مظاهرات عارمة نتيجة حملة الاعتقالات التي يقوم بها رئيس الوزراء لمناهضيه يبدو أن تركيا باتت علي أعتاب ثورة قد تطيح بحزب العدالة والتنمية الحزب الحاكم هناك والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وأحد أهم أذرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين حيث المقر الرئيسي للتنظيم بالعاصمة التركية أنقرة، ويبدو أيضا أن الآفة التي طالت التنظيم الأم في مصر قد تلحق بالتنظيم في بلاد العثمانيين لتكون ضربة موجعة للتنظيم الدولي ككل. حيث كشفت إحدي قضايا الفساد مؤخرا الوجه الحقيقي ل "أردوغان" الذي كان يسوق نفسه علي أنه منقذ الإسلاميين ونصير الحريات.. لكن ماحدث عكس ذلك حيث ظهر مؤخرا وكأنه يدافع بضراوة عن دولة الفساد والمبرر الوحيد هو أن الفاسدين من المقربين له ،ما أدي إلي زيادة الغضب الشعبي ضده وارتفاع أصوات المعارضة المطالبة بسحب الثقة من حكومته. وكانت الجهات الأمنية التركية قد قامت مؤخرا بحملة اعتقالات موسعة علي خلفية تورط أبناء ثلاثة من وزراء حكومة رئيس الوزراء أردوغان في قضايا رشوة وفساد وهم وزير الاقتصاد ظافر تشاجليان والداخلية معمر جولر والبيئة والتخطيط العمراني أردوغان بيرقدار، إلي جانب 49 شخصية مسئولة وعامة من بينها رئيس بلدية حي فاتح باسطنبول مصطفي دمير والمدير العام لبنك هالك "الشعب " الحكومي سليمان أصلان ،ورجل الأعمال الأذربيجاني رضا زراب المقيم بتركيا . ووفقا لتقارير تركية تتضمن الاتهامات الموجهة لأبناء المسئولين تورطهم في الحصول علي عدد من المناقصات الحكومية المطروحة بشكل غير سليم وأهمها مشروع مرمراي الخاص ببناء نفق تحت الماء لربط آسيا وأوروبا ،إلي جانب تورطهم في تسهيل حصول عدد من الأجانب علي الجنسية التركية مقابل الحصول علي مبلغ مالي ،وأيضا قيامهم بتزوير عدد كبير من الوثائق الرسمية لتقسيم مساحات كبيرة من الأراضي مقابل الحصول علي مبالغ كبيرة. كما قامت الشرطة أيضا بمداهمة مقر أحد أكبر البنوك التركية في أنقرة ومقر شركة إنشاءات يمتلكها رجل الأعمال البارز علي أغاوغلو. وبدلا من أن يقف أردوغان إلي جانب حقوق شعبه المسلوبة ويمنع فساد وزرائه ،أعرب عن غضبه الشديد حيال القبض علي أبناء وزرائه وما تبع ذلك من حملة إعلامية شرسة طالت حكومته بالكامل حيث وصف هذا الأمر ب "العملية القذرة "، مدعيا أن ما يحدث لوزرائه مؤامرة سياسية لن يسمح بها حيث إن بعض الأشخاص لا يريدون لتركيا أن تستمر في صعودها السريع نحو الساحة العالمية وفقا لقوله . وبدلا من مكافأة الضباط الذين فضحوا الفاسدين أصدر رئيس الوزراء التركي أمرا بإقالة خمسة من قيادات الشرطة بوحدات الجرائم المالية ممن أشرفوا علي ملف هذه القضية متهما إياهم بسوء استغلال مناصبهم. وعاقبت الحكومة هؤلاء لحجبهم العملية عنها وعن وزير الداخلية وفقا للإعلام التركي ، فعينتهم في وظائف ومدن مختلفة، وسحبت ملف القضية من المدعي العام زكريا أوز الذي أعدها، وسلمته إلي المحقق طوران شولاكادي الذي عين فورا محققين إضافيين لمشاركته في المهمة بسبب حساسية القضية وكثرة