أكد تقرير للموكز الإقليمي للدراسات , أن المواجهات بين الحكومة العراقية و"داعش"، دفعت إلى "أقلمة" الصراع، سواء فيما يتعلق باتساع نطاق نشاط التنظيم إلى خارج العراقوسوريا، أو فيما يتصل بمشاركة قوى من الإقليم في العمليات العسكرية التي تنفذها القوات العراقية ضد "داعش". وأشار إلى، أن ملامح "الأقلمة" ظهرت من خلال التنسيق الأمني، أو عبر الدعم اللوجستي. وقال التقرير إنه منذ اندلاع المواجهات بين الحكومة العراقية وتنظيم "داعش"، تشكل تياران رئيسيان في إقليم الشرق الأوسط، يعكسان بدرجات متفاوتة إدراك دول الإقليم بأن تنظيم "داعش" يشكل خطراً على أمنها، باعتباره تنظيماً إرهابياً يهدف إلى إقامة "إمارة" إسلامية، لكن مواقف هذه الدول تختلف حول آلية أو وسائل مواجهة هذا التهديد. ويضم التيار الأول بحسب التقرير الدول التي تتعامل بحذر مع الحرب على "داعش"، مثل دول الخليج وتركيا. فرغم إدراك دول الخليج لتهديد "داعش"، فإن ذلك لم ينعكس في سياسات تدعم الحرب التي يشنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على هذا التنظيم، وفي المقابل، تتبنى هذه الدول سياسات تهدف إلى مواجهة احتمال انتقال تداعيات هذه الحرب إلى خارج الحدود العراقية، حيث دعت الكويت، على سبيل المثال، إلى تنسيق أمني بين دول مجلس التعاون للتحصن ضد تمدد "داعش" للدول الخليجية، لا سيما بعد نشر التنظيم خريطة لتصوره لما يسمى ب"الدولة الإسلامية"، والتي تضم الكويت إلى جانب لبنانوالعراقوالأردنوسوريا والأراضي الفلسطينية. وتشير عدةُ تحليلات إلى عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات لضبط الحركة على الحدود مع العراق أو سوريا، والتي يستفيد منها تنظيم "داعش"، وإلى أن هذا الصمت مرتبط بسياسة "انتظر وشاهد" التي تتبعها أنقرة، فنجاح "داعش" في السيطرة على مناطق متصلة في العراق، قد يمهد لقيام دولة سنية، على حدودها الجنوبية الشرقية، وفي حال تمكن التنظيم من مد هذه الدولة إلى سوريا، فستكون هذه الدولة محاذية للحُدود الجنوبية لها، وهو ما قد يزيد من نفوذها في العراق، ويمثل خصماً من النفوذ الإيراني هناك، بل إن مصادر أمنية تركية باتت تلمح إلى أن "داعش" لم يصبح بعد مصدر تهديد للأمن التركي. وفي السياق ذاته يمكن فهم سياسات تركيا تجاه عملية احتلال قنصليتها العامة في الموصل، وخطف حوالي 48 من الدبلوماسيين والعاملين فيها، بمن فيهم القنصل العام، بالإضافة إلى حوالي 30 تركياً آخرين من العمال وسائقي الشاحنات. أما التيار الثاني بحسب التقرير، فيضم الدول التي تدعم الحرب على "داعش" على غرار الأردنوإيران، حيث أعلن الأردن، في 23 يونيو 2014، حالة التأهب والجهوزية الكاملة لمواجهة أي خطر يهدد أمنها، وذلك على خلفية سيطرة "داعش" على الشريط الحدودي الذي يفصل العراقوالأردن، واستيلاء التنظيم على معبر طريبيل، كما حذر الملك عبد الله الثاني من استمرار الأزمة الحالية التي تشهدها العراق، ومخاطر ذلك على العراق والمنطقة ككل، لاسيما أن الأردن يعد، وفقاً لاتجاهات عديدة، موطئ قدم للسلفيين الجهاديين وللعائدين من سوريا، فمنذ بدء الصراع في سوريا، تنقل الجهاديون بكثافة عبر الحدود بين البلدين. وبعد تزايد نشاط "داعش" في العراق قررت السلطات الأردنية الإفراج عن أبومحمد المقدسي، منظر التيار السلفي الجهادي الأردني، للاستفادة من فتواه التي نددفيها بالتنظيم، في محاولة، على ما يبدو، لضبط سلوك الجماعات السلفية في الأردن. ورصد التقرير تحولاً في سياسات إيران تجاه العراق، باتجاه التدخل العسكري المعلن بهدف حماية العتبات المقدسة، حيث أكد العميد مسعود جزائري، مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، في 29 يونيو2014، على أن طهران مستعدة لمساعدة العراق في قتال متشددين مسلحين، باستخدام نفس الأساليب التي تستخدمها ضد مقاتلي المعارضة في سوريا. وقال التقرير إنه يمكن تحديد عدد من التداعيات من المتوقع أن تنتج عن تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في العراق، يتمثل أولها في "أقلمة" داعش، إذ أن نجاح نموذج "داعش" في العراق يمكن أن يدفع بعض التنظيمات الأخرى إلى محاولة تكراره في دول أخرى بالمنطقة، حيث أعلن "داعش" رسمياً تمدده إلى لبنان، متبنياً التفجير الانتحاري الذي وقع في 26 يونيو 2014 في منطقة الروشة بالعاصمة بيروت. كما تشير الأحداث المتسارعة في العراق، وتصريحات "داعش" الخاصة بالزحف نحو العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، إلى إمكانية مشاركة "حزب الله" اللبناني في القتال هناك كما فعل في سوريا، ويمثل تصريح الأمين العام حسن نصر الله الذي قال فيه إن الحزب "مستعد لتقديم شهداء في العراق خمس مرات أكثر مما قدمناه في سوريا فداء للمقدسات لأنها أهم بكثير"، دلالة بارزة على استعداد الحزب للانخراط في القتال في العراق. وينصرف ثانيها إلى تعزيز النفوذ الإيراني في العراق، في مقابل انحسار النفوذ التركي، حيث تطرح إيران نفسها على أنها شريك "ممكن" للولايات المتحدة في الحرب على "داعش"، في حين لم تتخذ تركيا حتى الآن سياسات واضحة ضد "داعش"، خاصة مع نجاح أكراد العراق في توظيف المواجهات مع "داعش"، في تعزيز سيطرتهم ونفوذهم على الأرض، على نحو قد يمهد، وفق بعض التقديرات، لقيام دولة كردية في شمال العراق، قد تقلص من النفوذ التركي هناك، فضلاً عن ضبابية فرص نجاح "داعش" في توطيد نفوذه في مناطق معينة في العراق على نحو يسمح بتأسيس دولة سنية. ويتعلق ثالثها باحتمال اكتساب الرؤية الإيرانية والسورية التي تصور الصراع في سوريا على أنه حرب على الإرهاب، وليس صراعاً من أجل تغيير النظام السياسي في دمشق، زخماً خاصاً، في ظل كون "داعش" تنظيماً ينشط في العراقوسوريا، وفي ضوء إعلانه، في 30 يونيو 2014، إقامة الدولة الإسلامية في العراقوسوريا، وتعيين أبو بكر البغدادي خليفة لها، وهو ما قد يقلص من فرص المعارضة العراقية السنية في الضغط على حكومة نوري المالكي من أجل تعديل أوضاع السنة في العراق، ومن ثم استمرار إقصاء السنة من الحياة السياسية.