كنت أعرف أن البعض سيغضب من عنوان مقالى فى العدد السابق، وقد اتصل عدد كبير من السادة القراء الكرام وعاتبونى على المقال الذى كان عنوانه «اشرب يا رومانسى» وأعرب بعضهم عن استيائه رافضاً الاقتراب من الرئيس السيسى حتى ولو كان مجرد عتاب!!.. وكان لهؤلاء وجهة نظر تستحق الاحترام فهم يرون أن جماعات العنف الإرهابية تستغل كل حرف وكل كلمة ضد السيسى لترويج أكاذيبها عنه وعن الدولة المصرية، ولم أغضب من بعضهم حين شنوا هجوماً حاداً ضدى وضد «الموجز» بمجرد قراءة العنوان، ولكن ورغم استيعابى لشحنات الغضب من المقال وعنوانه، فإن مصلحة البلاد تحتاج فى كثير من الأوقات إلى بعض القسوة، والرئيس السيسى يعرف جيداً الفارق الكبير بين المطبلاتية الذين يرقصون ويهللون له بحثاً عن مصالحهم وتوجهاتهم وبين الأقلام التى وهبت نفسها للحق والصدق مهما كانت النتائج. أعاد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل طرح ما جاء بالمقال وقال للإعلامية لميس الحديدى الكثير مما يؤكد وجهة نظرنا من خطورة عودة رجال مبارك. وإذا كنا نراهن على الرئيس السيسى ونضعه فى مكانة تليق به فيجب عليه أن يكون دائماً وأبداً على قدر المسئولية ويجب علينا أيضاً أن نكون بجواره نرفع الراية الحمراء لكى يرى الخطر ويحاصره قبل أن يحاصرنا جميعاً، جاء السيسى رئيساً بإرادة شعبية غير مسبوقة، وتلك الإرادة الشعبية ستظل قوة تسانده وتصد عنه هجوم بقايا دولة الفساد، ولكن إن ارتفعت راية الفساد وتصدر رموز الفساد المشهد فإن الإرادة الشعبية ستصاب بالفتور والضعف وقد تنهار تماماً! هذا ما نخشاه ونحذر منه، ولن نسمح به مطلقاً، لذلك من حقى ومن حق «الموجز» أن تحذر وأن تقسو وأن تكشف ما يدور فى الكواليس. ودعونا نتحدث بالتفصيل عن الكارثة التى نتناول جوانبها على مدار الثلاثة الأعداد السابقة فى «الموجز» ألا وهى كارثة عصر مبارك، فمنذ صدور حكم البراءة وهناك جيش من عصابة مبارك يمارس جميع أشكال البلطجة والغرور وكأن مبارك خرج من السجن ليحكم مصر من جديد!!.. ولاشك أن المتابعين للأحداث داخل مصر قد لاحظوا ذلك منذ صدور هذا الحكم.. استفاقت دولة مبارك وظهر رجال لجنة السياسات ورعاة التوريث، والكارثة الأكبر أن بعض هؤلاء ممن خرجوا من السجون بعد تسويات لمديونياتهم وتسديد حقوق الدولة قد بدأوا فى ابتزاز الدولة ورئيسها، وظهر مدى التبجح وسط قطاعات عريضة من أباطرة المال والبيزنس. وشاهدنا كيف تحول رجل الحديد أحمد عز من متهم إلى صاحب حق!!.. ولم يخجل أحمد عز من المطالبة عبر المحامى حازم رزقانة باسترداد 45 مليوناً وذلك قيمة الفرق فى غرامة احتكار الحديد!! ومنذ ساعات قليلة تقدم محامى رجل الأعمال محمد أبوالعينين بطلب استرداد فرق أسعار أراض سياحية دفعها بعد ثورة يناير!!.. وقبل أن نتوقف عند هذا الطلب تجب الإشارة إلى أن تلك النماذج تشير إلى خطورة الموقف الحالى، فهؤلاء يتحركون كأن مبارك عاد يحكم وكأن المحاكمات التى جرت عقب اندلاع الثورة لم تكن!! وهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر للرئيس السيسى ودولته الجديدة، حتى لا نفاجأ بأن الذى يجلس على عرش مصر حالياً هو مبارك وأن رجاله يضغطون على الدولة ليس لاستعادة أموالهم التى نهبوها من هذا الشعب ولكن لاستعادة مجد مبارك وعصابة الفساد الكبرى التى أحرقت الأخضر واليابس على أرض مصر. إن من يقرأ نص المذكرة التى كتبها محامى أحمد عز والتى يؤكد فيها أحقية موكله فى استرداد 45 مليون جنيه سوف يتأكد من أن الرومانسية التى هاجمناها العدد السابق غير مفيدة فى تلك الأحداث وأنه لابد من إصدار حزمة قوانين جديدة تمنع هؤلاء من تشويه صورة الرئيس الحالى وتعيدهم إلى جحورهم وتوقف تمددهم وانتشارهم حتى لا يتسبب ظهورهم المتتالى فى تراجع شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهذا ما يجعلنا نقسو على الرئيس كى ينتبه إلى مخططات يتم تجهيزها من الآن للسيطرة على البرلمان القادم وتشكيل الحكومة، فهناك تحالفات سرية مدعومة بمليارات بقايا عصر مبارك وهى القوى التى ستجد لنفسها ألف مبرر لخوض الانتخابات البرلمانية فى مواجهة بقايا المعزول محمد مرسى، إن تلك القوتين بما تملكان من ثروات موروثة سواء من سطوة الإخوان فى عصر مبارك أو من رموز لجنة السياسات هما أخطر ما يواجه مستقبل مصر. فإذا كانت «الإرهابية» تستعد بوجوه جديدة مدعومة بأموال خيرت الشاطر وحسن مالك الذى مازال طليقاً فإن وجوه لجنة السياسات تستعد هى الأخرى بالمليارات الموروثة من عصر الفساد المباركى. إن هناك أكثر من صورة تكشف كيف أصبح رجال مبارك فى قمة الغرور والتسلط، ولا نبالغ إن قلنا إن بعضهم يخرج لسانه للشعب المصرى مستهزئاً به وبثورتيه اللتين قامتا للتخلص من عصر الفساد وتجديد الحياة الاقتصادية والسياسية فى مصر. إن الخطوة القانونية التى شرع فيها محامى أحمد عز فتحت الباب واسعاً أمام باقى رموز مبارك لكى يطالبوا باسترداد أموالهم التى دفعوها فى قضايا سابقة أو تلك التى دفعوها للتصالح والتسوية، وبدأ رجل الأعمال محمد أبوالعينين فى السير على نفس منهج أحمد عز حيث تقدم بطلب إلى لجنة فض المنازعات لاسترداد فرق أسعار أراض سياحية دفعها بعد الثورة!! وقال محمد أبوالعينين رئيس مجلس إدارة شركة كيلوباترا جروب للتنمية المتكاملة والاستثمار السياحى فى الطلب إن محضر الصلح الذى وقعه فى 8 أبريل 2012 فى شأن عقود تخصيص أراض كأنه لم يكن، مطالباً باسترداد فروق أسعار التى دفعها عند إجراء هذا التصالح. وكان أبوالعينين قد حصل فى عهد وزير السياحة الأسبق زهير جرانة على ثلاث قطع أراض بسعر دولار للمتر، فى رأس حوالة فى الساحل الشمالى، ومركز نبق فى ساحل خليج العقبة، إلا أن الدولة ألزمته فى أبريل 2012 بدفع فروق أسعار عن التقييم السابق لتلك الأراضى بواقع 4 دولارات إضافية عن كل متر بحجة أن سعر المتر الواحد كان واحد دولار وهو السعر السائد لبيع الأراضى وأنه وافق على سداد فروق الأسعار فى 2012 تحت ضغط من السلطة آنذاك!! وكان وزير السياحة، هشام زعزوع قد أرسل مذكرة إلى أسامة صالح، وزير الاستثمار السابق، قال فيها إنه بناء على طلب رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة العامة للتنمية السياحية تمت دراسة الطلبات وتحررت مذكرة من المستشار القانونى للوزير وانتهت إلى الرفض، واستندت لجنة فض المنازعات إلى ذلك ورفضت طلب أبوالعينين. إن تلك الواقعة وقبلها واقعة أحمد عز خير دليل على ما وصلت إليه الأوضاع وغداً سنجد عشرات الطلبات المشابهة!!.. فالمتهون بالفساد وسرقة أراضى الدولة ظهروا من جديد وكأنهم أصحاب حقوق!! إن أبوالعينين الذى فتح محطته الفضائية لكل بقايا عصر مبارك والذى سمح بظهور مبارك وحسين سالم وحبيب العادلى على الشاشة التى يملكها أصبح جبهة كبيرة تضم تحالفات قديمة قررت أن تعود وتعلن تحدى دولة السيسى، ولاشك أن ما يحدث على الشاشة ليس بعيداً عن الواقع، وكل ذلك ينذر بكارثة لن نتوقف عن التحذير من خطورتها. قلناها من قبل ونكررها من جديد، هناك رئيس واحد لمصر اسمه عبدالفتاح السيسى ولن نسمح لأحد بإحياء الدوبلير المريض من خلال رجاله، وإذا كان الرئيس السيسى سيتهاون مع هؤلاء فلن نسمح له بذلك وسندفعه دائماً ليواجه بقايا الإرهاب متمثلاً فى جماعات الإخوان والرأسمالية متمثلة فى عشرات من رموز عصر مبارك. إن محمد أبوالعينين يلعب دوراً غاية فى الخطورة وعليه أن يعود إلى عقله وضميره قبل أن يتسبب فى كارثة بدأت تظهر أعراضها. لقد تحلت «الموجز» بكل صفات الاحترام مع أبوالعينين، وكانت هى