رغم صغر سنه وعمره القصير نسبيا في عالم السياسة، تمكن الشاب "بنيامين بن رودس" في سنوات قليلة أن يقفز علي مقاعد كبار الساسة الأمريكيين الذين يؤثرون في السياسة الخارجية لبلادهم وفي صنع القرار، حتي أصبح الآن نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية للرئيس باراك أوباما، ولقبه الرسمي هو "مساعد الرئيس ونائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية ومسئول الخطب الرئاسية".. وكان رودس هو كاتب الخطابات السياسية الخارجية لأوباما منذ عام 2007، وهو حاصل علي شهادات من كليتي نيويورك ورايس. تربي رودس في الجانب الشرقي من حي مانهاتن بنيويورك، وتخرج في عام 1996، ثم تقدم ليدرس بجامعة رايس، وتخرج فيها عام2000 ليحصل علي شهادات في اللغة الإنجليزية والعلوم السياسية، ثم عاد إلي نيويورك، والتحق بجامعتها وتخرج في عام 2002 حاصلا علي شهادة من وزارة الخارجية في الكتابة الإبداعية.. وفي صيف عام 1997، تطوع للعمل مع حملة "رودي جولياني" عمدة نيويورك، وفي 2001، عمل في الحملة الانتخابية لرئيسة مجلس مدينة نيويورك ديانا رينا. كانت بدايته الحقيقية في عالم السياسة عام 2002، حين قدمه جيمس جيبني، رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي الشهيرة، إلي "لي هاملتون"، العضو السابق في مجلس النواب ومدير مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين، والذي كان يبحث عن كاتب جيد للخطب، ثم قضي رودس خمس سنوات كمساعد لهاميلتون، وساعد علي صياغة تقرير مجموعة دراسات العراق وتوصيات لجنة أحداث 9/11 وفي عام 2007، بدأ رودس في العمل ككاتب خطابات حملة أوباما الرئاسية لعام 2008. ورودس الذي تصفه جريدة الواشنطن بوست بأنه رجل عملي وواقعي، كان واحدا من الذين كتبوا خطاب أوباما الذي ألقاه في القاهرة 2009 والذي شكل بداية جديدة للسياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي، أو هكذا قيل وقتها، وكان رودس هو المستشار الذي نصح أوباما بسحب الدعم الأمريكي من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وقد أصبح مستشارا رئيسيا لأوباما خلال عام 2011 الذي شهد بدايات الربيع العربي، وفي مارس 2013، رفض رودس التعليق علي دوره في إدارة أوباما فيما يخص اتخاذ القرارات السياسية، قائلا: "مهمتي الرئيسية، والتي كانت دائما هي عملي، أن أكون الشخص الذي يمثل وجهة نظر الرئيس حول هذه القضايا". وفي عام 2011، كان رودس علي رأس قائمة الأربعين رجلا تحت سن الأربعين والتي تصدرها مجلة تايم عن أبرز المهنيين الشباب. أما عن حياته الشخصية فتشير المعلومات إلي أن والده كان يعمل أسقفا محافظا من ولاية تكساس وأمه يهودية من نيويورك، وهو متزوج من آن نوريس، كبيرة مستشاري السياسة الخارجية للسيناتور باربرا بوكسر، كما أن شقيقه ديفيد، هو رئيس قناة "سي بي اس" نيوز الشهيرة. وتعود قوة المنصب الجديد الذي يشغله رودس حاليا كنائب لرئيس مجلس الأمن القومي، إلي أن هذا المجلس التابع للبيت الأبيض يعتبر هو المحفل الرئيسي لرئيس الولاياتالمتحدة للنظر فيما يختص بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وذلك بالاشتراك بين الرئيس مع كبار مستشاريه للأمن القومي والمسئولين والوزراء، وهو جزء من المكتب التنفيذي للرئيس الأمريكي، ومنذ إنشائه علي يد الرئيس الأسبق هاري ترومان، ووظيفة المجلس هي تقديم المشورة ومساعدة الرئيس علي ما يخص الأمن القومي والسياسات الخارجية، كما يعمل المجلس أيضا كذراع للرئيس لتنسيق السياسات بين مختلف الوكالات الحكومية. ويقول أصدقاء وزملاء بنيامين رودس إنه هو الذي حث الرئيس أوباما علي اتخاذ سياسة أكثر حدة تجاه مصر وسوريا، كما نصح أوباما بدعم المعارضة السورية لكن دون تسليح. والمعروف عن رودس في جنبات البيت الأبيض أنه دائما مايتم استشارته من قبل أوباما قبل أي زيارة خارجية له، ويتميز رودس البالغ من العمر 35 عاما بصوت خافت، لكنه يحمل آراء قوية وينال الرجل سمعة وشهرة في جميع أنحاء البيت الأبيض باعتباره الرجل الذي يوجه أوباما في السياسة الخارجية. ورغم أنه مسئول عن صياغة خطب أوباما، إلا أن تأثيره يمتد إلي أبعد مما تشير اليه تلك الخطب، كما أنه يعتمد علي العلاقات الشخصية والتشابه الفلسفي مع أوباما والذي يعود إلي حملة عام 2008، كما ساعد رودس الرئيس الأمريكي في اتخاذ سياسة أكثر حدة اتجاه مصر وليبيا