الأيام المقبلة سوف تشهد صراعاً داخلياً جديداً لجماعة الإخوان المسلمين داخل مصر وخارجها، قد يكون هو الصراع الأخير لتلك الجماعة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة وتسعي بكل الوسائل لإحراق مصر بعد أن تلقت الضربة القوية بعزل محمد مرسي ومحاصرة نشاطاتها داخل مصر، فمن المعروف أن منصب المرشد العام للجماعة اقتصر علي مصر باعتبارها الأرض التي شهدت ميلاد تنظيم الإخوان المسلمين ومنها ظهرت فروع الجماعة في كافة الدول العربية ومعظم الدول الأجنبية واكتسبت صفة "الدولية". وفي آخر اجتماع للتنظيم الدولي بالعاصمة القطريةالدوحة استقر المجتمعون تحت ضغط قطري وتركي علي تولي "راشد الغنوشي" رئيس حركة النهضة التونسية منصب المرشد العام! وتلك أكبر ضربة يتلقاها تنظيم مصر، فلم يسبق أن تجرأ أحد من قادة الجماعة في أي قطر عربي علي دخول صراع علي هذا المنصب. والمتابعون للجماعة منذ نشأتها في الأربعينات وتأسيسها علي يد حسن البنا يعرفون أن إخوان مصر دافعوا بكل قوتهم لبقاء هذا المنصب قاصراً علي مصر، وفي المرة الوحيدة التي سعي فيها بعض قادة الجماعة في الأقطار العربية للحصول علي منصب المرشد تصدي لهم قادة الجماعة في مصر وأرغموهم علي بقاء منصب المرشد في مصر، وحدث ذلك في الثمانينات عندما اعترض بعض قادة الجماعة بالخارج علي اختيار المرشد الرابع "محمد حامد أبوالنصر" خلفاً لعمر التلمساني، وكادت تلك الواقعة تعصف بمكتب الإرشاد وتفتح جبهة صراع مع قيادات الجماعة في عدد من الأقطار العربية، ووقف إخوان مصر ضد هذه الفكرة وخرج حامد أبوالنصر بنفسه ليقدم للمعترضين درساً حتي لا يتجرأ أحد علي منصب المرشد العام حيث قال للمعترضين علي اختياره إن الثقل الإخواني هنا في مصر وليس في أي مكان آخر، وقال إن الدعوة ولدت هنا في مصر علي يد الإمام الشهيد، وأضاف: "هنا التاريخ، والمعاناة، والتضحية، ثم قال بحسم: لن يستطيع تحمل هذه المسئولية سوي إخوان مصر، وبالتالي هم الذين يختارون، وهم الذين يحددون مَن يتولي منصب المرشد". واليوم يواجه إخوان مصر نفس الأزمة وهناك غليان رهيب في صفوف الجماعة من هذا الاختيار الغريب خاصة أن إخوان مصر اقترحوا إسناد المنصب بشكل مؤقت للقيادي جمعة أمين عبدالعزيز بحيث تظل مصر هي الأصل وليست الفرع، واعترض التنظيم الدولي علي هذا الاختيار بحجة حالة "جمعة أمين" الصحية، لذلك اقترح إخوان مصر أسماً آخر وهو إبراهيم منير واعترض التنظيم الدولي أيضاً علي اعتبار أن منير مقيم في بريطانيا وأن اختياره لن يضيف شيئاً للجماعة في مصر. وكان من الواضح أن التنظيم الدولي يريد استغلال الظروف الحالية ليحدد مستقبل الجماعة في المرحلة المقبلة، حيث يفكر التنظيم الدولي في إعادة النظر في فروع مكاتب الإخوان بالعواصم العربية وإبعاد مصر بعد أن تسبب عزل محمد مرسي في توجيه ضربة لأحلام الجماعة في ليبيا وتونس. وسوف تشهد المرحلة المقبلة تحركات من القيادات الإخوانية في مصر لوقف قرار التنظيم الدولي وتقديم عريضة اعتراض علي اختيار الغنوشي وإعادة المنصب إلي مصر، وقد حاول بعض القادة بالجماعة تهدئة غضب الشباب مؤكدين لهم أن الغنوشي لم يتم اختياره مرشداً بل "مسئولاً" عن التنظيم في مصر وخارجها، وهو ما لم يقتنع به الشباب الذي كان يطالب بضرورة الإسراع باختيار مرشد للجماعة منذ القبض علي محمد بديع. فاختيار الغنوشي -حسب رؤية شباب الإخوان- يمثل نهاية لعصر الإخوان واغتيالاً جديداً للأب الروحي حسن البنا الذي يتم قتله من جديد باختيار الغنوشي، كما أن اختيار الغنوشي يزيد من ورطة الإخوان في ظل تركيز جهوده علي إنقاذ حركة النهضة من الغرق بعد فشلها السياسي والاقتصادي والأمني في تونس علي يديه باعتباره رئيساً لها، كما أن الغنوشي يلعب علي الكثير من الحبال ما يجعله غامضاً في أذهان الكثيرين، فهو يقدم نفسه تارة كليبرالي حين يسعي إلي طمأنة الغربيين أو المعارضة المدنية والحقوقية، وتارة أخري يدافع عن غلاة السلفيين باعتبارهم أبناءه، ما جعل المعارضة تحمله مسئولية ما وصلت إليه البلاد من فوضي أمنية خاصة بعد اغتيال رموز سياسية وحقوقية علي أيدي سلفيين متشددين. هذا بالإضافة إلي أن صعود الغنوشي سيدفع أكثر باتجاه إحكام قبضة الدوحة وأنقرة علي التنظيم لتعمل الدولتان علي تحريكه وفق أجندة جديدة في محاولة منهما لتعويض خسارتها في مصر وسوريا وفي تونس نفسها حيث لم يبق أمام "النهضة" سوي أسابيع قليلة لترك الحكم مكرهة، كما أن خروج رئاسة التنظيم الدولي من الأيادي المصرية قد يساعده علي الخروج من أزمته المستمرة، وهو التفكير كتنظيم سري يهمه فقط مصلحته ولو أدي الأمر إلي أن يناصب العداء لكل العالم بما في ذلك الشعب المصري مثلما يجري هذه الأيام. من ناحية أخري لم يكتف خالد مشعل برفض تولي منصب المرشد بل إنه فجر قنبلة في وجه جماعة الإخوان المسلمين وعاد يخطب ود دمشق وطهران بعد أن انحاز الإخوان إلي الخندق المقابل، وفاجأ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الجميع حين دعا ثوار سوريا إلي إلقاء السلاح والتفاوض مع النظام، وهو ما يعد انقلاباً في الموقف بنسبة مائة بالمائة ليس في موقفه فقط بل في الخط العام. وكان مشعل قد غادر الدوحة لأنه اكتشف أن الإخوان متمسكون بالأمريكان إلي أبعد الحدود، وحاول إقناعهم بأن الابتعاد عن الولاياتالمتحدة أفضل لمستقبلهم، ولذلك جاء قرار التنظيم باختيار الغنوشي الذي يتبني فكرة التعاون مع الغرب والرهان عليه مثلما تؤكده تجربته الشخصية في تونس. ونتوقع أن تتوسع الانقسامات أكثر خلال الفترة القادمة داخل التنظيم وفي فروعه بفعل سقوطهم في مصر، وثبوت عجزهم عن إدارة أبسط المعارك والإجابة عن أسئلة الشارع في الدول التي وصلوا فيها إلي الحكم.