مفاجأة سياسية كبري فجرها كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني وزعماء الدول الست الكبري بقيادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد عقد اتفاق وإن كان مؤقتا حول الملف النووي الإيراني تمهيدا لعقد اتفاق شامل ونهائي بعد ستة أشهر مما يعد حدثا هاما سيسهم في تغيير الخريطة السياسية بالمنطقة بعد هذا التحول الدراماتيكي في نهج كل من طهرانوواشنطن، وهو ما أعتبره الكثيرون نجاحا مدويا لروحاني ودليلا دامغا علي ضعف الولاياتالمتحدة التي "ركعت" أخيرا أمام طموحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويصادف الاتفاق التاريخي الذي توصل له روحاني مع الدول العظمي الست مرور 100 يوم علي وجوده بالحكم، ووفقا للمقربين له فإنه يعتبر هذا الاتفاق انتصارا لطهران خصوصا أنه أجبر العالم علي الاعتراف بحقوقها النووية، إلي جانب تخفيف العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة عليها وكانت طهران بموجب هذا الاتفاق قد وافقت علي الحد الأدني من عملياتها لتخصيب اليورانيوم ووقف نشاطاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات القاسية والإفراج عن بعض أصولها المالية المجمدة. ويؤكد المحللون أن هذا الاتفاق يعد إنجازا تاريخيا كبيرا ومبكرا لروحاني الذي فاز في الانتخابات متغلبا علي عدد من المحافظين في شهر يوليو الماضي، بعد أن وعد بنهج أكثر دبلوماسية تجاه الغرب، بعد ثماني سنوات من جمود المحادثات وتزايد حدة العقوبات في ظل حكم سلفه محمود أحمدي نجاد. ونقل موقع سي إن إن عن المحلل في مركز "سي إن إن للأبحاث" أفشون أوستوفار قوله إن نجاح روحاني يرجع إلي توقعات وفده التفاوضي الواقعية ودعم علي خامنئي المرشد الأعلي للثورة الإيرانية الذي يعود له القرار الأخير بشأن البرنامج النووي الذي يدور حوله الخلاف. وأضاف أوستوفار أن من المرجح أن يحاول روحاني في الفترة المقبلة تحسين العلاقات مع السعودية وغيرها من الدول العربية، رغم أنه من الصعب حدوث ذلك طالما واصلت كل من طهران والرياض خوض حرب في سوريا ضد بعضهما عن طريق أطراف أخري. ولم يكن هذا الاتفاق وليد اللحظة كما يظن البعض حيث كان هناك عدد من الشواهد تدل علي أنه سيحدث كان من بينها اصطحاب روحاني لممثل اليهود في البرلمان الإيراني "سيامك مرة صدق" إلي نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. ووفقا لموقع خرداد الإيراني فإن قرار اختيار النائب اليهودي للمشاركة في الوفد المرافق للرئيس الإيراني حظي بأهمية قصوي، نظرا لإمكانية لعبه دورا هاما لتحسين صورة الجمهورية الإسلامية أمام المجتمع الدولي فيما يتعلق بموقف إيران من الأقليات الدينية إلا أن الأمر كان فيما يبدو وراءه أهداف سياسية وأشار الموقع إلي أن روحاني حاول فور وصوله للحكم التأكيد علي حقوق المواطنة لكافة الأقليات الدينية ومن هناك جاء اختياره للنائب اليهودي لمرافقته ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فوفقا للمحللين حدث تحول كامل بالنسبة لحالة العداء التي اتسمت بها العلاقات بين إيران والغرب منذ الثورة الإسلامية عام 1979 في عهد الرئيس الحالي حتي إنه وصف المحرقة النازية لليهود بأنها مقيتة علي هامش اجتماعات لجنة الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي بعد أن كان سلفه أحمدي نجاد ينكرها ويصفها بالخرافة. كما اعتبر اللقاء المباشر بين وزير الخارجية الإيراني محمود جواد ظريفي ونظيره الأمريكي جون كيري في نيويورك تاريخيا حيث أعقبه تكثيف للاجتماعات بين الدبلوماسيين من الطرفين لمدة ساعات في جنيف. ويبدو أن روحاني كان قد اتخذ قرارا ببدء الحوار الفعلي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث صرح مسئول أمريكي