لعلك لاحظت مثلى بمزيج من الدهشة والذهول والقرف، نبأ رحلة الحج (ليست مجرد «عُمرة» بالتأكيد) التى يقوم بها حاليا وفد من جماعة الإخوان للعتبات الأمريكية المدنسة، حيث يتلطى ويتلطع عادة الطامحون فى حكم أوطان منكوبة مثل أوطاننا ويطمعون فى الفوز بعطف ورضا الخواجات فى واشنطن لتعويض نقص أو انعدام شرعية قبول الناس فى بلادهم. طبعا أسباب الدهشة والذهول معروفة، ولا تحتاج إلى شرح طويل، فهؤلاء القوم تروعك قدرتهم المعجزة على ادعاء شىء وفعل نقيضه التام (يسميه بعض الناس إدمان الكذب)، فمن ذا الذى كان بمقدوره مثلا أن يتخيل قبل شهور وقبل أن تقفز الجماعة المذكورة قفزاتها الهوجاء السريعة نحو السلطة على جثة ثورة (كانوا آخر من انضموا إليها وأول من غادروها وانقلبوا عليها)، فإنهم سوف يتماهون إلى هذا الحد ومن دون ذرة من خجل فى أسوأ تصرفات وسلوكيات عصابة المخلوع أفندى ونجله، ومنها قيام هذا الأخير بشد الرحال مرات عدة (بغير صفة) إلى واشنطن لكى يسوق نفسه عند أهل الحل والعقد الأمريكان، على أمل أن يمنحوه «رخصة تسيير» مشروع وراثتنا من أبيه المخلوع.. وليدلنى أحد على أى فرق بين رحلات ابن المخلوع إلى عاصمة أمريكا والرحلة الإخوانية الحالية التى لا يبدو لها هدف أو معنى سوى تسويق حكم «الجماعة» فى سوق واشنطن والحصول لمرشحها الرئاسى الملياردير «الشاطر» على الرخصة الأمريكية التى ربما يظنون (كما ظن ابن الخلوع) أنها أفعل وأقوى تأثيرا فى تقرير حكم مصر ورئاستها من إرادة شعبها وجموع ناخبيه الغلابة!! يبقى من دواعى القرف، إضافة إلى ما فات، الاستماتة فى طلب الرضا والعفو ولغة الشحاتة والتسول التى تنقل لنا الأخبار، كيف أن وفد الجماعة يتوسل بها لأداء مهمته ويستخدمها بإفراط، بينما هو يتنقل ويسرح على موائد ومكاتب أصاغر ونكرات الموظفين فى الإدارة الأمريكية.. لقد شعرت بما هو أكثر من القرف وأن أقرأ أخبارا من نوع أن إحدى عضوات الوفد الإخوانى قالت لمضيفيها فى محفل عام: «نحن هنا لنبدأ مد جسور التفاهم مع الولاياتالمتحدة.. (إننا) ندرك الدور الشديد الأهمية الذى تلعبه الولاياتالمتحدة فى العالم، ونود أن تتحسن علاقاتنا (معكم) عما كانت من قبل..»!! «من قبل».. هل لاحظت؟! إنهم يعرضون على الأمريكيين «تفاهما» وعلاقات أشد «حسنا» وجمالا وحميمية مما كانت عليه أيام المخلوع، ولست أعرف إن كان فى وسع الست «الجماعة» أن تعثر فى هذه الدنيا الواسعة على صيغة للعلاقات والوشائج والارتباطات مع واشنطن «أحسن» وأقوى وأجود من علاقة التبعية المذلة و«التفاهم» الدائم (وبمجرد الإشارة أحيانا) الذى كان قائما بين النظام المدحور وأسياده فى البيت الأبيض، وهو تفاهم ظل لعقود طويلة يقيد الإرادة الوطنية بقيود ثقيلة، وأهدرت تحت ظلاله الكئيبة كرامة هذا الشعب ومصالحه العليا مقابل تقديم خدمات جليلة للمخططات والاستراتيجيات والعربدات الأمريكية-الإسرائيلية فى منطقتنا وأمتنا!! حقيقة والله، لست أعرف كيف ستتمكن «الجماعة» من مد جسور تفهماتها وتحسين وتمتين علاقاتها مع الأمريكيين من دون تقديم قرابين وعرابين محبة وهدايا مجانية لا بد أنها ستكون حتما خصما من حساب مصالح الوطن والأمة، لكنى أعرف من قراءة أخبار رحلة الحج الإخوانية للعاصمة الأمريكية أن المتحدث باسم البيت الأبيض جاى كارنى قال إن وفد الإخوة الإخوان «التقى مسؤولين من المستوى المنخفض» بمجلس الأمن القومى الأمريكى.. ولا فخر!! نقلا عن جريدة التحرير