نقابة المهندسين تقدم شكوى للوطنية للانتخابات غدا ضد مرشحين يدعون حمل لقب مهندس    اسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم الثلاثاء    «أفق أوروبا».. توقيع تاريخى يفتح خزائن أكبر برنامج تمويلى للبحوث والابتكار    مديرة المنظمة الدولية للهجرة تحذر من تصاعد العنف في الفاشر    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب بحر باندا بإندونيسيا    الصين وأمريكا تتوصلان لتوافق مبدئي بشأن تمديد الهدنة التجارية    "مطروح للنقاش" يناقش إعلان ترامب رغبته لقاء زعيم كوريا الشمالية    مجلس الوزراء يوافق على تعديل مواد في نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج    ريال مدريد لن يفرض عقوبات على فينيسيوس بعد مشادة الكلاسيكو    بحضور وزير والرياضة، عمر هشام يعلن انطلاق بطولة مصر المفتوحة للجولف 2025 بملاعب مدينتي    فيتو في عددها الجديد، «نواب» 2025 قليل من السياسة كثير من المال    قبل يومين من عرضه.. زينة تنهي تصوير مسلسل ورد وشوكولاتة    الذكاء العربى الجماعى.. من أجل ميلاد جديد للعمل العربى المشترك    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    مرور مكثف على وحدات الرعاية الأساسية بالمنوفية ومتابعة جاهزية وحدة شوشاي للاعتماد    بعد قرار «الأهلي» برفع حدود الإيداع.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وال ATM    محافظ القاهرة: المراحل الجديدة من تطوير العتبة قريبا.. وتخصيص 500 مكان للباعة الجائلين    كورييري ديلو سبورت: إصابة دي بروين تبعده لمدة قد تصل إلى 4 أشهر    أبو ريدة يفتتح دبلومة التدريب الأفريقية للرخصة «A8»    مهرجان الأقصر السينمائي يحتفي بمئوية يوسف شاهين.. وجنوب إفريقيا ضيف شرف الدورة 15    عنف التلامذة!    هل تواجه مصر فقاعة عقارية؟.. رجل أعمال يجيب    رئيس المؤسسة العلاجية في جوله تفقديه بمستشفي هليوبوليس    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    التحالف الوطني يستمر فى تدفق شاحنات الدعم الإغاثى إلى قطاع غزة.. صور    فيديو.. سفير طوكيو لدى القاهرة: مساهمات اليابان في المتحف المصري الكبير تقوم على 3 ركائز    «صحح مفاهيمك».. أوقاف كفر الشيخ تنظّم فاعليات توعوية بالمدارس    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    محافظ كفر الشيخ: أسواق اليوم الواحد تضمن وصول السلع للموطنين بأسعار مناسبة    طرح أغنية كلكوا فلة ل بوسى والعسيلى من فيلم السادة الأفاضل    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    غدًا.. انطلاق ملتقى التوظيف الأول لأسر الصحفيين بالتعاون مع «شغلني» بمشاركة 16 شركة    السياحة: استعدادات مكثفة داخل المتحف المصرى الكبير تمهيدا للافتتاح المرتقب    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    وجبة الإفطار مرآة جسمك.. ما لا يخبرك به فقدان الشهية الصباحية عن حالتك الهرمونية والنفسية    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    محمد عمر: الأهلي والزمالك لن يعترضا علي تأجيل مباريات بيراميدز    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    فوزي إبراهيم بعد حلقة الحاجة نبيلة مع عمرو أديب: «المؤلفون والملحنون شاربين المر ومحدش بيذكر أسماءهم»    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    الرئيس السيسى يثنى على الخدمات المُقدمة من جانب صندوق تكريم الشهداء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    اعترافات صادمة لقاتل مقاول كفر الشيخ.. أمه غسلت هدومه من دم الضحية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي لبحث تطورات الأوضاع في السودان وليبيا    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة.. وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    بعد خسائر 130 دولارًا| ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 28 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهداف كتانية
نشر في الجمعة يوم 25 - 07 - 2012

أثناء الحرب العالمية الثانية، تم تكليف الساحر جاسبر ماسكلين من قبل السلطات العليا في فرنسا أن يقوم بعمل وحدة تمويه عسكرية في مصر. واستطاع الرجل بما أوتي من كهانة أن ينشئ جيشا كاملا من الجند والسلاح باستخدام الكتان والخشب ليماثل ما لدى الفرنسيين من عتاد. وتمكن الرجل بمساعدة مردة الجن وأشداء الجند من إخفاء ميناء الإسكندرية تماما عن الأنظار في شهر يونيو عام 1941، وإنشاء إسكندرية وهمية يعلو تاجها فنارة مقلدة تنير الضفاف البعيدة من الساحل. وفي ظلمة الليل كانت مدينة الإسكندرية تتدثر بعباءة الظلام بينما ترفل الإسكندرية الكاذبة بحلة قشيبة من الأضواء اللافتة. وأفلح الساحر وعصابته في تشتيت قنابل الألمان الذين بهرهم النصر الزائف على الأهداف المفبركة.
