يبدو أن هناك إصرارا في الإعلام الغربي على ربط الدولة المصرية بما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، رغم عدم وجود أيا من مسلحي داعش داخل الحدود المصرية حتى الآن، بحسب التقارير الأمنية التي تتحدث عن ذلك الأمر، إلا أن عدم وجود مسلحين أو قوات تابعة لداعش لا ينفي وجود تأثير ما وعلاقة مشتركة بين مصر ولك التنظيم، سواء كانت تلك العلاقة تقتصر على بعض الأفراد من المتطوعين في صفوف المسلحين هناك، أو في الخلفية والمرجعية الفكرية والإيدولوجية التي قامت عليها داعش وتستمر في إنتهاجها حتى اليوم. وقد خرجت علينا تصريحات كثيرة في الأيام الماضية تتحدث عن أن أبو بكر البغدادي زعيم داعش والخليفة الجديد للمسلمين كان بالفعل عضوا في جماعة الإخوان المسلمين في العراق، قبل أن يتركها ويتجه الى تنظيم آخر أكثر تشددا وهو تنظيم القاعدة، وربما لا يكون هذا الأمر مفاجئا إذا عرفنا أن هناك بالفعل العشرات من المصريين تطوعوا بالفعل للقتال في صفوف داعش بل وأصبح البعض منهم قيادات كبرى في التنظيم. ومؤخرا قال محللون في صحيفة "الشرق الأوسط" ومقرها في المملكة المتحدة أنهم يعتقدون أن المعتقدات الدينية المتشددة التي اعتمدها المتشددين في تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام هي أفكار مستوحاة من أربعة من المصريين من ذوي الخلفيات المتطرفة؛ وفي حين أن العديد من المسلحين يأتي من الغرب للتطوع في صفوف داعش، إلا أن التقرير يشير إلى أن قادتها هم من أصل عربي وأن هناك عدد من المصريين هم من القيادات العليا بالتنظيم. وقالت المصادر للصحيفة ان اربعة رجال مصريين هم يشكلون القيادة الايديولوجية للتنظيم، وذلك على الرغم من افتقارهم إلى "التعليم الكافي للثقافة الإسلامية، ويقدم التقرير بعض المعلومات الأساسية حول واضعي استراتيجية داعش، وقال التقرير ان المناطق الخاضعة للتنظيم شهدت محاولات من قبل أعضاء من الجماعة المسلحة لتطبيق النسخة الفكرية الخاصة بهم من العدالة الإسلامية. ومن بين الرجال الأربعة الذين يتحدث عنهم التقرير رجل يدعى "حلمي هاشم"، وهو رجل مصري يعتبر مختصا بالسلطة الفقهية لداعش، وهو مؤلف وكاتب من عامة الشعب توقف وتردد لفترة بين الشك واليقين، ثم توصل أخيرا الى الإقتناع بأن الدول التي هي "ليست حقا إسلامية" يمكن النظر إليها على أنها "أهدافا مشروعة لجماعات العنف المسلح". وفي الكتاب الي ألفه هاشم وقام بنشره، أعرب عن دعمه للفكر التكفيري، الذي يعتبر قليلي أو عديمي الإيمان هم من الكفار، وبرر في كتابه أعمال العنف والإرهاب ضدهم. وأضافت الصحيفة بحسب ما قاله خبير في الحركات الأصولية أنه يعتقد أن هاشم هو العقل المدبر وراء الأيديولوجية الدينية في داعش. ومن جانبه قال آل ياسر السري، لصحيفة الشرق الأوسط أن هاشم كان ضابط شرطة في مصر ثم تحول الى متشدد راديكالي بعد رفده من الخدمة وسجنه مع أشخاص كانوا على صلات مع أفراد مرتبطين باغتيال الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981. والرجل الثاني الي تحدث عنه التقرير هو أبو مسلم المصري، رئيس قضاة الشريعة في داعش، ويعتقد الخبراء أن المصري بدأ العمل في داعش كقاطع لرؤوس