قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: إن الكثير من المصريين أصبحوا يخشون التغيير بشدة، على الأقل فى الوقت الراهن، لدرجة أنهم قانعون بالعيش مع ما أسماه التقرير دولتهم المكسورة، والتى يرون أنها عرضة لمزيد من الانهيار. وأضاف المعهد فى تقرير لباحثه الخبير فى الشأن المصرى، إريك ترايجر، إن قصة الثورة المصرية كثيرًا ما تم تناولها من منظور الشباب الثورى، الذى استغل الشارع ومواقع التواصل الاجتماعى لحشد الجماهير من عدة اتجاهات ليواجهوا الشرطة فى وسط القاهرة، إلا أن الربيع العربى فى مصر هو أيضًا قصة انهيار دولة استبدادية، بل هى قصة أجهزة استخبارات محلية فشلت فى التنبؤ بالمظاهرات، وحزب حاكم مستبد فشل فى حشد رد متسق لدعم نظام حسنى مبارك، وقوات شرطة أبدت علامات الاندفاع منذ اليوم الأول للثورة ثم انهارت تمامًا بعد أربعة أيام من الاحتجاجات. وبعد أربع سنوات، يظل هذا إرث الثورة المصرية، وفى حين أن أحلام شباب الثورة لم تحقق أبدا، فإن الدولة المصرية شهدت مزيدا من الانهيار وتظل مكسورة حتى الآن، ونتيجة لهذه التجربة، فإن كثيرا من المصريين لا يزالون يخشون التغيير. وتابع قائلا: إن الدولة المصرية لم تنهر فجأة فى عام 2011. فقد كانت بيروقراطيتها متضخمة منذ عقود، فكما يقول الصحفى محمود سالم، هناك أكثر من ستة ملايين موظف يعملون فى 32 وزارة، وتصعب قوانين العمل المصرية فصل موظفى الحكومة، فضلا عن ذلك، فإن مصر تفتقر للتنسيق بين الوزارات والقوانين الداخلية للوزارة أدت تأخير قرارات هامة لأجل غير مسمى إلا عندما يسهل الفساد الأمر، واتسمت الحكومة بعدم الكفاءة، وكانت هذه أحد الأسباب الرئيسية للثورة. وزاد انهيار الدولة فى ظل حكم المجلس العسكرى، وأكثر بعد انتخاب محمد مرسى رئيسًا فى عام 2012، وذلك بسبب طبيعة الإخوان، فهم تنظيم هرمى يهدف إلى مقاومة النفوذ الغربى من القاعدة صعودا، وتعلم على أسلمة الفرد من خلال برنامج تلقين يستمر من خمسة إلى ثمانية أعوام، ثم أسلمة المجتمع من خلال الخدمات الاجتماعية، ثم أسلمة الدولة بفوزها فى الانتخابات وتعيين أعضائها فى مناصب السلطة، وأخيرًا إقامة الدولة الإسلامية العالمية، التى تتألف من دول أخرى تديرها الإخوان ستتحدى هيمنة الغرب على العالم، وقد حاول مرسى وإخوانه تطبيق تلك النظرية خلال الفترة القصيرة، التى قضوها فى الحكم، واعتقد الإخوان أن تعيينهم فى أرفع المناصب الحكومية سيكون فى حد ذاته ذا أثر تحولى لأن مصر سيحكمها الآن إسلاميون وليس المباركين الفاسدين، لكن الأمر لم يكن كذلك، فالإخوان لم يكن لديهم خبرة فى الحكم، وفى كثير من الأحوال فقدوا السيطرة على من عينهم مرسى. وفى الوقت نفسه نفر مرسى شرائح كثيرة من المجتمع المصرى فى نوفمبر 2012 بإعلانه الدستورى، الذى منحه صلاحيات مطلقة، واندلعت احتجاجات معارضة لمرسى فى ربيع عام 2013، فشعرت الشرطة أن المد كان يتحول ضد الإخوان، ولم تكن مستعدة لخسارة ثورة ثانية، ولذلك ساندت الشرطة المتظاهرين، الذين طالبوا بالإطاحة بمرسى وشجعت المحتجين، واستقال الكثير من وزراء مرسى. ورأى كثير من المتظاهرين أن وقوف مؤسسات الدولة ضد مرسى والإخوان يثبت وجود الدول العميقة، التى تستطيع التحكم بالأمور من خلف الكواليس، لكن وحدة تلك المؤسسات ضد مجموعة من الخصوم لا ينبغى أن يطبق عليه مصطلح الدولة العميقة. وفى حين أن عبد الفتاح السيسى أكد منذ توليه الرئاسة فى يونيو أولية استعادة الدولة إلا أنها لا تزال مكسورة. وتابع ترايجر قائلا: إنه فى حين أن الرأى العام المصرى لا يريد ثورة جديدة، فهذا لا يعنى أن نظام السيسى مستقر تمامًا، مشيرًا إلى أن النظام الحالى يعتمد على دولة مكسورة وتنطوى محاولة إصلاحها على مخاطر شخصية، فلو قام السيسى بتخفيض المرتبات سيصبح ملايين المصريين يائسين، ولو حاول إصلاح الشرطة، سيخاطر بتنفيرها وتحفيز مزيد من انهيار الدولة. وختم ترايجر تقريره قائلا: إن أفضل سياسة أمريكية تجاه مصر هى سياسة محافظة. وفى حين أنه واضح أن مصر لا يمكن أن تكون مستقرة بدون إصلاح سياسى واقتصادى، فمن الصعب الدفع بتلك الأجندة فى بلد تخشى فيه الحكومة وأغلبية الشعب التغيير الداخلى، ولذلك على واشنطن أن تركز على إعادة بناء الثقة فى القاهرة بتأكيد أساسيات العلاقة المصرية الأمريكية، والمساعدات العسكرية للتعاون الأمنى.