تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور بهذا الشكل العجيب والمعيب أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً دفع كافة القوي السياسية والشعبية إلي إتخاذ اجراءات دستورية وقانونية مضادة .. وهي اجراءات مرشحة للتصاعد إلي أبعد مدي .. ومعها حق. غير مقبول بالمرة أن يعين البرلمان "المتغير" أو بمعني أصح التيار الإسلامي فيه نفسه وصياً علي دستور تسير عليه الامة لمئات السنين .. فهذا لم ولن يحدث في أي دولة في العالم ولو كانت متخلفة وتعيش وراء الشمس. وغير مقبول بالمرة أن يصيغ هذا البرلمان أو ذاك التيار دستور البلاد علي هواه ويصوت هو عليه ويعرضه علي الشعب .. وكأن هذا الشعب بكافة أطيافه "قراطيس" لا تملك من أمر نفسها شيئاً. وحتي لو رضينا أن يشارك بعض أعضاء البرلمان في اللجنة التأسيسية رغم أن هذا غير منصوص عليه في الإعلان الدستوري .. فإنه غير مقبول بالمرة أن يكون عدد النواب في اللجنة نصف عدد أعضائها المائة .. ثم يستأثر التيار الإسلامي بالغالبية العظمي بها ليصل عدد نواب الحرية والعدالة الاخواني والنور والبناء والتنمية السلفيين إلي 37 عضواً من 50 وعدد الشخصيات المستقلة المحسوبة علي هذا التيار 21عضواً من ال 50 الآخرين ليصبح للتيار الإسلامي 58 عضواً من مائة تكون له بهم الأغلبية المطلقة في التصويت علي أي نص. ما هذا الطمع غير المحدود؟ ولماذا؟ هل لضمان أن يكون الدستور معبراً عن التيار الإسلامي فقط؟ وكيف؟ يا سادة .. إن هذه الدولة إسلامية .. وسواء نص الدستور علي أنها مدنية .. أو حتي علمانية لا قدر الله فإنها إسلامية رغم أنف أي أحد آخر .. فلماذا يضع الاخوان والسلفيون العقدة في المنشار ويبتدعون حكاية "50 50" المريبة هذه والتي ينتهجون فيها مبدأ الأقصاء لا الأحتواء حتي أنهم أقصوا تماماً شباب الثورة من اللجنة مثلما تم اقصاؤهم من البرلمان رغم أنهم الأولي من أي فصيل آخر بالتمثيل في اللجنة؟! إن ما فعلوه يخالف طبيعة المجتمع والاجراءات المعمول بها في وضع دساتير العالم كله مما تسبب في تمزق النسيج الوطني ولحمته حيث انسحب تسعة من النواب ورؤساء الأحزاب والشخصيات العامة والممثلة لهيئات من اللجنة التأسيسية ومن المؤكد أن الانسحابات ستتوالي .. ثم كانت الطامة الكبري انسحاب حزب الوفد أيضاً وهو ثالث أكبر الأحزاب الممثلة بالبرلمان كما أن هناك قضايا كثيرة مرفوعة أمام القضاء الإداري تطالب بإلغاء تشكيل اللجنة. وهناك أيضاً مطالبات للمجلس العسكري بعرض أمر اللجنة علي المحكمة الدستورية لوقف هذه المهزلة .. اذ ما الفرق بين لجنة ال 100 التي عينها "الاخوان والسلفيون" لاعداد دستور 2012 ولجنة ال 30 التي عينها الملك لاعداد دستور 1923 ورفعها زعيم الأمة سعد زغلول ووصفها بأنها "لجنة الأشقياء"؟ إن لجنة ال 100 هذه بتشكيلها الحالي .. هي أيضاً "لجنة أشقياء". هل رأي الاخوان والسلفيون إلي أي مدي وصلنا وإلي أي حد فتتوا الوطن وفقدوا العديد من المناصرين لهم وإلي أي مستوي متدن أصبحت لغة الخطاب والتهجم والافتراء أحياناً؟ لن نيأس في تبصير التيار الاسلامي بأخطائه .. جل من لا يخطئ .. الأمل مازال موجوداً .. وهناك مبادرة قرأتها علي المواقع الكترونية وصلت إلي الزميلة الاعلامية لميس الحديدي يتم مقتضاها أن يسحب حزبا الحرية والعدالة والنور عشرة أعضاء من المحسوبين عليهما وانتخاب أعضاء مكانهم من التيار الليبرالي واليساري والقوي الوطنية الاخري مع تراجع كل من انسحب عن قراره وأن يكون التصويت علي النصوص الدستورية بنسبة 75% وليس كما هو منصوص عليه "50 « 1" بهدف التغلب بشكل قاطع علي مسألة انفراد الإسلاميين بوضع وتمرير النصوص. المبادرة أراها جيدة ويمكن اجراء تعديلات عليها بحيث تؤدي المطلوب ولا تبخس حق أي طرف أو تيار في المجتمع .. وفي نفس الوقت لا تجعل الاسلاميين يصدرون دستوراً علي مقاسهم هم فقط. أتمني أن يعلي الاخوان والسلفيون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ويتوصلوا اليوم إلي "صيغة توافقية" سواء كانت هذه المبادرة أو غيرها .. المهم أن يتم إصلاح العيوب الموجودة في تشكيل "لجنة الأشقياء الجديدة". اللهم وفق الجميع .. لما ترضاه.