فيما اعتبره العض انه لاول مرة يتحدث فاروق حسنى فى حوار صحفى عن القيادة السياسية التى نشرت شائعة شذوذه قرابة العقدين ونصف. نشرت مجلة نصف الدنيا حوار مع وزير الثقافة الاسبق حوارا اعتبره البعض ملخصا لمذكراته حيث ستنشره على حلقات توقفت فيه عند أهم المحطات التى عاشها كوزير لدولة مبارك،و سر انتشار هذه الشائعة القذرة ورصدت أهم المحطات الثقافية التى مرت بها مصر فى مرحلة البناء الثقافى والحضارى ولكونه كان مسئولا أيضا عن الآثار، وواجهته بسهام النقد التى وجهت له بأنه كان "الفتى المدلل" لسوزان مبارك، وهل كان ذلك سببا لبقائه فى منصبه طيلة هذه السنوات ال23، فكان الرجل صريحا وأخرج لنا ما بجعبته من حقائق وتفاصيل فى اعترافات مثيرة تحمل شجونا كثيرة وذكريات يعتز بها. - كنت المسئول الأول عن تشكيل الوجدان الثقافى لدى المصريين وخصوصا الشباب، كيف ترى مشكلة الشباب المصرى مع الثقافة فى ظل ما نعيشه الآن؟ فترة الوزارة أعتز بها تماما لأنها لم تكن لحسابى، إنما كانت لحساب الوطن والمجتمع، وذلك لأن أى شخص يقدم شيئا للآخر أعتقد أن سعادته تكون أكثر من تقديم شيء لذاته، ففيها نوع من الإحساس بالمسئولية. فالفترة التى كنت فيها وزيرا للثقافة كانت زخمة جدا ورائعة لأنه كانت هناك تحولات كثيرة جدا تتم فى الثقافة بالذات، فالثقافة مرت بفترة تحريك وجذب شديد جدا فى الإبداع، وكان هناك بالطبع بعض المبدعين لكن جميعهم كان الناس قد تعودوا عليهم، وكان يقع على عاتقنا أن نمدهم بالشباب خصوصا أن المبدعين الكبار أثروا مصر بشكل كبير جدا، لذا كنا نؤمن بأن المستقبل فى مصر لن يتضح إلا بالشباب، لأننا نحن إلى زوال، ولذلك كان لا بد من تحضير شباب فى كل مناحى الإبداع الفكرى والثقافى كى يملأ الساحة. وفى الحقيقة، الإشكال الذى كان مع الشباب فى الثقافة كان كبيرا لأننى عندما توليت المسئولية وقتها قلت إننى جئت من أجل الشباب ومن أجل الغد، لكن الشباب فى هذا الوقت كانوا مغررا بهم ومأخوذين منا ومن الدولة بنوع من الثقافة الدينية المغلوطة التى تسيطر على عقل ووجدان الشباب، والتى تخالف الثقافة الإسلامية التى ليس فيها خطأ، وذلك ما جعلهم ضد الوطن وضد الناس وضد الثقافة وضد أى شىء. حرب إفشال الثقافة: - عندما توليت الوزارة فى نهاية الثمانينيات كانت مصر تشهد تحولات كثيرة وموجة من الإرهاب التى استهدفت أراضينا، مما يؤكد أن الشباب كان يعانى مشكلة أثرت على بعض منهم من استقطاب وغرس مفاهيم مغلوطة فى عقولهم، كيف استطعت مواجهة هذه الأفكار الهدامة عند توليك الوزارة؟ لم تكن مهمتى وحدى، فليست الثقافة وحدها المسئولة عن علاج هذا الخلل، فالتعليم والإعلام والأوقاف ثم يأتى دور الثقافة فى نهاية المطاف، فهذه المجموعة هى التى تشكل كيان الشباب وتربيتهم. لكن تلك الفترة كان فيها غياب شديد جدا لهذا التوجه، وأردنا أن نعيده بالنشاط الثقافى من خلال الدور الثقافية والمتاحف والمعارض، كونها هى الآلة التى نستطيع أن ننتشر من خلالها، بالإضافة إلى أننى عندما جئت للوزارة كنت أضع نصب اهتمامى تحديث الرؤى الثقافية، لأنها أخذت فترة منذ بدايتها فى مصر فى بداية القرن الماضى، وقبل بداية القرن