ومع كل فجر كاذب، كانت أشلاء المدينة الكرتونية تتطاير فوق بلاط الميناء لترسم بسمة بلهاء فوق وجوه أسكرها التحليق في سماوات مفتوحة واعتداد بقوة صورية ونصر كاذب على خرق سحر بالية أجاد السحرة رشقها في خاصرة الوعي. وانتهت الغارات الليلية دون أن تفقد الإسكندرية فنارتها أو تسقط عنوة من أيدي الحلفاء. وهكذا تحول النصر في حلوق الألمان إلى مرارة، ليتصدر ماسكلين المطلوبين على لائحة الجستابو النازي.
كان معاونوا الساحر الذين تجاوز عددهم ألفا وثمانمئة مقاتل ينصبون هياكل الطائرات والدبابات والمضادات الجوية في المواقع المستهدفة ليلا، وعقب القصف يقومون بنقلها إلى موقع أخر يمثل هدفا استراتيجيا آخر للقوات المغيرة. وهكذا مهد الزيف طريق الحلفاء وأعوانهم من السحرة والمردة من الجن والإنس. وأوتي الألمان من حيث لم يحتسبوا لأنهم انتظروا المعركة في موقع لم يعرف غبار الحرب، وتركوا متاعهم ورجالهم في مرمى قوات لم تخسر إلا القليل من القوالب المطاطية والهياكل الخشبية.
لم تضرب الطائرات الغارقة في مستنقع الوهم أهدافها إذن، ولم تسقط صارية الهدف أو فنارته، بل ظلت رايات الحلفاء ترفرف في سماوات مدينة احتمت من البغاة بالسحرة يوم تعرت سواعد أبنائها فكشفت عن هزال سياسي وتبعية اقتصادية واستضعاف حربي. ولم تصب خناجر الليل الموجهة نحو عاصمة الجمال من رونقها وبهائها، وإن أصابت كبد الكبرياء في عيون أطفالها لعقود. وعاد الألمان الذين أفقدتهم مكبرات الصوت تركيزهم إلى قواعدهم غير آمنين. عادوا ليَسقطوا مع دعاوى انتصاراتهم الكسيحة في أعماق المتوسط دون شفقة أو تأبين يليق بغرورهم الأسطوري.
هكذا يفقد الوعي بوصلته حين يصاب المصوبون بغرور النصر فتضيع منهم الإشارات والعلامات، ويتحولون في ميادين الصراع إلى مهرجين حمقى لا يجيدون لبس القبعات الملونة أو السير فوق الأحبال المشدودة، بل يجيدون السقوط المقنع في ثياب نصر زائف أعده سحرة الأنظمة ودجالو الاستخبارات المركزية. هكذا تتحول كارثة السقوط الحر لطائرات الأدمغة إلى ملهاة تثير الضحكات والنكات الفجة. ولأن المنتصرين الذين يلقون أسلحتهم في ساحة الحرب دون أن يراجعوا جثث موتاهم يستحقون من الأرض اللعنة ومن الأعداء الطعان، سقط الألمان من مراجيحهم الهوائية على وعي جديد بأن نصف النصر هزيمة وإن رافقته الألعاب البهلوانية في سماوات مفتوحة على مصاريعها لكافة الاحتمالات.
ولأننا تحولنا كما تحول الألمان ذات غرور إلى بالونات حمل كاذب صدقته أمنا العجوز وآمنت به حد الخرف، فقد أدرنا وجوهنا نحو قبلة جديدة ذات منارة مطاطية، يطويها سحرة الأحلام بعد الغروب وقبل السحر، وتنتقل معها أعيننا الذاهلة عن بوصلتها الغارقة في ظلام الوعي الدامس حيثما ولت. وبعد حل وارتحال دام أشهرا اكتشفنا في ضوء النهار ودون مكبرات صوت أو كاميرات ليزرية أننا انتصرنا على فزاعات خشبية مغطاة بثياب كتانية، وأننا هدمنا نظاما صوريا ودعمنا بطائراتنا الورقية الهزيلة مدينة ذات فنار لا يضيئ ولا يلهم.
ظننا ذات صهيل أننا امتلكنا مفاصل الأحلام وخارطة المستقبل، وأننا نعرف أهدافنا كما نعرف أبناءنا، وصوبنا بكل ما أوتينا من خناجر حول الهدف كما يفعل الرماة المهرة، واكتشفنا بعد أن أماط النهار لثام الزيف من فوق عيوننا المترقبة أننا غربلنا جسد الأحلام بخناجر معقوفة تجيد الطيران فوق أهدافها المزيفة. اكتشفنا بعد أن أفرغنا حمولة أحشائنا من هتاف وصراخ أننا أفرغنا أمتعتنا فوق ميناء كاذب في ضوء فنار آيل للطوي عندما يرخي كل ليل سدوله. قدر أن نعود من فوق جبال الأحلام التي غادرناها قبل أن يبزغ هلال الدهر فوق تلالنا المتشحة بسواد سرمدي لجمع أخشاب الفزاعات الوهمية أن نصل إلى نفس الهزيمة وإن اختلفت تفاصيل الموقعة. قدر أن نعود من أُحُد الأنانية ببعض الهزائم التي تصفع كبرياءنا الجريح على رصيف عالم لا يحترم طائرات الحمقى التي تصوب دوما نحو الفزاعات وتتجاوز فنارات قائمة على أصولها لتمهد لزحف جديد نحو نظام لم يسقط بعد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.