عندما اندلعت أحداث الربيع العربي في تلك البلدان في عام 2011. ويتم الآن اختبار هذا التأثير مرة أخري حول مسألة سوريا، حيث قاوم الرئيس حتي الآن مطالبات كثيرة تدفع باتجاه القيام بعمل عسكري أمريكي محدود، وبعد عامين من الحرب الأهلية السورية التي خلفت أكثر من 70 ألف قتيل، نجد أن رودس يقول لأصدقائه وزملائه، إنه محبط بشدة من السياسة الأمريكية الفاشلة هناك، وإنه أصبح مدافعا قويا عن فكرة بذل المزيد من الجهود العدوانية لدعم المعارضة السورية. وقد لاحظ مسئولون في الإدارة الأمريكية أن رودس ليس وحده المحبط بشأن الأوضاع في سوريا، لكن يبدو أن أوباما نفسه يبحث هو أيضا عن الرد الأمريكي الذي قد ينهي المأساة الإنسانية في سوريا، في حين يخشي من وقوع الولاياتالمتحدة في فخ الصراع الطائفي، كما أن العديد من مسئولي البيت الأبيض الكبار يشيرون إلي التشابه المقلق بين الوضع السوري والعراق، وفي حين كان ثلاثة من كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية يفضلون تسليح المعارضة السورية، ومنهم هيلاري كلينتون، وروبرت جيتس وديفيد بترايوس، كان موقف رودس هو عدم دعم المعارضة بالسلاح منذ البداية. ويقول دنيس ماكدونو، رئيس موظفي البيت الأبيض، وأحد الذين عملوا معه، إنه من الصعب علي "رودس" أن يتخذ ذلك الموقف بنفس القدر من الصعوبة بالنسبة للرئيس، فلا يمكنك رؤية ما يحدث في سوريا دون أن يتمزق قلبك لذلك، لكن في نفس الوقت، فإن رودس رجل عملي وواقعي جدا. ويضيف ماكدونو أنه من المعتاد أن يكون تأثير نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض قليل التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية، لكن رودس كان له موهبة خاصة بحيث جعل من نفسه ورأيه ذا أهمية كبري، وليس ذلك فقط في الطريقة التي يعبر بها الرئيس عن سياساته ولكن في الطريقة التي يصوغ بها تلك السياسات. ومن ذلك ماحدث قبل عامين، عندما احتشد المتظاهرون في ميدان التحرير في القاهرة للمطالبة بإسقاط نظام مبارك، وقتها حث رودس الرئيس أوباما علي إنهاء ثلاثين عاما من الدعم الأمريكي للرئيس مبارك، وبعد بضعة أشهر، كان من بين أولئك المحرضين علي التدخل العسكري للناتو في ليبيا لتفادي المذابح التي قد تقوم علي يد العقيد معمر القذافي. وقد أصبح رودس الأول في كتابة الخطب الرئاسية، وفيما بعد، وفي خضم الربيع العربي، أصبح شخصية محورية للغاية، كما جاء علي لسان مايكل ماكفول السفير الأمريكي بروسيا. وقال سامانثا باور، آخر زميل له في مجلس الأمن القومي، والذي انضم له في الدعوة للتدخل العسكري في ليبيا: إن رودس لديه معدل عال جدا من حيث القدرة علي التكهن بالأحداث، مضيفا: أنا لا أفهم أين يحصل رودس علي كل تلك الحكمة التي تكون ل "الرجل العجوز". ويبدو أنه استطاع جمع نفوذه دون المشكلة ذاتها التي تواجه المستشارين الأكبر سنا والأكثر خبرة، فيما يؤكد زملاؤه، أن نمط الدبلوماسية التي لرودس ليست شائعة بين أعضاء الدائرة المقربة لأوباما. وقد امتد تأثير رودس ونفوذه إلي خارج الشرق الأوسط أيضا، ففي عام 2011، كان يعمل مع يعقوب سوليفان، أحد كبار مساعدي كلينتون، وعمل علي إقناع أوباما بالتعامل مع الحكام العسكريين لميانمار، -بورما سابقا- ، بعد الحصول علي موافقة الزعيم الديمقراطي أونج سان سو كي. وكان رودس من الأشخاص الذين لعبوا الدور الأكبر في الانفتاح علي بورما والاشتباك مع "سو كي" من وراء الكواليس. ويقول المسئولون: إن إجراء تحول في سياسة أوباما تجاه سوريا ربما يكون أكثر صعوبة من إقناعه بالوصول إلي ميانمار نظرا للتعقيدات في سوريا، وتقلب ظروف الجوار السوري وطبيعة الصراع، والنفور العميق لأوباما من التورط في صراع عسكري آخر في الشرق الأوسط. ولم تحد الولاياتالمتحدة فقط من دعمها للجيش السوري الحر في الحصص الغذائية والإمدادات الطبية، لكن أيضا حدد البيت الأبيض واحدة من الجماعات المتمردة السنية الرئيسية، وهي جبهة النصرة باعتبارها منظمة إرهابية، وهي السياسة التي ينفر منها الكثيرون من السوريين بسبب فعالية تلك المجموعة في القتال ضد الرئيس بشار الأسد. ويقول زملاء رودس إنه عارض هذا القرار، الذي دفع باتجاهه المستشارين في الاستخبارات، فهو يفضل تجهيز المتمردين بمعدات غير فتاكة ومنحهم التدريب الذي من شأنه أن يساعدهم في معركتهم ضد حكومة الأسد، وهو موقف مشترك بين بريطانيا وحلفاء آخرين.