الماضى كان هناك الكتاب والمبدعون والموسيقيون والفنانون، لكنها جاءت فى وقت وتوقفت، لذلك كان لا بد أن أقوم بعمل تحديث للثقافة حتى لا نعيش فى الأمس، وكان ذلك اعتمادا كبيرا جدا على جرأة وشجاعة ومغامرة الشباب بدعمهم. فأرى أن دور الثقافة فى هذه الفترة كان مهما، ومتعبا فى نفس الوقت، فى ظل ما واجهناه من حروب ومواجهات كانت تستهدف إفشال الثقافة وليس رفضا لما أقوم به فى مجال الثقافة. الثورات مرآة: - كان لك تصريح مهم عن ثورة تونس التى سبقت بأيام ثورة 25 يناير 2011، وذكرت قبل قيام الثورة أن ما حدث فى تونس مرآة لمصر، بحكم أنك فنان تحمل رؤية مستقبلية خالفت تصريحات وزير الخارجية أحمد أبوالغيط الذى قال إن مصر ليست تونس، فهل معنى ذلك أنك كنت موقنا بأن مصر مقبلة على ثورة؟ - الفنان لديه حدس واستقراء لخارطة الواقع، فالحدس هو أهم شىء لأنه استشعار للأشياء القادمة والتكهن بها وتقييم الموقف بشكل طبيعى. وأذكر أننى قلت إن تونس مرآة لمصر قبل الثورة بأسبوع تقريبا. وهذه الرؤية استشعرتها من منطلق أن ظروف تونس تشبه ظروفنا من الناحية الاجتماعية، وبالتالى ما حدث فى تونس كان لا بد أن نراه جيدا ونستقرئه، وعندما قلت إنها مرآة كان لا بد أن نرى أنفسنا، هذه المرآة يجوز أن الشباب رآها ولم يرها النظام. واستشعرت وقتها وجود خطر يحدق بمصر، وفى اعتقادى أن أكثر الذين كانوا موجودين على الساحة السياسية فى النظام القائم آنذاك اكتفوا بما أخذوه خصوصا أنهم ظلوا لسنوات طويلة فى مناصبهم. وأنا شخصيا كنت مستاء من نفسى فى هذه الفترة لكننى فى الحقيقة كنت مشغولا برغم استقالتى ثلاث مرات، لكننى كنت أعرف أننى عندما أستقيل سأترك مشروعات عظيمة جدا دون أن تستكمل، لكن كان بداخلى أن من كانوا ضدى لا يشعرون بما أقوم به، وأننى جالس فى منصبى فقط دون عمل، فهؤلاء المعارضون هم الذين ليست لديهم رؤية للثقافة أو أدنى إحساس بها، فلا يعرفون ما هى الثقافة، ولا يعرفون ما الذى أعمله. فما كنت أقوم بعمله ليس فيه شىء لشخصى، بل كان للوطن والناس وللمستقبل، فلو استقرأنا كل الموجود الآن سنعرف أن فاروق حسنى لم يفعل شيئا لنفسه، حتى معارضى الفنية الشخصية كنت أقيمها خارج القاعات الرسمية. استقالات مسببة: - أثناء ترشحك لليونسكو فى عام 2010 تقدمت باستقالتك، فهل كانت بسبب الترشح لهذا المنصب الدولى، أم ماذا؟ وماذا عن الاستقالتين الأخريين؟ لم أقدمها من أجل الترشح لليونسكو، بل قدمتها لأنه كان هناك إشكال خاص بأزمة الحجاب ومن قبلها كان هناك إشكال حريق مسرح بنى سويف، علاوة على أنه كان هناك من قبل خلاف فى الحكومة نفسها وكان سببا فى استقالتى الأولى، وآثرت أن أبتعد كى أريح الجميع، أما الاستقالة الثانية فكانت بسبب حريق بنى سويف رغم أننى أعلم أنه ليس مسئوليتى لكننى شعرت بأنه يجب أن تكون لى مسئولية أدبية، رغم أننى بعيد كل البعد عن المسئولية خصوصا أنه بينى وبين المسئول أربعة أو خمسة مستويات من الوظائف، لكننى عندما ذهبت ورأيت القاعة التى احترقت تأثرت نفسيا بصورة فظيعة، وكان أقل شيء أفعله أن أستقيل، وذلك على الرغم من أننى أثبت خطأ كل الذين كانوا موجودين فى المسرح، لأنه لو كان