الضحايا، وأنه من أوجد المرجعية الفقهية لها العمل الدموي. ويعتقد أن الرجل المصري الثالث في داعش يحمل نفس الاسم السابق وهو أبو مسلم المصري، ويعتقد أنه القاضي الذي عينته داعش لتطبيق الشريعة في المدينة الكبرى الثانية بسوريا وهي حلب، ولكن يُعتقد بأنه قتل مؤخرا، أما الرجل الرابع فهو أبو الحارث المصري. داعش وتأثير ظهوره على الإخوان في مصر وبعيدا عن وجود مصريين في تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وبغض النظر عن مراكزهم وما أصبحوا يمثلونه داخل التنظيم، إلا أن هناك الكثيرين ممن يعتقدون بالفعل أن هناك تشابه كبير بين صعود وإنتشار تنظيم داعش وبين ظهور تنظيم الإخوان المسلمين، الي يعتبر المرجعية الأولى لجميع الجماعات المتشددة والمسلحة، بل ويمكن القول بأن ظهور داعش كان له تأثير كبير على وضع الإخوان المسلمين في مصر وخارجها، وهو بالطبع تأثير سلبي لا يعجب قادة وأعضاء الإخوان. وتقول التقارير أن صعود الدولة الإسلامية في العراق والشام والتحالف العالمي المستمر ضد تلك الجماعة المتطرفة المستوحاة من تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط، من المرجح أن يؤدي لتفاقم الأوضاع داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولك بحسب إعتقاد الخبراء السياسيين والأمنيين في مصر. ويرى هؤلاء الخبراء أنه بعد إطاحة الجيش بالرئيس المصري المعزول محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين في أوائل يوليو 2013، أطلقت القيادة الجديدة حملة ضخمة على أنصاره، مما أسفر عن مقتل المئات واعتقال الآلاف، ووضع القائمة السوداء في نهاية المطاف لجماعة الإخوان ووصفها بأنها منظمة إرهابية. وفي ذلك الوقت، رفض السياسي المؤثر ونائب الرئيس المؤقت السابق محمد البرادعي حملة القمع الدموية التي جرت على الإخوان واستقال في نفس اليوم، بينما تعاطفت بعض دول المنطقة مثل قطروتركيا وقوى غربية على رأسها الولاياتالمتحدة أيضا مع الجماعة ونددت بالاطاحة بمرسي. لكن يقول التقرير أن الوضع الآن مختلف بشدة عن عام واحد فقط، فمع ظهور وصعود تنظيم الدولة الإسلامية داعش، أصبح الكثير من المصريين الذين يدعمون القيادة الحالية والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يرون الإخوان كجماعة إرهابية شريرة، وأن من شأنها تحويل مصر إلى سوريا أو العراق آخر إذا سمح لها باتخاذ تلك الفرصة أو أن تلتقط أنفاسها. ويقول الخبير الأمني سيد الجابري أنه ليس هناك شك في أن الأنشطة الإرهابية التي يقوم بها داعش أضافت المزيد والمزيد إلى انخفاض شعبية وقوة الإخوان، وأدت الى التقليل من تعاطف الناس مع الإخوان بعد أن أدرك الناس كيف يمكن لداعش أن يشوه صورة الإسلام. وأضاف الجابري أن الكثير من الناس ينظرون الآن الى داعش والإخوان وبعض الجهاديين السلفيين "ككيان واحد"، معتبرين أن الجماعات الإرهابية مثل داعش كانت في الأصل "أمريكية الصنع" وتهدف لتقسيم العالم العربي بزرع الصراعات الطائفية والسيطرة على ينابيع النفط في المنطقة. ويدعم هذا الفكر ما يراه المصريين من أن مناصرو مرسي والإخوان هم مجرد مجموعات من المتطرفين مثل أنصار بيت المقدس، وهو التنظيم الذي