في شهر سبتمبر الماضي بأن أعضاء الوفدين الأمريكي والإيراني أجروا مناقشات ثنائية محدودة إضافة إلي المحادثات مع وفود مجموعة (5+1) التي تضم بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا بجانب أمريكا. وزادت الاتصالات بشكل واضح بين طهرانوواشنطن بشكل أكد حدوث تقارب بينهما وفي نفس الوقت أثار مخاوف في أوساط المتشددين الإيرانيين وفي إسرائيل والسعودية اللتين تعتبران إيران بلدا مزعجا. ومن الواضح أن رغبة روحاني في التقارب كانت متبادلة من جانب أوباما، فبعد أن رأي المحللون عدم لقاء الرئيسين علي هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء نتيجة رفض أمريكي، إلا أن رئيس الولاياتالمتحدة فاجأ الجميع وبادر بالاتصال بروحاني في نهاية شهر سبتمبر بحثا خلالها الملف النووي الإيراني وبعض قضايا المنطقة علي رأسها القضية السورية واستمرارا لإظهار حسن النوايا أصدر روحاني أمرا بإزالة اللافتات التي تحمل شعارات مناهضة للولايات المتحدة في نهاية الشهر الماضي، كما لوح باستخدام تأثيره علي بشار الأسد والتوسط لإنهاء الأزمة السورية. ومما يؤكد أن اصطحاب روحاني لنائب يهودي في زيارته لنيويورك ليس أكثر من مناورة سياسية لإقناع الغرب بالتفاوض معه أن هناك علامات استفهام كبيرة حول تعامله مع حقوق الإنسان حيث إنه كذب بشأن إفراجه عن عدد من السجناء السياسيين كما أن الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي كانت قد تحدته بعد أن أعلنت عن تضامنها مع المحامي عبدالفتاح سلطاني الذي بدأ إضرابا عاما عن الطعام هو وثلاثة آخرون في سجن طهران احتجاجا علي عدم توافر الرعاية الطبية لهم وانضم إليهم ثمانون سجينا في سجن آخر غرب العاصمة. وأوضحت عبادي أن روحاني يضغط علي وسائل الإعلام للترويج من أجل إقامة حوار مع الولاياتالمتحدة إلا أنه تجاهل مسيرة كبيرة كان قد تم تنظيمها لإحياء ذكري الاستيلاء علي السفارة الأمريكية خلال الثورة الإيرانية عام 1979 حيث هتف المشاركون "الموت لأمريكا" وأحرقوا العلم الأمريكي في إشارة منها إلي الرفض الشعبي للمساعي الإيرانية للتقارب مع واشنطن. وعلي الرغم من وعود روحاني بالمساواة إلا أن المسلمين السنة في إيران لم يشعروا بتحسن مع وجوده في الحكم حيث عانوا منذ عشرات السنين من الاضطهاد وحكم علي الكثير منهم بالسجن، وعلي الرغم من ان الرئيس الإيراني حاول إقناع خامنئي بالإفراج عن عدد من المسجونين فإنه لم يكن من بين قائمة المفرج عنهم أي مسجون من السنة. وعلي الرغم من المناشدات التي قدمها أهالي السجناء السنة، والمناشدات التي تقدم بها زعيم أهل السنة في إيران الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي إلي مرشد الثورة علي خامنئي ورئيس الجمهورية حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني وغيرهم من المسئولين في النظام الإيراني؛ فإن السلطات هناك لم تعتنِ بهذه النداءات والمناشدات المطالبة بوقف الإعدامات بحق أبناء أهل السنة؛ بل إن هذه السلطات قد زادت من وتيرة أحكام الإعدام وتنفيذها بحق العديد من أبناء أهل السنة علي مختلف قومياتهم. وعلي الرغم من تاريخ روحاني السياسي فإنه يعد لغزا محيرا للسياسيين حيث إن قراراته لا يمكن توقعها واتجاهاته من الصعب تحديدها، وحاول ستيفن ديتو الباحث المستقل في شئون الشرق الأوسط في مقال له نشره موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أن يحلل شخصية الرئيس الإيراني حيث قال إنه بعد مرور شهور قليلة علي وصول روحاني للحكم لا تزال هناك فجوة معرفية حول الرئيس الإيراني، أدت إلي تصورات متباينة بشكل كبير لنواياه حول مسائل رئيسية وموقفه الإجمالي من الغرب. وأشار ديتو إلي أن الرئيس الإيراني ألف خلال العقد الماضي 10 