هناك عارفون بشئون المسرح وإمكاناته ما سمحوا لأحد أن يقدم مسرحية فى هذه القاعة، فقد كان موجودا على خشبة المسرح أكثر من 120 شمعة وكل الديكور كان من مواد قابلة للاشتعال، فلم يكن أحد لديه حصافة أو حس لأن ينبههم بأن هذه حفلة انتحارية، وبالفعل كانت حفلة انتحارية، فعندما شاهدت المكان حدث لى نوع من الهلع النفسى، وقلت إننى لن أتخلص من هذا الإحساس إلا بالاستقالة. أما الاستقالة الثانية فكانت بسبب أزمة الحجاب التى انطلقت من إحدى جلسات مجلس الشعب، فقد اختلق هذه الأزمة الحزب الوطنى الديمقراطى الذى لم أكن عضوا فيه، لكن الحكومة كانت تنتمى إلى الحزب الوطنى، فقد عادانى أعضاء الحزب الوطنى الذىن كنت ممثلا لحكومتهم فى الثقافة بشكل سافر وخارج عن الأدب تحت قبة البرلمان فى عدم وجودى، فلو كنت موجودا ما استطاع أحد منهم أن يرفع صوته، وهم يعرفون ذلك جيدا، لكن فى غيابى صالوا وجالوا يتهموننى بقلة أدب، ولم أقبل ذلك ووقتها جمعت أوراقى من المكتب وأبلغت الجميع بأننى لن أعود مرة أخرى وبأننى معتكف حرجاً من أن أقول إننى مستقيل. شلة "أحمد عز" والإخوان: - عندما سئلت من قبل عن أن الإخوان فى مجلس الشعب هم من كانوا وراء أزمة الحجاب، قلت إن الحزب الوطنى هو الذى كان السبب فيها وصدّر الأزمة للإخوان، فهل كانت هناك مجموعة من وزراءالحكومة آنذاك لديها موقف معين يعادى الوزير فاروق حسنى؟ لا أعتقد أن أحدا فى الحكومة كان يعادينى ليصعد الأزمة، لكن شلة أحمد عز هى التى كانت تقف وراء التصعيد نحوى، أما مجلس الوزراء فكان هناك احترام متبادل وتقدير بينى وبين كل الوزراء حتى الجدد منهم، فالمسألة ليست عاطفة بل كانت تضم الحكومة مجموعة من الوزراء فى منتهى الكفاءة بمن فيهم رئيس الوزراء أحمد نظيف. تحريض الحزب الوطنى: - فى اعتقادك لماذا تم تصدير الوزير فاروق حسنى فى أزمة الحجاب فى هذا الوقت تحديدا، وأصبحت فى المواجهة، فى الوقت الذى اشتعلت فيه أيضا هذه الأزمة فى فرنسا فى ظل الصدام فى التصريحات والآراء مع الأزهر الشريف؟ أعتقد أن السبب فى ذلك كان بسبب تحريض الحزب الوطنى لبعض الإخوان، لأننى أتيت بمفهوم ثقافى جديد له تأثير على الوطن وبالتالى على المجتمع والتفاعل مع خارطة الوطن العربى، وذلك يثير نوعا من الغيرة والحمق، وكونى رجلا رساما ومهنتى الفن فيبدو أن ذلك كان يتعبهم، خصوصا أننى لم أكن أحضر اجتماعات الحزب مما كان يضايق البعض ويجعلهم يحملون لى الضغائن ويكيدون لى، ويرون أننى يجب ألا أظهر بشكل زائد عن اللزوم. - فى وقت أزمة الحجاب تم تصدير أزمات أخرى للوزير الفنان فاروق حسنى، فقيل إنك شاركت فى مظاهرات الشواذ فى باريسوروما أثناء عملك فيهما فى وقت سابق هناك، فى رأيك لماذا ألصقوا بك هذه الاتهامات؟ قالوا مرة إنى شاركت فى هذه المظاهرات فى فرنسا، ومرة أخرى فى إيطاليا، وهذا الكلام غير حقيقى وسواء فى فرنسا أو إيطاليا فأنا لم أكن أشتغل فى "مصنع مكرونة"، حيث إننى عندما كنت موجودا هناك كنت أشتغل فى السفارة المصرية، فعضو السفارة لا يستطيع بحكم منصبه أن يفعل أى شىء يمسه بسوء. - إذاً، فى رأيك من كانت له مصلحة فى أن يطلق هذه الشائعات عليك؟ شخص كان موجودا هناك فى ذلك الوقت لكننى لا أريد ذكره وأنا مسامح فى ذلك. - المرة الأولى التى تقدمت باستقالتك فيها أثناء وجودك فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى، قيل إنها كانت بسبب خلاف مع الوزير طلعت حماد، أليس كذلك؟ تقريبا كانت لهذا السبب، لأنه كان ينقل معلومات مغلوطة عنى، وكان الدكتور كمال الجنزورى صديقا عزيزا جدا قبل أن يأتى رئيسا للوزارة، وسعدت جدا لأننى عملت فى وزارته، وهو كان صديقا قديما للدكتور عاطف عبيد واشتغلنا سويا فى فرنسا لمدة ست سنوات حيث كنت مساعدا له، وعندما غادر فرنسا أبلغنى بقراره ووافقته لأننا قمنا بواجبنا، وعندما عرفت أن الدكتور كمال الجنزورى سيشكل الوزارة سعدت جدا. فسلوك طلعت حماد لم يكن معى أنا فقط، بل كان مع آخرين أيضا، فكان يوقع دائما بيننا وبين الدكتور كمال الذى كان رجلا طيبا. مبارك ليس فاسدا: - وُصِفتَ بأنك الوزير المدلل لدى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بحكم قربك منه ومن قرينته، بحكم أنك كنت شاهدا على 23 عاما اشتغلت فيها فى الوزارة أثناء حكمه ومن قبلها عملت خارج الوزارة فى مناصب أخرى فى ظل حكمه، فى شهادة للتاريخ يمليها عليك ضميرك عن الرئيس مبارك ماله وما عليه، ماذا تقول؟ أشهد بأن مبارك رجل وطنى من الطراز الأول، لم يأخذ من الوطن شيئا بل أعطى له كل شيء، لكن ليس هناك شخص منزه عن الخطأ وأخطاء مبارك المسئول عنها نظامه بالكامل، ولو ترك السلطة قبل فترة حكمه الأخيرة لأقيمت له تماثيل فى كل مكان لأنه قدم للوطن أشياء كثيرة جدا وعلى أيدينا، فعلى الأقل بالنسبة لى لم يوقف أى عمل فى وزارتى بل شجع كل ما كنت أقوم به من أجل أن يستفيد شعبه. فعندما قالوا عنه إنه فاسد، استغربت لأننى أعرف تعامله مع الماديات، فكان يسأل عن كل مليم أين صرفته وأين ذهبت به، فى تقرير مفصل، فمبارك رجل نزيه ومحترم و"متربى"، كان لا يقدح فى أحد فى غيابه، ولم يكن إطلاقا متشفيا أو منتقما، ولم يكن له عداء مع المثقفين عندما كنت مسئولا، فلم أطلب شيئا لمثقف كان مريضا أو فى حاجة ورفض لى طلبى. فأثناء حكمه أقمت أكبر متحف فى العالم "المتحف الكبير"، وأقمت أيضا أكبر متحف حضارة فى العالم، وطورنا أكثر من 40 متحفاً أثرياً وتاريخياً، وطورنا المتاحف والمعابد والمكتبات والترميمات التى تمت، وهو كان يحضر كل هذه الترميمات والفعاليات الثقافية والحضارية وكان سعيدا جدا بذلك. وفى شهادتى أيضا أقر بأننى عندما كنت معه فى طائرة صغيرة أثناء إحدى الرحلات وكان معنا المشير طنطاوى وصفوت الشريف، وجاءت سيرة التوريث، قال مبارك وقتها باللفظ "هوا أنا مجنون أودى ابنى فى التهلكة"، فهذه الكلمة لم أنسها، لأننى كنت متوجسا أيضا من هذا الأمر، لأننى لم أكن أحب أن يأتى لمصر مبارك ومن بعده مبارك، وفى سنواته الأخيرة أعلنت صراحة أننى أرفض التوريث، خصوصا أن الرئيس نفسه كان يرفض التوريث، وكنت أتحمل مسئولية ذلك. وأذكر أننى قلت بالحرف لأنس الفقى عندما كان وزيرا للإعلام "طيب يا أخى ييجى محلل بينه وبين والده، من أجل الشكل العام". فجمال مبارك كان غاويا للسياسة والاقتصاد ويفكر جيدا فى ذلك، وهو إنسان أُحسِنَ تربيته هو وشقيقه علاء، وكان يدرك أنه كى يأتى رئيسا فهذه مسألة خاصة بالشعب. والمحصلة أننى كنت أرفض أن يبقى ابن الرئيس رئيسا. سوزان "سيدة" نادرة: - وما شهادتك عن السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس؟ يندر أن تأتى سيدة مثلها، لأنها من الناحية المالية فى منتهى الأمانة، ونعرف ذلك من التبرعات التى كانت توجهها لكى نكمل المشروعات، كما كنا نتشرف بها في المحافل الدولية لأنها كانت تتمتع بالبلاغة والفصاحة وعمق الفكر والرؤية، رأيتها فى اليونسكو ماذا تفعل، ورأيتها كيف تتصرف فى كافة المحافل الدولية، كيف كانت تدافع عن وطنها، فأسرة مبارك هناك ظلم بيّن واقع عليهم، وكان حسابهم بدون ميزان، وفى الحقيقة غياب الميزان كانت وطأته عليهم عنيفة جدا لأننا ننسى الجميل. وهذه الاتهامات طالتنى وطالت غيرى الكثير من الوزراء بغير حق. قفص من ذهب: - عندما اتهمت بالكسب غير المشروع، قلت وأنت داخل القفص أمام القاضى "إن هذا القفص من ذهب لأنه سيشهد على براءتى"، كيف مرت عليك هذه اللحظات القاسية؟ عندما سئلت عن إحساسى تجاه هذه اللحظات القاسية، قلت لهم إن هذا القفص من ذهب، لأننى بريء من هذه الاتهامات. وعندما أنظر إلى القدر كيف كان معى، عندما طلب جهاز الكسب غير المشروع من الجنايات أن تتحفظ على أموالى لم يحدث قبل ذلك فى أى وقت أن يأتى للجنايات أمر إدارى لا تنفذه، وبالفعل أوقف تنفيذه، لأن كل ذلك كان ظلما وتربصا شديدا عندما أرسل عاصم الجوهرى الأوراق الخاصة بالقضية، ولك أن تتخيل أنه عندما قيل للقاضى الذى سيحقق معى إنت عندك مين النهاردة قال له فاروق حسنى فقيل له "إديه 15 يوم حبس احتياطى زى الآخرين" فرد القاضى قائلا: أنا لسه محققتش معاه، فقيل له وما له إيه المشكلة، رأيت كيف كان الاتهام. - أليس غريبا أن ذلك حدث فى وقت إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد وليس أثناء حكم الإخوان المسلمين؟ ذلك كان مأساة، وشعرت وقتها بأنى اشتغلت لمين وليه، وإيه اللى خلانى أشتغل، فلو أردت السرقة لكان بإمكانى ذلك من خلال المليارات التي كانت موجودة تحت يدى، فالمتحف الكبير وحده كانت تكلفته مليارا و250 مليون دولار، ألم يكن بإمكانى أن أسرق منها مليونى دولار. - ما أفهمه أن لديك علامات استفهام عن الفترة التى تولى فيها المجلس العسكرى شئون البلاد بعد ثورة 25 يناير، أليس كذلك؟ - المشير طنطاوى صديقى، وأقدره ويقدرنى جدا، وأحمد الله أنهم لم يقولوا "لأ ما يتحاكمش"، فالمشير يعرفنى جيدا ويعرف خلقى ويعرف ظروفى، فى أمور مادية موجودة معه بشكل شخصى، فذهبت للمحكمة التى كان بها قاض معروف عنه قوته ونزاهته، ومعروف عنه أنه يحكم بالإعدام أو المؤبد، وكنت سعيدا بهذا القاضى الذى لديه قوة أن يرسخ العدل بأن أخرج من المحكمة. - من المعروف عنك صلابتك وقوتك، هل فى هذه اللحظة شعرت بالظلم وبكيت؟ لم أبك، لأن إحساسى بالظلم وصل مداه الأبعد فكان لدى ثقة ويقين فى الله سبحانه وتعالى وفى القضاء بأننى لن أسجن، لأننى لم أرتكب جرما، رغم أن القدر كان ظالما. القشة التى قصمت ظهر البعير: - ما العتاب الذى توجهه للرئيس الأسبق مبارك بشأن الأسباب التى أدت إلى قيام ثورة 25 يناير؟ مجلس الشعب الأخير هو القشة التى قصمت ظهر البعير، فالنظام كله سمح بأن يكون مجلس الشعب كله من الحزب الوطنى ويستبعد كافة الأطياف، فلم يكن هناك تقدير سياسى من أحمد عز والمسئولين، وعندما كنا نكلمه كان يقول لنا "هوا كده وأنا مالى، هوا ده كلام الشعب مش كلامى"، لذلك كان لا بد من قيام ثورة. لم أشتغل لمبارك وسوزان: - العلاقة الوثيقة بينك وبين مبارك وأسرته هل كانت سببا فى استمرارك وزيرا للثقافة طيلة 23 عاما؟ لم أكن أشتغل من أجل الرئيس مبارك أو السيدة قرينته، فكنت أشتغل للوطن، فلو أنا رئيس موقع وأُشغِّل أحدا من أجل سواد عيونه فهذا أمر آخر وأنا الذى سأخسر ولن آخذ إنتاجا من شغله، فالرئيس مبارك كان يأخذ منى عملا محترما غير مسبوق، لأننى كنت أتفانى ليس لأبقى فى منصبى ولكن كى أبدع وأمتع نفسى والمجتمع بكل ما هو جميل فى هذا الوطن. - الفنان فاروق حسنى كيف أفاد نفسه كوزير؟ وهل من الضرورى أن يكون وزير الثقافة مبدعا أو كاتبا حتى لا يكون هناك انفصال بين الوزارة والمجتمع؟ أنا أفدت الوزارة بالأفكار والرؤى وجدية تنفيذ البرنامج. واستفدت كفنان من الوزارة جماهيرية أكثر بكثير، لكنها أخذت منى ولم آخذ منها شيئا. - هناك 9 وزراء تعاقبوا على وزارتى الثقافة والآثار عقب خروجك منها، فى رأيك لماذا لم يلحظ المصريون فى ظل تعاقب هؤلاء الوزراء أى بصمة لهم حتى الآن؟ وكيف أثر ذلك على الثقافة فى مصر؟ أنا واحد من المبدعين، فلم آت وزيرا وأصبحت مبدعا، بل أنا مبدع وأصبحت وزيرا. أما من جاءوا بعدى فيجب أن نلتمس لهم العذر لأنهم لم يجلسوا فى منصبهم الفترة التى جلستها، فمنهم من جلس شهورا قليلة ومنهم من جلس أياما فى منصبه، فلا يمكن إطلاقا أن يتم إنجاز فى هذا الوقت. وزير "جديد لانج": - لكن هناك من يتهمهم بأنهم بعيدون عن المثقفين والفن بجميع أنواعه؟ أنا سكندرى النشأة، وخرجت من الإسكندرية إلى باريس 9 سنوات، وذهبت من باريس إلى روما 9 سنوات أخرى، وأتيت لهم إلى الوزارة "جديد لانج" لكن الفن والثقافة مهنتى. فأنا كنت أشتغل فى تخصصى الدقيق ألا وهو الإبداع، فأنا محب جدا للموسيقى والمسرح، وأيضا فنان تشكيلى وقارئ محب للتاريخ والرواية، وما زال ذلك فى دمى منذ أن كنت طفلا، علاوة على أننى درست الإبداع فى باريس، فكنت أشتغل فى مهنتى التى كنت أعمل فيها، لذلك لا أقارن بأن ذلك عمل شيئا أو لم يعمل، فتنفسى اليومى كان الثقافة. - قلت إن أى مثقف خارج حظيرة الثقافة ليس مثقفا، لماذا؟ وهل كان هذا التعبير سببا فى إحدى استقالاتك؟ بالفعل، لأن الحظيرة معناها أنها تجمع كل المثقفين، وليست "حظيرة فراخ"، فحظيرة هى كلمة عربية صحيحة محترمة أدبية. وأنا قلت كلنا فى حظيرة المثقفين وليس هم فقط، فإذا كانوا هم "فِراخ" فأنا "فرخة" معهم. ولم يكن هذا التعبير سببا فى تقديم استقالتى نهائيا فى أى مرة من المرات الثلاث التى تقدمت فيها باستقالتى، فهذا التعبير كان "خناق مثقفين" مع وزير، وأناس يريدوننى أن أخطئ، ولك أن تتخيل معنى الكلمة خصوصا أننى لم أكن فى حظيرة النظام ولم أقل لفظ الحظيرة نهائيا، وأتحدى أن يقول لى أحدهم إننى طلبت منه أن يكتب عن الرئيس أو أجبرته على شىء.