تطرقت صحيفة "ناشيونال بوست" الكندية إلى الانتقادات التي وجهتها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة في إدارة أوباما إلى السياسة الخارجية الأمريكية الحالية والاعتراف بأنها تعاني من غياب تام للتفكير الاستراتيجي, وذلك من خلال مقال تحليلى للكاتب السياسي "تشارلز كروثامر". وكانت هيلاري قد انتقدت سياسة أوباما الخارجية ووصفتها بالفاشلة في حديث أجرته الأسبوع الماضي مع مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية وقالت إن "الأمم العظيمة تحتاج إلى مبادئ تنظيمية. أما مبدأ 'عدم ارتكاب أخطاء غبية‘ الذي تتبناه إدارة أوباما، فليس بمبدأ تنظيمي". وسخر الكاتب من أوباما الذي يطلق كلمات طنانة يعلن بها عن أفكار كبرى مثل: "البداية الجديدة" مع الإسلام (من القاهرة)، وإعادة البدء من جديد مع روسيا (من جنيف)، ونزع السلاح النووي العالمي (من براج) (وأعاد إياها في قمة واشنطن)، مضيفاً أن كلام اوباما بعيد كل البعد عن الواقع، ويختفي أثره دون أن يترك أثراً. وأوضح الكاتب أن تنفيذ السياسات في العالم الحقيقي لا يعني سوى اتخاذ خطوات تكتيكية وممارسة الارتجال التفاعلي. والشيء الوحيد الواضح بخصوص السياسة الأمريكية الآن هو عدم رؤيتها للصورة الكبيرة بالنسبة لروسياوسورياوغزة. 1. روسيا يمتلك فلاديمير بوتين 45 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا. وتوجهت قافلة من 262 شاحنة روسية لم تخضع لأي تفتيش بزعم تقديم المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا لإغاثة الانفصاليين الموالين لروسيا الموجودين الآن في مدينتي دونيتسك ولوهانسك المحاصرتين. وتهدد أوكرانيا بوقف القافلة. أما وجهة نظر أوباما حيال ذلك، فإنه يقول بابتهاج لصحيفة "نيويورك تايمز" إن بوتين "يمكنه غزو" أوكرانيا في أي وقت. وإذا أقدم على ذلك، فإن استعادة أي علاقات عمل تعاونية مع روسيا خلال الفترة المتبقية من ولايتي سيكون صعباً جدّاً". ويتعجب الكاتب بشدة من أن علاقات التعاون هي كل ما يُقلق أوباما بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يعتبره الكاتب انتهاكاً لنظام ما بعد الحرب الباردة وتعبيراً مهيناً للعجز الأمريكي وصدمةً لجمهوريات البلطيق وبولندا وغيرها من حلفاء الولاياتالمتحدة العُرضة للغزو. 2. سوريا يؤكد الكاتب أن أوباما لا يفهم حتى يومنا هذا مدى الضرر الذي سبّبه للمصداقية الأمريكية في كل مكان منذ انسحابه بعيداً عن الخط الأحمر الذي وضعه هو نفسه على استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية. وتابع الكاتب بأنه يجعل على ما يبدو الرسالة التي نجمت عن رفضه لتسليح المعارضة العلمانية (على الرغم من اعتراضات وزيرة الخارجية كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا ومدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد بترايوس) عندما كانت لا تزال الفكرة قابلة للتنفيذ، حيث سخر منها واصفاً إياها بالخيالات لأن أمريكا ستقوم بتسليح مجموعة من الهواة ضد حكومة مسلحة تسليحاً جيداً "وتدعمها روسياوإيران وحزب الله الذي أصقلته المعارك". وكانت النتيجة، بحسب الكاتب، هي اعتراف أوباما بأن الدعم الروسي وغيره أمر حاسم لإمالة نتائج هذه الحرب الأهلية لصالح بشار الأسد، وكأنه يبرز للعالم ازدرائه من الدور التقليدي للولايات المتحدة بصفتها حامية للأصدقاء عن طريق عمليات الردع وموازنة القوى الخارجية المناوئة. 3. غزة وانتقد الكاتب أوباما لاجتماعه بقطر وتركيا، وهما بمثابة رعاة حماس، في الوقت الذي رحب كل حليف معتدل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالعرض المصري في الأسبوع الأول من الحرب في غزة للوساطة في وقف إطلاق النار، مضيفاً أن أوباما لم يفهم أنه بذلك كان يحبط رغبة إسرائيل في سقاط حماس (فرع للإخوان المسلمين) وهو ما يُعد بحد ذاته هدفاً استراتيجيّاً مهماً للولايات المتحدة. وشدد الكاتب على أن الدليل القاطع على افتقار سياسة أوباما للرؤية يكمن في الانتكاسات السياسة الحالية لإدارته، وهو اعتراف واضح بالفشل. فقد أيد الوساطة المصرية التالية لوقف إطلاق النار. ويقوم أخيراً بتسليح المتمردين السوريين. ويعيد القوة العسكرية الأمريكية إلى العراق. (أما على صعيد التحركات الروسية، فيبدو أنه لا يتخذ أي خطوات تماماً). ويتوقع الكاتب أن لا تؤتي تحركات أوباما الأخيرة مسعاها حتى، مشيراً إلى أن مساعدة أمريكا للمتمردين في سوريا جاءت بعد فوات الأوان، ومن المرجح أن يهزمهم الأسد في آخر معاقلهم بحلب لنواجه النتيجة الأسوأ وهي سوريا مقسّمة بين الدولة الإسلامية والأسد الذي تسيطر عليه إيرانوروسيا كليةً. وألقى الكاتب باللوم على أوباما لانتظاره قرابة تسعة أشهر بعد تغول داعش قبل البدء بتزويد الأكراد بالسلاح الذي كان عبارة عن أسلحة صغيرة جعلت داعش تتفوق على الأكراد بسهولة تامة، ولذا يتوجب على البنتاجون إجراء عملية نقل جوي ضخمة لتزويد البشمركة بعربات مدرعة وصواريخ مضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة. وكما انتقد الكاتب قرار الضربات الجوية المحدودة، مشيراً إلى أن الجبهة الكردية-الداعشية تمتد على مسافة 600 ميل، ولا يُجدي فيها ضرب قطعة مدفعية هنا وشاحنة هناك، فهذه التكتيكات لن تؤثر على زخم داعش أو مسار الحرب. واختم الكاتب مقاله بقوله إن "تغيير مسار الحرب هدف استراتيجي. ويبدو أن هذا الأمر ليس مكتوباً في أجندة أوباما".