كيف يمكن تفسير إخفاق الحزب الناصرى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة وعدم تمكنه حتى من تخطى حاجز النصف فى المائة من الأصوات، وبين الصعود الواضح لحمدين صباحى فى سباق رئاسة الجمهورية؟!. التفسير السريع هو أن الناخبين عاقبوا قيادات الحزب التى تحولت فى سنواتها الأخيرة إلى خاتم فى يد صفوت الشريف وأجهزة حبيب العادلى الأمنية، فى حين أن القدرات الشخصية القيادية لحمدين هى التى جعلته يتحول إلى واحد من الأرقام الصعبة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كثيرون من الفقراء لا يزالون «يحنّون» إلى سياسات عبدالناصر المنحازة إليهم، وبعضهم لا يزال يضع صورة هذا الزعيم الصعيدى على حائط بيته القديم. وبعض المصريين أيضا يختلف تماما مع بعض سياسات دولة عبدالناصر المعادية للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والتى انتجت كارثة يونيو 1967. إذا كيف يستطيع صباحى أن يأخذ أفضل ما تركته الناصرية ويتجنب تراثها المأساوى؟!. هذا هو السؤال المحورى، والذين فى قلبهم مرض يقولون إن صباحى يحاول إعادة استنساخ تجربة يوليو السلبية. جلست مع حمدين صباحى فى لقاءات صحفية وودية متنوعة، وكان الرجل واضحا أنه ولتجنب الالتباس فضل أن يكون مرشح كل المصريين وليس مرشح الناصريين، بل لم يترشح باسم حزبه الكرامة الناصرى الذى يعتبر زعيمه الروحى. صباحى كان واضحا فى ضرورة إحداث قطيعة مع أى سياسات يمكن أن تقود إلى إلغاء الديمقراطية وإعادة إنتاج دولة الحزب الواحد. لكن مرة أخرى، ما هو سر الصعود المتوالى لصباحى فى الأسابيع الأخيرة سواء على مستوى استطلاعات الرأى أو النتائج المبدئية لتصويت المصريين فى الخارج؟!. صباحى نزل إلى الناس فى القرى والنجوع والكفور والمدن وتحدث لهم بلغة يفهمونها، ولأنه متحدث جيد، ومفوه ولديه كاريزما تجذب الناس اليه خاصة البسطاء فقد استطاع أن يصل إلى قلوبهم. لكن هل تكفى اللغة والخطابة والكلمات المنمقة لتفسير صعود أسهم مرشح على حساب آخر؟!. بالطبع لا، لكن جزءا كبيرا من المصريين لا يزال يحن إلى خطاب اجتماعى منصف للفقراء والمهمشين والمعدومين، خطاب يقدم برنامجا يعادل ما بين حرية الكلمة والتظاهر وحرية رغيف الخبز والمرتبات، بين علاقات عربية حقيقية وتصدٍ لبلطجة الصهاينة فى المنطقة. كثير من خصوم صباحى حاولوا تصوير أن نجاحه يعنى أن مصر ستدخل حربا فى اليوم التالى فى إسرائيل، والرجل كان واضحا جدا فى الحرب التى سيخوضها فورا ستكون ضد الفقر وليس ضد إسرائيل. لكى تحارب إسرائيل وتنتصر عليها فلابد أن تنتصر فى بلدك أولا ضد الفقر والجوع والفساد، والتعليم المتخلف والصحة المتردية، ومن دون ذلك فإنك مهزوم أمام إسرائيل حتى لو لم تحاربها، وهذا هو سر سعادة إسرائيل بحسنى مبارك كنزها الاستراتيجى. كثيرون اعتقدوا أن الحركة الناصرية والقومية قد ماتت، بفعل الأداء الكارثى للأحزاب الناصرية الرسمية، لكن تجربة حمدين صباحى الأخيرة تشير إلى العمل الجاد وسط الجماهير وإعادة صياغة برنامج ناصرى عصرى هو أمر ليس مستحيل، برنامج يركز على العدالة الاجتماعية فى بلد يعشعش فيه الفقر والفساد، وفى نفس الوقت يؤكد تمسكه بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. البعض يقول إن مصر فى حاجة إلى مثيل لعبدالناصر، لكن شرط أن يكون ديمقراطيا، وهؤلاء يرون فى صباحى وتجربته إمكانية لإحداث توازن فى المجتمع الذى مال إلى اليمين أكثر مما ينبغى. وأخيرا فالبعض يسأل فى ظل صعود أسهم معظم مرشحى الثورة: ألم يكن جديرا بهم أن ينسقوا معا بدلا من التشرذم..وهل فات فعلا أوان التنازل أو حتى التنسيق وهذا أضعف الإيمان؟!. مع تمنياتِ بالتوفيق لصباحى وسائر المرشحين الوطنيين. نقلا عن الشروق