دفعت تقارير لنشطاء معارضين في سوريا، أفادت سقوط ما يزيد على 300 قتيل معظمهم من المدنيين في بلدة داريا بالقرب من دمشق، صحفيا في العاصمة السورية إلى كتابة تقرير عن تاريخ الاحتجاجات في هذه البلدة وردود أفعال المواطنين السوريين فيها. حيث صدم العديد من السوريين بمضمون تقرير بثته قناة "الدنيا" الموالية للحكومة السورية مؤخرا عن وقائع ما جرى في بلدة داريا السورية. إذ كانت الصحفية ميشلين عازر، مراسلة قناة "الدنيا"، أول صحفية تذهب إلى البلدة الصغيرة بجنوب غرب دمشق في مهمة مرافقة للجيش السوري. وأظهر التقرير مشاهد مؤلمة لجثث رجال وسيدات وأطفال قتلوا بالرصاص، فيما دخلت الصحفية بصحبة المصور المرافق لها إلى المقابر، حيث وجدت سيدة تستند إلى شاهدة أحد القبور وبدت في حاجة ماسة إلى علاج طبي. وبادرتها عازر بالسؤال قائلة: "ماذا فعل بك الإرهابيون؟" رغبة منها في تأكيد بشاعة ما ارتكبته "الجماعات المسلحة"، بحسب تعبير الحكومة، من جرائم في داريا. وربما كانت أكثر الفقرات الصادمة في تقرير عازر هي تلك الفقرة التي حاورت فيها طفلة في الرابعة من عمرها وجدتها ترقد إلى جانب جثة أمها في مؤخرة إحدى الشاحنات. وهمت الصحفية بسؤال الطفلة، بعد أن وصفت حالها، وقالت "من هذه السيدة؟ أين كنتما ذاهبتين؟" وردت الطفلة التي بدت عليها أمارات الهلع والصدمة في صوت هامس "إنها أمي". وأكدت الصحفية أن العديد من السوريين ممن أجرت معهم أحاديث انتابتهم صدمة إزاء ما حدث في بلدة داريا، غير أن تقرير قناة (الدنيا) كان له بالغ الأثر في زيادة حدة الغضب لديهم، وبدا الأمر بالنسبة للعديد يعني انعدام الرحمة في التعامل مع سكان البلدة لاسيما الأطفال. حرصت ميشلين عازر على إبراز دور الجيش السوري ومساعدته للمدنيين ونقلهم الأهالي لتلقي الرعاية الصحية وغيرها من الأشياء، بيد أن أهالي دمشق سمعوا وأحيانا شاهدوا قصف داريا من جبل قاسيون المطل على البلدة. لم تجد الأسر في داريا سوى قضاء أيام في مخابئ تحت الأرض هربا من القصف، الذي ما أن انتهى حتى وجه نشطاء المعارضة اتهامات للحكومة السورية وحملوها مسؤولية المذبحة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص، في الوقت الذي انحت الحكومة باللائمة في المذبحة على عصابات مسلحة. وإذا كانت القصة الكاملة للمذبحة لم يكشف عنها بعد، إلا أن بلدة داريا ليست غريبة عن الاحتجاجات والقمع. ففي عام 2003 بدأت مجموعة من الشباب حركة تهدف إلى تنظيف شوارع داريا ورفع الوعي بين المواطنين إزاء مكافحة الفساد، ما دفع السلطات إلى اعتقال 24 شخصا والحكم بسجن 11 منهم لمدة أربع سنوات. وعندما دبت حركة الاحتجاج ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد في داريا، قدمت البلدة مثالا يحتذي لأنشطة المعارضة السلمية في شتى أرجاء البلاد. وكان من بين الشخصيات المؤيدة للديمقراطية خياط يدعى غيث مطر يبلغ من العمر 26 عاما، قدم مثالا للشاب السوري الذي يحتج دون اللجوء لأعمال العنف. كان مطر أول من أطلق مبادرة إعطاء الجنود، عند دخولهم داريا، وردة وزجاجة مياه، وهي مبادرة شجعت العديد من البلدات والمدن السورية على الاحتذاء بها، لكن ورداتهم قوبلت بوابل من الرصاص. وفي مطلع سبتمبر قتل مطر وعثر على جثته مشوهة ومذبوحة. كانت زوجة مطر البالغة من العمر عشرين عاما حبلى عندما قتل، وخلال مراسم العزاء ارتدت فستانا ابيض وقدمت القهوة لكل من جاء يشاطرها الأحزان. وارتسمت على وجه الزوجة الشاحب ابتسامة صغيرة تخفي وراءها أحزانا، فيما كانت والدته التي أمسكت بمسبحة صلاة تستقبل السيدات اللائي جئن لتقديم واجب العزاء. وطلبت الأم من الجميع مداومة الزيارة ودعم غيث الصغير عندما يولد. لكن الحياة اليوم بدت صعبة على الطفل الصغير، بعد أن لقي أصحابه الأطفال مصرعهم وربما فقد أقاربه وجيرانه أيضا. لم يكن قصف داريا الأخير سوى دفعة للعديد من الشباب في سوريا ممن ساروا على خطى غيث في الاحتجاج السلمي وتحولهم إلى المقاومة المسلحة كسبيل وحيد أمامهم لمواصلة مسيرتهم.