المتهمين. وقالت قناة بي بي سي البريطانية إن المحللين الأتراك يرون أن عملية العزل هذه جاءت بمثابة رد سريع من الحكومة التركية علي الاعتقالات الواسعة التي طالت شخصيات سياسية واقتصادية بارزة معروفة بقربها من حزب العدالة والتنمية الحاكم. واعتبرت المعارضة هذا الأمر محاولة مباشرة للتدخل في التحقيقات وإخفاء الحقائق، متسائلة عن سبب وجود الوزراء في مناصبهم رغم هذه الفضيحة. واعتبر أوميت أوران، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض ، أن رئيس الوزراء أردوغان أصبح أبرز وكيل عقاري في العالم، داعيا إلي تحديد مهلة لطرح الثقة بالحكومة في البرلمان. وقال العضو في الحزب أنجين ألتاي إن هذه أضخم فضيحة في تاريخ الجمهورية، وعلي رئيس الوزراء أن يستقيل. وتحدثت وسائل إعلام مقربة من حزب العدالة والتنمية من الحكومة عن تدخل غربي للنيل من حكومة أردوغان. ووفقا لصحيفة حرييت التركية فإن أردوغان يعتقد أن هذه الحملة الأمنية يقودها فتح الله كولن وهو أكاديمي إسلامي بارز يعيش في منفي اختياري بالولايات المتحدة وكان يدعم في السابق حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان قبل أن تنشب بينهما خلافات احتدت في الأسابيع الأخيرة بعد أن قامت الحركة السياسية التي يتزعمها الأكاديمي التركي بالتنديد بمشروع إلغاء المؤسسات الخاصة لدعم المدارس التي تشكل أحد أهم وأبرز مصادرها ،ووفقا للتقارير فإن مؤيدي كولن يشغلون مناصب مؤثرة في مؤسسات هامة مثل الشرطة والقضاء منذ عام 1999،الأمر الذي يستخدمه أردوغان لدعم نظرية المؤامرة ضده. ومن جانبه قال المتحدث باسم الحكومة التركية ونائب رئيس الوزراء بولينت أرينج إن حكومته ستحترم قرار القضاء ولن تتدخل في هذه القضية موضحا ان هناك 51 شخصا لا يزالون قيد التحقيقات في إطار هذه القضية من بينهم أبناء الوزراء الثلاثة لكنه استبعد إقالة أو استقالة فورية لآبائهم إلا أن مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري كورسل تكين كشف في تصريحات للصحفيين أنه لا يوجد أي تحقيقات مع أبناء الوزراء فيما يتعلق بثرواتهم المالية، مناشدا القضاة والمدعين العوام بالعمل بشجاعة وإخلاص دون تفرقة بين شخص وآخر علي أن يقف الجميع أمام القضاء حتي إذا امتدت التحقيقات لأعضاء في حزب الشعب الجمهوري المعارض نفسه.. ونظرت صحيفة "يني شفق"التركية إلي هذه القضية بمنظور آخر حيث قالت إن هذه الفضيحة وراءها جهاز الموساد الإسرائيلي، حيث إن تل أبيب لا تشعر بارتياح حيال العلاقات المتطورة بين تركياوإيران ،فالتهم المتورط فيها بنك "هالك"التركي من بينها تهريب ذهب ،وكانت تقارير إسرائيلية قد أفادت بأن هناك عملية لتحويل الأموال من تركيا إلي إيران رغم فرض حظر علي الأخيرة حيث إن أموال النفط يتم إرسالها في صورة ذهب عن طريق البنك التركي . ولم يتوقف توجيه الاتهامات علي وزراء أردوغان بل تم توجيه اتهامات بالفساد لرئيس الوزراء نفسه حيث كشفت صحيفة ورلد بلوتين التركية عن مداولات ساخنة يشهدها البرلمان التركي في إطار مناقشة الموازنة العامة للعام