«أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ» لم يحصل الملك المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز على لقب «حكيم العرب» من فراغ، فالمواقف السياسية له تشهد بذلك، ولكن عندما نعرف أن خادم الحرمين الشريفين ترك رسالة موجهة لجميع أبناء وأبناء عمومته وأشقائه يحذرهم فيها من الفتنة ندرك مدى حكمته ومدى قراءته للأحداث، فالرسالة أطفأت نيران الفتنة التى سعى تنظيم جماعة الإخوان الإرهابى لإشعالها بين أفراد الأسرة الحاكمة بمساندة ومباركة من إيران وباقى أهل الشيعة وأصحاب المصالح السياسية ممن لم تعجبهم المواقف البطولية لخادم الحرمين المغفور له عبدالله بن عبدالعزيز تجاه مصر، فقرروا استخدام «الفتنة» كوسيلة لإثارة الكراهية بين أبناء الأسرة الحاكمة، وهذا ما لم يحدث مطلقاً خاصة بعد أن اجتمع أفراد الأسرة الحاكمة بمختلف أجيالهم للاستماع إلى رسالة الوالد والحكيم الذى استقرأ الأحداث وترك فيهم رسالته التى تضمنت آيات من ذكر الله الحكيم وتحمل دلالات ومعانى كبيرة وتحذرهم من الفتنة ومن أهل النفاق الذين يتربصون بالأمة وبأرض الحرمين، وحسب مصدر موثوق فإن الرسالة تضمنت خمس آيات قرآنية تدعو العائلة إلى الترابط والوحدة من أجل مستقبل بلادهم، وبدأها رحمه الله وأسكنه فسيح جناته بقول الله عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» «آل عمران». «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُون» «الأنعام». «ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون» «المجادلة». «يا بَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» «الأعراف» «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ» «النمل». رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذى كان نموذجًا فريدًا للعمل والعطاء فى خدمة وطنه وشعبه، وسندًا قويًا لأمته العربية والإسلامية. مسيرة الملك فى سطور: هو عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركى بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعه المريدى، وينتهى نسبهم إلى بكر بن وائل من بنى أسد بن ربيعة»، خادم الحرمين الشريفين، فهو سليل أسرة عربية أصيلة، كان لها فى شبه الجزيرة العربية، ما أهلها لأن يكون لها دورها الفعال، أثرت شخصية والده، مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز آل سعود، فى فكر الملك عبدالله وثقافته. سنة 1963، أصدر الملك سعود مرسومًا بتعيين الملك عبدالله رئيسًا للحرس الوطنى، ثم عين عام 1975 نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسًا للحرس الوطنى مع تولى الملك خالد مقاليد السلطة فى المملكة، ومع تولى الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم عام 1982، أصدر مرسومًا فى نفس اليوم، بتعيينه نائبا أول لمجلس الوزراء ورئيسًا للحرس الوطنى، فضلًا عن اختياره وليًا للعهد. بدأ نجم الملك عبدالله يظهر على الساحة العربية والدولية منذ سنة 1995، وكان ينظر له باعتباره الملك الفعلى للسعودية، بسبب متاعب صحية متعددة ألمت بالملك فهد، وكان للملك عبدالله القدرة على الاحتفاظ باستقرار المملكة وسط محيط إقليمى مشتعل وأطماع دولية مكشوفة. ومنذ أن تولى الملك عبدالله مقاليد الحكم فى أغسطس 2005، شهدت العلاقات المصرية-السعودية استقرارًا، حتى اندلاع ثورة 25 يناير، لتعود مرة أخرى العلاقات إلى طبيعتها بعد عدة أشهر من الثورة. بعد 25 يناير، كان الملك عبدالله حريصًا على متابعة ما يحدث فى مصر عن كثب دون التعجل فى اتخاذ قرار تجاه ما يحدث، حتى أعلن أنه على استعداد تام لتقديم مساعدات مالية للجانب المصرى تحل محل المعونة الأمريكية السنوية للقاهرة، حالة استمرار الضغوط الأمريكية على الرئيس مبارك للتنحى، قبل أن يعلن دعم بلاده لرغبة الشعب المصرى، وثورته بعد تنحى مبارك عن الحكم. بدأت تتشكل العلاقات المصرية-السعودية من جديد بعد إسقاط نظام مبارك فى ثورة يناير، وبادر الملك السعودى بالترحيب بالانتقال السلمى للسلطة فى مصر، وأبلغ الجانب المصرى رغبة بلاده فى تقديم دعم مالى لحكومة تسيير