبة على ثورة 2011 وبعد أربع سنوات فإن كثير من المصريين حذرين جدا من أن نطلب منهم أي شيء ليفعلوه. وقال تريجر إن عدم اهتمام الشعب المصري بانتفاضة جماهيرية أخرى لا يعني أن نظام السيسي مستقر تماما،فبعد كل شيء يعتمد هذا النظام على دولة مكسورة ومحاولة الإصلاح تحمل مخاطر هائلة ،على سبيل المثال قرار تخفيض رواتب كبار موظفي الدولة ،وكذلك فكرة إصلاح وزارة الداخلية التي يمكن أن تستعدي الشرطة عليه. ولهذا السبب فإن أفضل شيء تفعله واشنطن وفقا لتريجر هو الحفاظ على سياستها مع مصر ،فمن الواضح أنه لا يمكن ان تكون الدولة مستقرة دون الإصلاح السياسي والاقتصادي ،ومن الصعب أن تدفع الولاياتالمتحدة بأجندتها في بلد تخشى حكومتها وشعبها من التغيير ،ويجب على أمريكا التركيز على إعادة بناء الثقة مع القاهرة من خلال التأكيد على أساسيات هذه العلاقة ،وهي المساعدات العسكرية وهذه الصيغة المستمرة منذ ثلاثة عقود ستكون مرضية تماما بالنسبة للتحديات التي تواجهها مصر.