أحد أصدقائى كاتب ومثقف موسوعى، ومتيم بالثورة. هذا الفنان فوجئت به يقول لى قبل أيام انه إذا وجد نفسه مضطرا للاختيار أمام صندوق انتخابات الرئاسة بين مرشح الإخوان وأى مرشح من الفلول فسوف يختار الأخير مضطرا. الغريب أن هذا الصديق كاره بالفطرة للحزب الوطنى ومبارك وكل سياساته.
سر التحول الخطير الذى طال هذا الصديق وغيره سببه الأخطاء الكارثية التى وقع فيها التيار الإسلامى أخيرا وكان أخطرها لجنة كتابة الدستور وترشيح الشاطر للرئاسة.
لا أريد أن أصيب الناس باليأس من خلال عرض التحول الذى أصاب هذا الكاتب، لكن هى مناسبة لمناشدة التيار الإسلامى كى يلتفت أنه يخسر أصدقاء ومناصرين، ويدفعهم أحيانا لخيارات قد تكلفهم وتكلف البلد الكثير.
للمرة المليون، فإن التيار الإسلامى لم يدرك الخطأ الكبير الذى وقع فيه بتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور.
لا أتحدث عن الشق القانونى، حتى لا يتهمنى أحد بأننى أنكر على هذا التيار حقه فى ممارسة حقوقه السياسية، أتحدث فقط عن الشق السياسى والمواءمات، خصوصا فى هذه المرحلة المفصلية التى نعيشها.
نحتاج إلى أن يتصدر المشهد داخل التيار الإسلامى أشخاص يجيدون ممارسة السياسة، لا أشخاص هواة يتحدثون دون علم.
من قبيل ذلك ما قاله عضو الهيئة العليا لحزب النور وعضو الجمعية التأسيسية بسام الرزقا ل«الشروق» من انه يستشعر أن قرار محكمة القضاء الإدارى ببطلان لجنة الدستور جاء لمصلحة عمر سليمان والفلول، لأنه حسب فهمه سيؤجل صياغة الدستور الجديد حتى يأتى الرئيس الجديد، ومعه صلاحيات الرئيس القديم، ثم يطعن على الدستور، ثم يحل مجلس الشعب.
انتهى الاقتباس من كلام الزرقا وأصارحكم القول اننى صعقت منه، واسأله: وماذا بعد استبعاد سليمان تماما من السباق؟
وحتى اذا كان سليمان أو غيره قد استفاد من هذا الحكم فعلينا أن نلوم فقط أولئك الذين أوقعونا فى حفرة الدستور، وأصروا على التعامل معه باعتباره مجرد قانون يحتاج إلى خمسين فى المائة زائد واحد فى البرلمان. علينا أن نتوقف عن استعمال أو استدعاء شماعة عمر سليمان فى كل مصيبة، والذين طعنوا على اللجنة التأسيسية لم يكونوا أنصار سليمان، بل كوكبة واسعة يمثلون قوى وطنية متنوعة.
مرة أخرى لا نريد الدخول فى جدل لإثبات من هو المصيب ومن هو المخطئ، نعيش لحظة مصيرية وعلينا التفكير فى كيفية الخروج من المأزق.
المعادلة ببساطة انه إذا اعتنق كبار قادة التيار الدينى هذه الطريقة التى تحدث بها الزرقا فالمؤكد أن هذا التيار سيخسر كل من حوله وسيجبر كثيرين على الاصطفاف مع خصوم هذا التيار، وبعضهم يقبع فى قلب هجوم فريق الفلول.
المسألة لا تتعلق بلجنة الدستور فقط، فتلك عملية يمكن حلها بطرق متعددة، لكنها تتعلق بالطريقة التى ينوى التيار الإسلامى أن يتصرف بها مع شركائه فى الثورة ومع كل قوى المجتمع. التيار الدينى له أغلبية البرلمان، ويتأهب للحصول على الحكومة، وينافس على رئاسة الجمهورية.
التيار الدينى لم يشكل الحكومة حتى الآن ومنصب الرئيس بعيد عنه، والبرلمان غير فاعل، فإذا كان يتصرف بهذا الشكل الآن كما اتضح فى تشكيل اللجنة التأسيسية فكيف سيتصرف عندما يسيطر على المناصب الرفيعة؟!
أتمنى من كل قلبى أن يتوقف الإخوان عن ارتكاب الأخطاء الكارثية فى اللحظات المصيرية مثلما حدث حينما تعاملوا مع الملك فاروق وتركوا القوى الوطنية، ومثلما كرروا نفس الفعل حينما تحالفوا مع عبدالناصر، ثم حاولوا الانقضاض عليه. يا أيها الإخوان جربوا أن تتحالفوا مع شركاء الثورة والوطن.. فذلك هو الرهان الكبير.