في 31 مايو العام الماضي وقعت تظاهرات تقسيم التركية، حين أطلق مدافعون عن البيئة تظاهرات عارضوا بها تدمير حديقة جيزي في ساحة تقسيم بإسطنبول، تحولت إلى حركة احتجاج ضد حكومة أردوغان الإسلامية وشارك فيها 5,3 مليون شخص من كافة أرجاء تركيا خلال ثلاثة أسابيع، حسب وكالة الأنباء الفرنسية في 1 يونيو الحالي، ويبدو أن أردوغان المأزوم رغم انتصاره بعد انفجار منجم سوما/ محافظة مانيستا كان مصرا على قمع التظاهر، والحيلولة دون وصول المتظاهرين لساحة تقسيم كما فعلوا العام الماضي، ومنعت الحكومة التركية المتظاهرين والنقابات وأعضاء المجتمع المدني من التوجه إلى ساحة تقسيم مساء السبت 1 يونيو، لإحياء ذكرى تقسيم الأولى، التي هزت تركيا في يونيو 2013، ووضع أكثر من 25 ألف عنصر في حالة تأهب و50 آلية لاستخدام خراطيم المياه لمواجهة المتظاهرين ما يوحي بوقوع مواجهات جديدة، خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من أحداث منجم سوما الكارثة الأكبر في تركيا منذ العام 1992. من تقسيم إلى منجم سوما: يوم 13/5/2014، كان بمثابة مفاجأة جديدة، هزّت تركيا وحكومتها الإسلاميّة برئاسة رجب طيب أردوغان، وذلك بحدوث انفجار في منجم لاستخراج الفحم الحجري في مدينة "سوما" التابعة لمحافظة مانيسا، غرب تركيا، أدى إلى فقدان 301 شخص لحياته، ما ألزم حكومة أردوغان بإعلان الحداد 3 أيّام، كونها أكبر كارثة تواجهها تركيا في قطاع التعدين منذ عام 1992، حين حدث انفجار مماثل في منجم بمحافظة زونجولداك بشمال تركيا. وبحسب التقارير الأوّليّة التي تناقلها الإعلام التركي حول منجم "سوما"؛ أن انقطاع الكهرباء واندلاع حريقٍ تسبب بانبعاث غاز أول أوكسيد الكربون، أدى إلى احتجاز العمال، على عمق حوالي 400 متراً، وبُعد ما بين 2.5 إلى 3 كم من مدخل المنجم، وتعطّل المصاعد التي يستخدمها العمّال، ما أدّى فقدان هذا العديد الكبير من الأشخاص لحياتهم. في حين نفت الشركة المالكة للمنجم "سوما هولدينج"، والحكومة التركيّة مسؤوليّتهما عن هذا الحادث، لجهة وجود إهمال في مراقبة شروط السلامة الواجب توفّرها فيه. إلاّ أن المعارضة التركيّة وإعلامها، حمّلت الحكومة مسؤوليّة الإهمال الحاصل، وأشارت إلى أن صحاب المنجم على علاقة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. هذا الحادث، أعاد التوتّر إلى الشارع التركي، فخرجت مظاهرات احتجاجيّة في اسطنبولوأنقرة وأزمير، وفي مدينة سوما نفسها، قتل فيها شخصان وجرح العشرات. ناهيكم عن أن الحدث فاقم من "عصبيّة" و"توتّر" أردوغان، وخروجه عن طوره مجدداً، والانزلاق نحو إبداء ردود أفعال زادت من حجم انتقادات المعارضة له. يأتي ذلك، مع اقتراب الذكرى الأولى لاحتجاجات حديقة "جيزي"، الصيف الماضي. فهل يُضاف ملفّ حادثة منجم "سوما" إلى ملفّات سابقة، كاحتجاجات "غزي" وملفّ فضيحة الفساد، التي لم تؤثّر على شعبيّة حزب العدالة والتنمية، علماً أن الحزب وزعيمه، مقبلان على استحقاقين وطنيين مفصليين، هما: الانتخابات الرئاسيّة هذا العام، والانتخابات التشريعيّة العام المقبل؟. قطاع التعدين في تركيا يُعتبر الفحم الحجري، من أهمّ الثروات المعدنيّة التي تشتهر بها تركيا. ويوجد فيها أكثر من 7000 منجم للفحم والنحاس والكبريت والرخام، يعمل فيها ما يزيد على 120 ألف شخص. وتشهد هذه المناجم، خصوصاً التابعة للقطاع الخاص، حوادث وانفجارات متكررة، نتيجة عدم الالتزام بشروط وقواعد السلامة. ولم تشهد تركيا كارثة، كالتي شهدتها مدينة "سوما" باستثناء ما حدث سنة 1992، حيث قضى 263 عاملاً في انفجار للغاز في منجم زونجولداك، شمال البلاد.. حيال أوضاع المناجم في تركيا، وعلى خلفيّة حادث "سوما"، ذكر كمال اوزكان، نائب أمين عام "الاتحاد الدولي للصناعة" (مقره جنيف): أنه "لقي اكثر من ثلاثة الاف عامل منجم مصرعهم في تركيا، خلال 73 سنة"، وأن تركيا، "تحتل المرتبة الأولى في أوروبا، لجهة قتلى حوادث المناجم، والمرتبة الثالثة عالميّا". أكّد اوزكان على وجوب حرص الحكومات على سلامة مواطنيها، مشيراً الى أنقرة لم توقّع للآن، المعاهدة 176 الاتحاد العمل الدولي، المتعلّقة بقطاع المناجم. وبحسب منظمة العمل الدوليّة، سجّلت تركيا أعلى عدد من حوادث الوفاة أثناء العمل في أوروبا سنة 2012، وثالث أعلى رقم على مستوى العالم. وفي الفترة الممتدة من 2002 حتى 2012، قتل أكثر من ألف عامل مناجم تركي. وأفادت تقارير إعلاميّة أنه قبل ثلاثة أسابيع من كارثة "سوما" رفض حزب العدالة والتنمية الحاكم، اقتراحات قدّمتها المعارضة إلى البرلمان التركي تقضي بتشكيل لجنة مهمّتها تفقد شروط السلامة في المناجم. ونتيجة حالة الغليان والغضب التي شهدها الشارع التركي واتهام المعارضة وأهالي الضحايا للحكومة التركيّة والشركة التي يتبع لها المنجم، بالمسؤوليّة عن الحادث، نفت وزارة العمل التركيّة ذلك، مؤكدة أنه شهد منجم "سوما" عمليّة تفقّد ولم تسجل أيّة مخالفة. وذكر وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي فاروق تشليك أنه "خلال السنوات الثلاث الماضية، أغلق 162 منجماً، وفُرضت غرامات مالية ضد المخالفين في أرجاء تركيا"، وأن "منجم سوما، تمت معاقبته بغرامة ماليّة بلغت 1،1 مليون ليرة تركية". بينما ألقى محمد تورون، الرئيس السابق لغرفة مهندسي المناجم، بظلال الشكّ على المراقبين واستقلاليّتهم، بقوله: "المشكلة تكمن في مدى استقلالية الخبراء المكلفين تقييم المخاطر في تلك المناجم، لأن رواتبهم مدفوعة من تلك الشركات!؟".