الطبيعى أن يكون أنصار النظام القديم قد عاشوا أسعد لحظاتهم منذ قيام الثورة فى اللحظة التى عرفوا فيها بحل مجلس الشعب، وزادت الفرحة حينما علموا أن مرشحهم أو «فارسهم» أحمد شفيق مستمر فى السباق الرئاسى، والأكثر تأكيدا أنهم يشعرون أن فوزه فى انتخابات الرئاسة اليوم بات وشيكا. وإذا كان الشعور بالشماتة مكروها بين الخصوم، فإن المرء يستغرب أن يكون هذا شعور بعض رفاق الإخوان فى إنجاز الثورة وأقصد بهم بعض القوى الليبرالية. القوى السياسية وقعت فى الفخ وبدأت تخوض حروب «داحس والغبراء» فيما بينها، وانشغلت عن بناء نظام سياسى متين، والنتيجة أنها جميعا عادت لنقطة الصفر. التيار الإسلامى ارتكب أخطاء رهيبة فى العملية السياسية خلال الشهور الماضية، وهو ما سهل عملية «شيطنته» لدى المواطنين، وهو الأمر الذى وقع فيه التيار الليبرالى أيضا، لكن هل حل مجلس الشعب سوف ينهى المأزق السياسى الذى نعيشه؟!. لا نعلق على أحكام القضاء، لكن نتحدث فى السياسة ونسأل الشامتين: إذا فرحتم الآن بحل مجلس الشعب فما هى الخطة البديلة؟!.ألسنا فى حاجة لبرلمان جديد؟. نعم البرلمان وقع فى أخطاء كثيرة وبعض نوابه لم يكونوا على مستوى المسئولية فى الأداء، لكن تذكروا أنه برلمان منتخب من أغلبية الشعب. وقد نستغرق وقتا طويلا قبل أن نحظى ببرلمان جديد. لا يعنى كل ما سبق أننى حزين لحل المجلس، بل حزين لأن الإنجاز الرئيسى للثورة وهو وجود برلمان منتخب قد تلاشى، بعد قرار بطلانه أمس الأول. ورغم ذلك سوف نسأل الشامتين الذين ثبت أنه كثيرون سواء من أنصار النظام القديم، أو، بعض القوى الليبرالية الغارقة فى الأوهام السرمدية سؤالا بسيطا: البرلمان انحل، ولنفترض أن الانتخابات ستجرى غدا أو بعد شهرين أو بعد ستة شهور فماذا أنتم فاعلون؟!. الحقيقة المرة أن الانتخابات البرلمانية لو جرت غدا أو بعد ستة شهور لن تغير الواقع الموجود بصورة كبيرة. قد تكون نسبة تأييد الإخوان قد تقلصت إلى حد ما بفعل أدائهم المزرى والبائس فى البرلمان وفى قصة الجمعية التأسيسية وهو ما يمكن ملاحظته فى ارتفاع عدد الشامتين، لكن ليس هناك حزب أو قوة سياسية منظمة تستطيع أن تحصد الأصوات التى يفترض أن يخسروها. حتى هذه اللحظة مايزال الإخوان القوة الرئيسية، ثبت ذلك فى انتخابات البرلمان، وفى انتخابات الرئاسة حينما حل مرشحهم أولا متقدما على الجميع. الشماتة فى السياسة لا تفيد بل تضر كثيرا، ونسأل أصحابها: ماذا لو أجريت الانتخابات الجديدة وفاز الإخوان والتيار الدينى مرة أخرى؟!. قد نستطيع تفهم سر هذه الشماتة رغم كراهتها إذا كانت القوى الأخرى تملك حظوظا كى تستحوذ على مقاعد التيار الدينى، لكننا نعلم أن هذه القوى بلا حول وبلا قوة. تفعل هذه القوى الشامتة خيرا لو توجه الطاقة السلبية الكثيرة التى تملكها إلى عمل ميدانى وسط الناس لإقناعهم بالتصويت لها. الطبيعى أن صناديق الانتخابات وليس منصات القضاء هى التى تصنع العملية السياسية، والذين يفرحون اليوم بحكم يقصى الإخوان، عليهم أن يتحسبوا لحكم غد قد يقصيهم هم إذا امتلكوا الغالبية يوما. الطبيعى بعد زلزال 14 يونيو، أن يجلس كل طرف مع نفسه ويناقش ويقيم ماذا حدث ولماذا حدث، وكيف يمكن الخروج من هذا النفق؟!. مرة أخرى السياسة لا تعرف اليأس ولا المستحيل وتستطيع القوى المؤمنة بالديمقراطية وتداول السلطة حقا أن تجلس معا كى تبدأ من جديد، وعلى أرضية نظيفة. وإلى كل الشامتين تذكروا أن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. نقلا عن الشروق