قال الدكتور صابر حارص- رئيس وحدة بحوث الرأي العام بجامعة سوهاج، أن أزمة الإعلام المصري تفاقمت بعد الثورة أكثر مما كانت عليه إبان النظام السابق، لأن الرأس بمفرده لم يعد قادراً على توجيه الإعلام لا من داخله ولا من خارجه، وسادت حالة من الفوضى والمزاجية والتعصب جعلت من كل إعلامي بذاته وحدة غير متناغمة مع زملائه ومؤسسته الإعلامية، ومن ثمّ فإن بداية تصحيح المسار يجب أن تبدأ بالجسد قبل الرأس خلافاً لما كُتب طوال المرحلة الانتقالية، فلا تزال هناك حالة من الإحساس بالظلم وافتقاد العدالة وفقدان الانتماء وغياب المعايير السليمة في كافة أوجه العمل الإعلامي برمته. وأضاف حارص، أن علاج الجسد لا يتم فقط بمجىء رؤساء جدد للتحرير والإدارة أو تغيير القيادات الإعلامية بشكل عام، وإنما هناك ملفات مؤجلة داخل الإعلام وخارجه تبدأ بضمان استقلالية الإعلامي من السلطة ورأس المال والعادات والتقاليد البالية، وإعادة تنشئته وتأهيله في مناخ يحتكم فيه لضميره ومصلحة وطنه ورسالته السامية ويلتزم فيه بالعدالة والنزاهة والأمانة في إدارة النقاش والحوار المجتمعي لقضايا الرأي العام، ويتطلب هذا سواء في الإعلام الخاص أو القومي تنظيم العلاقة بين المالك والإدارة من جهة وبين الإدارة والتحرير من جهة أخرى، وضمان وصول الإعلامي للمعلومات وحمايته من التشريعات الغامضة التي تحتمل التأويل أو من سلطة القضاء والسياسة والأمن والإعلانات، بحيث يُمكن للإعلامي في ظل الثورة أن يفتح ملفات فساد القضاء المصري الذي كان شريكاً في حماية فساد النظام السابق وبرلمانه المُزيف ولجنة لصوصه من السياسات. وأوضح حارص، أن تصحيح المسار بعد الثورة أصبح بحاجة إلى الصحفي الفرد أكثر من الصحفي المؤسسة، وبحاجة إلى المؤسسة أكثر من الدولة والتنظيمات التي تملكه وتديره، بحيث يتم العمل بسرعة على وضع ألية لكبح جماح الإعلام المُنفلت الذى فهم الحرية بعد الثورة على انها سلطة بلا مسؤليه وحق بلا واجب، وكذلك وضع خطوط فاصلة بين العمل الاعلامى الذى يقوم على الحقيقة و الموضوعية و الامانة فى النقل والدقة في العرض والتحري من مصداقية المصادر، وبين العمل الدعائي الذي يقوم على القصد والعمد في نقل الأكاذيب والشائعات بحجة استقائها من مصدر معين وكأن وسائل الإعلام تحولت إلى وسائل للدعاية وأدوات لنقل الشائعات دون ضمير يقظ يحكمها في التحقق من صحة هذه المصادر ورسائلها التي تبثها وتروجها ضد تيار دون غيره تحقيقاً لمصالح خاصة. وكذلك العمل على وقف الممارسات الاعلامية التى لا تزال تُشعل الحرائق بين التيارات السياسية وتُوقظ الفتن بين طوائف الشعب وتهز استقرار الوطن، وسرعة البدء فى ممارسات إعلاميه تبحث عن القواسم المشتركة بين فئات وتيارات المجتمع ونخبه السياسية وتعمل على تقريب الفجوات بين قوى المجتمع الثورية والاسلامية وغيرها، ليلعب الاعلام دوره فى استقرار البلاد وتهدئه المواطنين وزرع التفاؤل نحو الثورة و أهدافها بدلاً من نشر ثقافة اليأس و ترويع الناس و فقدان ثقتهم فى مستقبل الثورة العظيم . ولفت حارص إلى خطورة انفصام كثير من وسائل الإعلام عن أجندة الثورة المصرية واستمرارها في أجندة الثورة المضادة التي تحاول عزل مؤسسة الرئاسة عن أجهزة الدولة وجهازها الإداري وعرقلة تحقيق أهداف الثورة المصرية لصالح النظام السابق، وشدد على أهمية الانطلاق من رؤية إعلامية سليمة تُحقق المسئولية الوطنية بدلاً من العمل بعشوائية وحزبية وشخصية ضيقة، وفتح ملفات الفساد والمحاسبة لإعلاميين سابقين وحاليين حتى تتوقف الأصوات والأقلام التي تستغل مناخ الحرية وتحتمي بمؤسسة القضاء ونادي القضاة الذين يحملون مواقف معلنة بالعداء لمؤسسة الرئاسة وصلت إلى حد الاستهزاء والتهديد لرمز الدولة المصرية دون سياق موضوعي يتطلب ذلك.