يمتد من شبه جزيرة سيناء إلى العاصمة القاهرة ومسئول عن العديد من الهجمات المسلحة التي قتلت مئات من رجال الأمن خلال العام الماضي، كما يعتبر الرئيس سيسي أن جميع الإرهابيين في مصر ترعاهم جماعة الإخوان المسلمين. وليس هناك دليل على ذلك أكثر من ما قاله السيسي عند بدء حشد الدعم الدولي لحرب مصر ضد الإرهاب، حين قال السيسي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه لا ينبغي أن تقتصر الحرب العالمية ضد الإرهاب على داعش فقط، وربط في خطابه بين الدولة الإسلامية "داعش" وبين جماعة الإخوان المسلمين، واصفا إياها بأنها منبع ومصدر "قوات التطرف والظلام". ويقول الكاتب ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية عمار علي حسن، أن المظهر الي تظهر به داعش أثر سلبا على وضع الإخوان، حيث أدى الى تخلي الغرب عن دعمهم، وليس أدل على لك من طلب المساعدة من القيادة الجديدة المصرية في الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد داعش. وأضاف حسن ان القوى الغربية بما في ذلك الولاياتالمتحدة بدأت تتراجع عن دعمهم لجماعة الإخوان والربط بين أيديولوجيتهم وبين التطرف، والى جانب ذلك، فإن حلفاء الإخوان الإقليميون مثل قطروتركيا أصبحوا الآن أكثر قلقا مع وجود تنظيم داعش وأكثر إهتماما بقتاله بطريقة أو بأخرى، وفي نهاية المطاف سوف تتخلى تلك الدول عن التضامن مع الاخوان المسلمين. وجدير بالكر أنه خلال الأيام القليلة الماضية، قتل نحو 20 من الأكراد الأتراك خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التركية لحث الدولة على مكافحة المتشددين مثل داعش، والذين هاجموا بلدة كوباني الحدودية وقتلوا الكثير من أبناءها، ويقول الخبراء أن وقوف المجتمع التركي والجيش، بالإضافة إلى الانتقادات الغربية من موقف أنقرة تجاه داعش، كل ذلك يمكن أن يؤثر سلبا على دعم تركيا للإخوان، مشيرين إلى أن قطر طردت مؤخرا سبعة لاجئين من الإخوان من أراضيها بسبب الضغوط التي فرضها عليهم دول الخليج. وفي ظل الأحداث والتطورات الأخيرة، يبدو أن الولاياتالمتحدة أصبحت مترددة بشدة نحو إدارة الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، حيث تشير وسائل الإعلام الأمريكية الشهيرة كلها تقريبا إلى أن إزالة مرسي تمت بإنقلاب عسكري، وانتقدت الصحيفة الأكثر مبيعا وهي نيويورك تايمز القيادة الحالية المصرية في مقال نشر مؤخرا يرفض ربط الإخوان بالإرهاب ويصفه بأنه أمر "غير عادل". فيما قال أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة قيادة التحالف ضد الارهاب يدل على أن الولاياتالمتحدة تشعر بالقلق إزاء العمليات الإرهابية التي يتم تغذيتها من قبل بعض الفصائل السياسية الإسلامية، وذلك بحجة أن القتال ضد داعش ليس بالضرورة قتالا ضد الإخوان، وأضاف نافعة أن البعض ممن يعتقدون أن الإخوان هم معتدلين، يرفضون ربطهم بالإرهاب ويفضلون الدعوة إلى التحاور معهم، بينما يعتقد البعض الآخر أن تلك المجموعة متطرفة ويجب مكافحتها تماما مثل داعش. وتابع نافعة أن الكرة الآن في ملعب الإخوان، فكما اتهمت الجماعة بالعنف والإرهاب، مطلوب منها الآن توضيح موقفها ونفي علاقتها مع التطرف.