المقبل علي خلفية فتح المعارضة التركية لملف تورط حكومة رجب طيب أردوغان في تقديم الدعم المالي لثورات "الربيع العربي" عموما والمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا خصوصا. وقالت الصحيفة إن كيلتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة التركية وصف الموازنة بأنها غير شرعية لأن حكومة أردوغان تصر علي إخفاء تقرير لجنة المحاسبة والتفتيش المالي عن السنوات الثلاث الأخيرة والذي يكشف فسادا ماليا وإداريا مستشريان. وأشار أوغلو إلي أن حكومة أردوغان تنفق ما تجبيه من ضرائب من المواطنين علي شراء أسلحة للمعارضة السورية ، لافتا إلي أن هذه المعلومات جاءت علي لسان سائق شاحنة اعتقل قبل شهرين فيما كان يحاول تهريب قنابل إلي سوريا وقد تحدث عن تعاون قوي أمنية تركية لنقل تلك الأسلحة إلي سوريا التي تقوم فيها جماعة الإخوان المسلمين بدور فاعل في صفوف المعارضة. وفي سياق الفساد المالي والإداري لحكومة أردوغان الذي كان موضوع نقاش إحدي جلسات البرلمان كشف رئيس حزب الشعب الجمهوري أن الحكومة التركية قدمت دعما إلي الحكومة التونسية التي يتزعمها حزب النهضة الذي يعد فرع الجماعة هناك ،هذا العام لمواجهة المتظاهرين من بينها سيارات خاصة للأمن وعصي للشرطة وقنابل غاز مسيل للدموع ،متسائلا عما إذا كان هناك رابط بين هوية الحكومة التونسية الحالية الإسلامية وهذا الدعم الأمني الذي يخالف تصريحات المسئولين الأتراك الذين يؤكدون دائما دعم حرية التعبير والتظاهر . وكان أردوغان قد قال في كلمة ألقاها مؤخرا خلال افتتاح عدد من المرافق بمدينة أنطاليا إن الضمير العالمي يتناسي ما يحدث للأطفال المصريين والسوريين ،مؤكدا أن تركيا ستدافع عن حقوق هؤلاء الأطفال، بينما تجاهل أردوغان أنه يدعم الحركات والجماعات التي تتفق مع أيديدلوجيته في كل من مصر وسوريا بغض النظر عن مصالح ورغبات الشعوب . ومع انتشار الفساد بالشكل الذي لم يستطع أردوغان ووزراؤه إخفاءه بعد الآن عن وسائل الإعلام التركية يري المحللون أن أنقرة باتت علي أبواب ثورة عارمة علي غرار ما حدث بمصر وتونس بشكل قد يطيح بحزب العدالة والتنمية من الحياة السياسية ،حيث زاد الغضب الشعبي الذي كنا قد شاهدنا جانبا منه في ميدان تقسيم وتم مواجهته بالقمع رغم ادعاء أردوغان بأنه يدافع عن حقوق الشعوب في التظاهر الأمر الذي يتخذه ذريعة للتدخل في شئون عدد من الدول من بينها مصر. وكان شاب تركي قد قام خلال الأيام القليلة الماضية بإحراق نفسه أمام البرلمان التركي تعبيرا عن غضبه في وقت تزامن مع ذكري حرق المواطن التونسي محمد بوعزيزي لنفسه بتونس ما أدي إلي إشعال الثورة ببلاده ومن بعدها البلاد العربية وكأن لسان حاله يقول إننا في حاجة إلي مثل هذه الثورات التي أطاحت بالأنظمة العربية المستبدة.. بجانب ذلك فإنه من الملاحظ أن المعارضة التركية تجرأت بشكل غير مسبوق علي حكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية للمرة الأولي منذ عام 2002 حيث كانوا يخافون بطش رئيس الوزراء إلا أنهم لم يعودوا يتحملون الأمر بعد الآن.