الأعمال لمواجهة التداعيات السلبية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، وأعلنت السعودية أنها لا زالت مستعدة لتقديم هذه المساعدات دون ارتباط بموقفها من الرئيس مبارك، وشددت على تأييدها الكامل لثورة 25 يناير. وبعد نجاح ثورة 30 يونيو 2013، واصلت المملكة تقديم دعمها الكامل لمصر ومساعدتها فى تحقيق أهداف ثورتها، وأعلن الملك عبدالله رفضه التدخل الدولى فى الشأن الداخلى المصرى، كما أعلن وقوف المملكة بجانب مصر ضد الإرهاب. وبعد فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات المصرية 2014، بادر ملك السعودية بتهنئة الشعب المصرى والرئيس الجديد، وأرسل برقية أكد فيها أن المساس بأمن مصر هو مساس بالمملكة، كما دعا إلى عقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر المانحين لمساعدتها فى تجاوز أزمتها الاقتصادية. مساء يوم الجمعة 20 يونيو، وبعد أيام قليلة من تولى السيسى لمنصبه، زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز القاهرة، حيث عقد لقاءً مع الرئيس السيسى على متن طائرته، بعد أن منعته ظروفه الصحية من النزول منها، وهو الأمر الذى دل على قوة العلاقة بين البلدين. فترة حكم العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز شهدت نمواً فى المساعدات الخارجية تقدر نسبته، بناء على الإحصاءات الرسمية الصادرة، بنحو 56%، أى بمقدار مليارين و308 ملايين ريال. بلغ إجمالى المساعدات نحو 438ر6 مليار ريال خلال عام 2012، مقارنة ب4.130 مليار ريال خلال عام 2005 باجمالى قروض بلغت 81.6 مليار ريال. بمقارنة البيانات خلال الفترة من عام 2005 حتى نهاية عام 2012، أى خلال ثمانية أعوام، سجل إجمالى قيمة المساعدات الخارجية للسعودية نحو 98 مليار ريال تقريباً، منها 81.6 مساعدات وقروضاً، وتمثل نحو 60.1% من إجمالى المساعدات الخارجية منذ 1994. استحوذت المساعدات والقروض على النصيب الأكبر من قيمة المساعدات الخارجية لعام 2012 فقط، بنسبة تقدر بنحو 64% تقريباً، وبقيمة تبلغ 4.104 مليار ريال من إجمالى المساعدات الخارجية. سجلت مساهمات السعودية الخارجية تحت بند «الجمعيات والمنظمات الدولية» لعام 2012 نحو 1.1 مليار ريال، مقارنة ب 282 مليون ريال لعام 2005، أى بنمو قدره 273.1٪ ما يعادل نحو 770 مليون ريال.. كما بلغت المساعدات الخارجية للسعودية تحت بند «العون المتعدد الأطراف» لعام 2012 نحو 1.3 مليار ريال تقريباً، مقارنة ب174 مليون ريال فى عام 2005، لتحقق نمواً تقدر قيمته ب1.108 مليار ريال، ونسبته نحو 637% تقريباً. بنظرة إجمالية على البيانات المالية، بلغت قيمة المساعدات الخارجية المقدمة من قبل السعودية بما فيها القروض الميسرة عبر القنوات الثنائية،ومن خلال المؤسسات متعددة الأطراف خلال الفترة من عام 1994 وحتى نهاية عام 2012، أى خلال 19 عاماً، نحو 7ر162 مليار ريال، تشكل المساعدات والقروض منها نحو 85.5% أى بمقدار 139.2 مليار ريال. وبرحيل الملك عبدالله رحمه الله تولى مقاليد الحكم سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، المولود فى 31 ديسمبر عام 1935، وهو الابن الخامس والعشرون للأبناء الذكور للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- من زوجته حصة بنت أحمد السديرى. كان أميرًا لمنطقة الرياض بالنيابة مع أخيه الأمير نايف بن عبدالعزيز، وظل فى إمارة الرياض حتى 25 ديسمبر 1960 واستقال من منصبه، وفى 4 فبراير 1963 أصدر الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز مرسومًا ملكيًا بتعيينه أميرًا لمنطقة الرياض مرة أخرى، وبعد وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولى العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- مرسومًا ملكيًا بتعيينه وزيرًا للدفاع. بعد وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، اختير وليًا للعهد وعُين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع. وفق الله الملك سلمان، وجعله كما كان سلفه نموذجًا فريدًا للعمل والعطاء فى خدمة وطنه وشعبه، وسندًا قويًا لأمته العربية والإسلامية.