في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة ذهب صوتي لقائمة "الثورة مستمرة" وفي الفردي إلى الأستاذ حافظ أبو سعدة، ولأن الإعادة كانت بين مرشّحي الإخوان ومرشحين محسوبين على "الفلول"، فقد أعطيت صوتي للإخوان دون تفكير. المؤكّد أن كثيرين فعلوا مثلي حينما وجدوا أن مرشّحي الإخوان هم الأفضل مقارنةً بمرشحي النظام الساقط؛ فهل يُعقل أن يتعامل الإخوان مع صوتي وأمثالي باعتبارنا "إخوانا" ويتصرّفون باعتبار أن هناك 20 مليونا صوّتوا لصالح التيار الإسلامي؟! أُسرد هذه المقدّمة الطويلة لأقول إنه ليس كل مَن أعطى صوته للحرية والعدالة أو السلفيين إخوانيا.. وحتى لو كانوا كذلك، وحتى لو صوّت كل المصريين للإخوان والسلفيين فإن ذلك لا يُعطيهم الحق في محاولة الاستئثار بلجنة المائة لكتابة الدستور. لن أدخل في جدل هل نسبة الخمسين في المائة للبرلمان قانونية ودستورية أم لا، ربما تكون كذلك، وربما لا تكون، لكن مَن قال إن المشكلة في القانون أو الدستور؟ وهل لو قالت المحكمة الدستورية أو المحكمة الإدارية العليا إنها سليمة تنتهي المشكلة؟ المشكلة أولا وأخيرا سياسية وتتعلّق بسلوك فصيل سياسي مهم يتهيّأ أن يحكم قبضته على السلطة التنفيذية، بعد أن أحكمها على السلطة التشريعية. منذ وقت طويل يرفع الإخوان شعار "مشاركة لا مغالبة".. ومنذ أسابيع قالوا علنا وسرا أنهم ملتزمون بدستور يُرضي الجميع، لكن وفي أول اختبار حقيقي لهذا الشعار فوجئنا أن "التيار التكويشي" داخل الإخوان هو الذي فرض كلمته للهيمنة على لجنة المائة. ما أملكه من معلومات يقول إن الإخوان بعثوا برسائل قبل أسابيع لجهات كثيرة في الدولة من أول المجلس العسكري إلى الأحزاب والنقابات، وكل من يهمّه الأمر بأن الدستور سيكون توافقيا، وحتى صباح يوم السبت الماضي كنت مقتنعا أن ذلك هو الذي سيحدث، وسيكون تصرّفا أحمق لو أصرّ الإخوان والسلفيون على كتابة دستور على مقاسهم الخاص فقط. إذا كان هذا الوعد الإخواني صحيحا، وإذا كان الشارع السياسي لا يتحمّل أن يصبغ الإخوان والسلفيون الدستور بصبغتهم، فما الذي يدفع الإخوان إلى الاستئثار بحصة الغالبية في لجنة المائة؟! ولماذا أصرّوا على "تربسة الدماغ"، ثم شنّوا هجوما على كل طرف فكر في استخدام حقه الديمقراطي في الاعتراض أو التظاهر؟! تقديري المتواضع أن الإخوان كان لديهم فرصة تاريخية للمصالحة مع بقية القوى في المجتمع من ليبراليين ويساريين وقوميين، والاتفاق على تشكيل لجنة متنوّعة بنِسب متوازنة تُرضي الجميع.. لو حدث ذلك لكنا قد أنهينا تماما آثار الاستقطاب الخطير الذي نشأ بعد استفتاء 19 مارس الماضي وبعد الانتخابات البرلمانية. مرة أخرى لا أتحدّث عن النسب والتمثيل والانصياع لرأي الغالبية أو أحكام القانون، كل ذلك يصلح إذا كنا بصدد إصدار قانون لإنشاء شبكة مجاري أو رصف طريق، لكن نحن نتحدّث عن دستور يفترض أن يستمر لعشرات وربما مئات السنين. كيف فات على الإخوان هذا الأمر وبينهم كثيرون مدرّبون على العمل السياسي منذ سنوات.. كيف فات على الإخوان أن يكسبوا التيار الليبرالي إلى صفهم وهم مقبلون على معركة تكسير عظام مع المجلس العسكري من الآن وحتى أول يوليو وربما ما بعده؟! كيف سمح الإخوان والسلفيون أن تصل الأمور إلى حد انسحاب أحزاب وشخصيات من لجنة كتابة الدستور؟! لو أن الإخوان صادقون في أنهم ملتزمون بدستور مدني ديمقراطي لكان منطقيا أن يتخلّوا عن نسبة الخمسين في المائة.. إذن هل علينا أن نبدأ القلق ونخشى ألا يفي الإخوان بوعدهم الخاص بدستور يرضي الجميع؟! نُشر بالشروق بتاريخ: 26-3-2012