كتب علي الأقل كما كتب أربعين مقالا أكاديميا حول قضايا سياسية بإجمالي ما يزيد علي 7000 صفحة، ومن خلال هذه الكتابات يمكن رسم صورة واضحة له. وأضاف أن روحاني بعد مرور شهرين علي تولي منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين أي في ديسمبر 2003 كتب مقالا يفهم منه أنه يؤيد عدد من الإصلاحات وهو كمنظر يري أن تطبيق هذه الإصلاحات علي أرض الواقع سوف تفيد النظام الإيراني وترسخ وجوده، حيث يري أنه إذا زادت الروابط بين الشعب والمؤسسة الحاكمة فسوف تزداد قدرة الدولة وقوتها وهو أمر مهم للأمن القومي الإيراني، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يري أنه يحتاج إلي تخفيف الضغط الخارجي علي إيران. وكان روحاني في مقاله الأخير قبل توليه منصب رئيس الجمهورية قال بشكل ضمني إنه يوافق علي المفاوضات النووية مع الولاياتالمتحدة، علي غرار ما حدث في عام 1988 عندما تم التوصل إلي إنهاء الحرب بين العراقوإيران ووافقت النخبة علي هذا الأمر علي أنه حل وسط ضروري ولكنه مؤقت فيما يتعلق بالمثل العليا للثورة الإيرانية. ويري الكاتب أن هذا الجمع بين العقلانية الأيديولوجية التي تري بعض التدابير الإصلاحية كعلامة من علامات القوة، وليست تهديدا أحدثت نقلة في الشخصية العامة لروحاني علي مدي السنوات القليلة الماضية، وعززت خطابه التصالحي مع المجتمع الدولي. ولفت ديتو إلي أن الهوية الرئيسية لروحاني تبرز في كونه مدافعا عن الثورة الإسلامية فبالإضافة إلي إنقاذ الاقتصاد والتفاعل مع العالم فإن من بين تعهداته الانتخابية الرئيسية "إحياء الأخلاق" وهي عبارة يستخدمها للإشارة إلي تجديد القيم الدينية فضلاً عن الوحدة الوطنية في ظل رعاية المرشد الأعلي. وذكر "ديتو" بأن روحاني أعرب عن دعمه للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي علي مدي السنوات الثلاثين الماضية، بما في ذلك اجتياح السفارة الأمريكية عام 1979، وفتوي آية الله روح الله الخميني ضد سلمان رشدي والاستخدام العام للعنف خارج نطاق القضاء وخارج حدود الدول، فعلي سبيل المثال، أعلن في عام 1987 أن لدي القوات الإيرانية القدرة علي تدمير المصالح الاقتصادية الأمريكية في جميع أنحاء العالم. وعلي عكس خطاب حملته الانتخابية هذا العام، تشمل خلفية روحاني العسكرية والاستخباراتية انتهاكات سابقة لحريات الشعب الإيراني يري "ديتو" أنه عندما كان أمينا للمجلس الأعلي للأمن القومي في تسعينيات القرن الماضي، وجه حملة قمع الاحتجاجات السلمية وإغلاق الصحف وفرض حظر علي استعمال أطباق الأقمار الصناعية والإعلام المفتوح وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر ضد الولاياتالمتحدة، وجه روحاني اللوم إلي الولاياتالمتحدة بسبب أخطاء وخطايا السياسات الأمريكية وزعم أن القوات الجوية الأمريكية هي التي أسقطت الطائرة في رحلة رقم 93 التي تحطمت في بنسلفانيا، وفي مقابلة مع شبكة "إيه بي سي نيوز" في سبتمبر 2002، دعم صراحة التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين، حتي الأطفال، قائلا: إن الفلسطينيين ليس لديهم أي بديل وهو الأمر الذي يراه الغرب تشجيعا علي الإرهاب. وأضاف "ديتو" أنه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وبصفته قائدا عسكريا ودبلوماسيا ناشئا، دعم روحاني تطوير الأسلحة الكيميائية واستخدامها، وهو ادعاء أنكره في السنوات الأخيرة. وفي مقال أكاديمي له في أبريل 2001، أثني كذلك علي دور التكنولوجيا النووية في إنهاء الحرب العالمية الثانية، وفي مقالة أخري له نُشرت في 2009، تنبأ أنه بسبب "ازدواجية المعايير" في تعامل الغرب مع إسرائيل، سيكون هناك سباق تسلح يجعل حظر عدم انتشار الأسلحة في الشرق الأوسط أمرا معقدا وصعبا في المستقبل