الصحيفة الوحيدة التى أعلنت الحرب ضد المعزول محمد مرسى حين شن هجوماً غير مبرر ضده، وقررنا مساندة أبوالعينين فى مواجهة دولة المرشد، واليوم يطيب لى أن أعيد على رجل الأعمال محمد أبوالعينين تفاصيل هذا الموقف ليدرك أن مصلحة الوطن يجب دائماً أن تكون فى الصدارة، فقد تغاضت «الموجز» عن أى خلافات سابقة مع أبوالعينين وقررت الوقوف بجانبه فى واحدة من المعارك التى أراد محمد مرسى أن يظهر من خلالها كبطل قومى يحارب الفساد، كانت «الموجز» شوكة فى ظهر الجماعة ومرشدها ولم تسمح لأحد من قيادات الإرهاب بالمزايدة الفارغة على حساب بعض رجال الأعمال. وفى الواقعة المذكورة والتى جرت أحداثها بالسويس وقت أن كان المعزول مرشحاً للرئاسة انحازت «الموجز» لأبوالعينين وبدأت المعركة عندما قال محمد مرسى فى مؤتمر أقيم بالسويس إن أبوالعينين «فاسد» وذلك بعد أن تجمهر عدد من عمال مصنع سيراميكا كليوباترا فى المؤتمر وطالبوا بإعادتهم إلى العمل بعد أن تم تسريحهم من المصنع، فقام مرسى بشن حملة هجوم وخص رجل الأعمال محمد أبوالعينين بهجوم كبير. ورفضت «الموجز» أن يلعب مرشح «الحرية والعدالة» آنذاك على مشاعر بعض الناخبين لكى يحصل على أصواتهم وهى لعبة انتخابية يجب ألا يقوم من خلالها مرشح لرئاسة مصر بتوجيه أى اتهام إلى أى مواطن مصرى من دون تحقيق وتوضيح للموقف.. فمرشح الرئاسة يجب ألا يفرق بين مواطنيه إلا بعد تحقيق واستبيان، وهو ليس جهة للحكم على أى مواطن سواء كان هذا المواطن عاملاً بسيطاً أو مزارعاً أو رجل أعمال..خاصة أن طبقة رجال الأعمال التى قال محمد مرسى وقتها إنها استحوذت على الثروة فى عهد مبارك وجمال مبارك ليست قاصرة على رجال الحزب الوطنى فقط.. كان لجماعة الإخوان عدد كبير من كبار رجال البيزنس فى عهد مبارك وعلى رأسهم المهندس خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما العشرات من رجال الأعمال المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكنا فى هذا الوقت على خلاف كبير مع محمد أبوالعينين، واتهمناه بشكل مباشر بالاستيلاء على أراضى الدولة، ولكننا رفضنا أن يتحول إلى كبش فداء يزايد به محمد مرسى لكسب أصوات الناخبين، ووقفنا نحارب دولة مرسى وعشيرته ليس حباً فى أبوالعينين أو محاباة ولكن لإيمان راسخ وقوى بأن جماعات العنف أشد خطراً على مصر ومستقبلها، واليوم ونحن نشاهد الخطر يهدد دولة السيسى نعلنها بكل وضوح بأننا سنحارب كل من يسعى إلى ذلك، ولن نسمح للدوبلير المريض بأن يحكم من خلال رموز عصره الذين لم يخجلوا من مطالبة الدولة برد الأموال التى دفعوها وكانوا قد سلبوها بقوانين الفساد والرشوة. كل ما نتمناه أن تسير مصر نحو المستقبل وأن تتطهر من الفساد ورموزه بقدر الإمكان، إن عقارب الساعة لن ترجع للخلف ولكن إن تركناها مهملة فسوف تتوقف نهائياً عن التحرك وستظل متوقفة عند الماضى ولن نرى وجوهاً جديدة تخوض معركة المستقبل وتعيد الأمل للمحبطين الذين بدأ اليأس يتسرب إليهم وهم يشاهدون دولة مبارك تستفيق وتدفع برجالها إلى المقدمة.. ياسيادة الرئيس أنت الأمل وأنت الرئيس المنتخب بإرادة شعبية غير مسبوقة.. فكيف تسمح لغيرك بأن يعود حتى ولو من خلال شاشة إحدى الفضائيات؟ كيف تسمح للدولة القديمة أن تتمدد بطول مصر وعرضها؟! نعرف أن الأزمة الاقتصادية تتطلب بعض المرونة مع وحوش البيزنس، ولكن صدقنى يا سيادة الرئيس هؤلاء لن يقدموا لمصر شيئاً فقد حلبوها وسرقوا ثروتها بقانون وضعه لهم فتحى سرور وتحكمت فيه مجموعة من أصحاب المصالح الذين امتلكوا أراضى مصر وصنعوا ملياراتهم ولم يعد مقبولاً فى الشارع أن يعودوا مجدداً حتى ولو كانت عودتهم مصحوبة بالملايين، فالشعب الحر الذى اختارك لن يقبل بوجود بقايا تعرقل المستقبل وتسرق الحلم والأمل.